10 ابريل 2019
السيسي وألمانيا وسيف العقوبات
لن تجدي محاولة التقليل من شأن رئيس البرلمان الألماني (بوندستاغ)، نوربرت لامرت، وهو ثاني أعلى منصب في الدولة، بعد الرئيس الاتحادي، وعضو أكبر الكتل النيابية، نتيجة رفضه لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في زيارته المقررة في يونيو/ حزيران المقبل إلى ألمانيا. ويُعتبر رفض لامرت حدثاً واحداً مهماً في سلسلة الرفض الغربي الذي بدأ يظهر، نتيجة انتهاكات نظام السيسي حقوق الإنسان في مصر، منذ إطاحة الرئيس المنتخب، محمد مرسي.
وليس هذا الرفض وليد اللحظة التي أُصدرت فيها الأحكام، وعُلقت فيها مشانق الإعدام، لكن لامرت، بوصفه رئيس برلمان منتخباً، من حقه أن ينظر احتراماً للشعب الذي اختاره، مع من سيتحدث، فهو يقول إنّه، ببساطة شديدة، انعدمت أسس الحوار بسبب هذا الفارق الشاسع. وكان من المتوقع أن تتم مقابلة ترفّع لامرت عن الجلوس مع السيسي إلى ترفّع مقابل، وردة فعل لهذا الرفض المُخزي، قال مؤيدو السيسي إنّهم ورئيسهم في الأساس زاهدون في لقائه.
ولا أدري كيف يخرج تصريح كهذا، إثر الترتيب لزيارة بهذه الأهمية، من المفترض أن تُعرف فيها أبجديات أجهزة الدولة التي يُنتوى زيارتها. فالبرلمان الألماني (البوندستاغ) منتخب، وليس برلماناً صورياً كالموجودة في وطننا العربي. وهو، وفقاً للنظام الفيدرالي، أهم مؤسسة تشريعية في البلاد، إلى جانب البرلمانات المحلية للولايات الألمانية ومجلسها. ويختص البوندستاغ بسن التشريعات وإصدار القوانين ومراقبة عمل الحكومة والوزارات والمؤسسات التابعة لها. وتزداد أهميته بأنّه منوط به التصديق على إرسال الجيش الألماني في مهام عسكرية للخارج. ومهمة البوندستاغ، أيضاً، هي انتخاب المستشار الاتحادي، وضمان استمراره في الحكم، من خلال تأييد سياساته، كما يمكنه عزل المستشار بالتصويت على نزع الثقة.
لم يتوقع السيسي، بالطبع، أنّ رئيس البرلمان الألماني المنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي الذي تترأسه المستشارة أنجيلا ميركل، قد قام بجرد حساب للنظام في مصر التي أكد على أهميتها. وأنّه، منذ التغيير في السلطة وقيام الانقلاب، وهو يتابع التصعيد في ملاحقة الجماعات المعارضة، وحلّ البرلمان المنتخب واعتقال عشرات الآلاف لأسباب سياسية، وقتل الآلاف في أثناء المظاهرات والاحتجاجات، ثم إلى إصدار أحكام الإعدام على قياديين، يمثلون جماعات سياسية منافسة.
من البديهيات، أيضاً، في العلاقات الدولية، أنّ قضايا الاقتصاد لا تنفصل عن السياسة، فالغرض الأساسي من الزيارة المعنية جذب الاستثمار، لكن ألمانيا ترى أنّها لو وافقت على الاستثمار في مصر، في هذا التوقيت، فكأنّها تخوض في دماء المصريين. بشكل عام، هناك علاقة كبيرة بين التغير السياسي والاقتصادي، وما لهذين العاملين من تأثير على العلاقات الدولية تتوافق مع التغيرات الهيكيلية، خصوصاً في معدلات النمو الاقتصادي. وفي حالة مصر، فإنّ التغييرات السياسية هي التي أثّرت على طبيعة التغيرات الهيكلية في الشؤون الاقتصادية، ومن قبل، فقد كان عدم الاستقرار الاقتصادي السبب في فعل التغيير السياسي إبّان ثورة 25 يناير.
قبل شهرين، وصفت دراسة صادرة عن المؤسسة الألمانية لدراسة السياسات والأمن، وهي أكبر مؤسسة بحثية في ألمانيا وذات تأثير غربي واسع، أنّ الاستثمار في مصر محفوف بالمخاطر، في ظل ممارسات النظام الحالي. كما أنّ المؤسسة نفسها لم تغفل عن الإشارة إلى احتمال تسبب نهج السيسي الاقتصادي، في ظل استمرار الركود، في مزيد من تردي الأوضاع المعيشية للمصريين، وإطلاق احتجاجات فئات واسعة، ووصفها أنّ النظام ينثر صوراً وردية وواقعاً مزيفاً من أجل جذب الاستثمارات.
مع كل هذه الظروف المحيطة بزيارة السيسي إلى ألمانيا، كان الأحرى تحليل هذا الرفض، ابتداءً من السؤال: هل ستمارس ألمانيا أي نوع من العقوبات الاقتصادية على مصر، بسبب ممارسات النظام الحالي؟ فإذا كان ثمة نيات بهذا الخصوص، فستكون عقوبات اقتصادية ذات عواقب كارثية، لأنّ التبعات السلبية ستكون على المجتمع المصري، بينما يجدها الرئيس ذريعة لتكثيف الضغط الاقتصادي على الفئات الأضعف في المجتمع.
عادة ما يتم فرض العقوبات الواسعة النطاق من الغرب على الحكومات الديكتاتورية، من أجل عملية التحول الديمقراطي، إلّا أنّ النظم الديكتاتورية تتمكن من الالتفاف حول هذه العقوبات، والتلاعب بها، باستقطاب المؤيدين، وإغرائهم بتقديم المنافع على حساب الفئات الأخرى. كما تستخدمها هذه النُظم أداة لتعزيز قبضتها على السلطة، ما يعوق، في الغالب، الجهود المبذولة من أجل حقوق الإنسان في تلك الدول. بالإضافة إلى أنّ العقوبات تعمل على تعزيز النظام القمعي، حينما ينظر الحاكم المستبد إلى تراجع الولاء له، فإنّه يمارس مزيداً من القمع، من أجل البقاء في السلطة بالقوة، ويؤول الاقتصاد إلى نظامه بمحو الاقتصاد الحر والقطاع الخاص محواً شاملاً.
يتبدى هذا الطابع الديناميكي بين العقوبات وفرض مزيد من السلطة، في حالات العقوبات التي تم فرضها على بلدان قريبة. والشاهد، هنا، أنّ العقوبات الاقتصادية المفروضة على شكل حظر مالي أو تجاري أو نفطي على دول، مثل السودان وإيران وكوريا الشمالية وسورية، لم تؤدِ إلى أي نوع من التغير الديمقراطي، بل ما زالت شعوب هذه الدول تتجرع مزيداً من التسلط والقمع والحاجة الاقتصادية.
ويظلُّ تحليل الواقع الجلي وما سيحلّ بمصر، إن بقي هذا النظام سادراً في غيّه الديكتاتوري، أهمّ وأكثر جدية من التصنيف الاعتباطي لشخصية رئيس البرلمان الألماني، وتحويله بقدرة قادر من الأصولية المسيحية إلى الأصولية الإسلامية.
ولا أدري كيف يخرج تصريح كهذا، إثر الترتيب لزيارة بهذه الأهمية، من المفترض أن تُعرف فيها أبجديات أجهزة الدولة التي يُنتوى زيارتها. فالبرلمان الألماني (البوندستاغ) منتخب، وليس برلماناً صورياً كالموجودة في وطننا العربي. وهو، وفقاً للنظام الفيدرالي، أهم مؤسسة تشريعية في البلاد، إلى جانب البرلمانات المحلية للولايات الألمانية ومجلسها. ويختص البوندستاغ بسن التشريعات وإصدار القوانين ومراقبة عمل الحكومة والوزارات والمؤسسات التابعة لها. وتزداد أهميته بأنّه منوط به التصديق على إرسال الجيش الألماني في مهام عسكرية للخارج. ومهمة البوندستاغ، أيضاً، هي انتخاب المستشار الاتحادي، وضمان استمراره في الحكم، من خلال تأييد سياساته، كما يمكنه عزل المستشار بالتصويت على نزع الثقة.
من البديهيات، أيضاً، في العلاقات الدولية، أنّ قضايا الاقتصاد لا تنفصل عن السياسة، فالغرض الأساسي من الزيارة المعنية جذب الاستثمار، لكن ألمانيا ترى أنّها لو وافقت على الاستثمار في مصر، في هذا التوقيت، فكأنّها تخوض في دماء المصريين. بشكل عام، هناك علاقة كبيرة بين التغير السياسي والاقتصادي، وما لهذين العاملين من تأثير على العلاقات الدولية تتوافق مع التغيرات الهيكيلية، خصوصاً في معدلات النمو الاقتصادي. وفي حالة مصر، فإنّ التغييرات السياسية هي التي أثّرت على طبيعة التغيرات الهيكلية في الشؤون الاقتصادية، ومن قبل، فقد كان عدم الاستقرار الاقتصادي السبب في فعل التغيير السياسي إبّان ثورة 25 يناير.
قبل شهرين، وصفت دراسة صادرة عن المؤسسة الألمانية لدراسة السياسات والأمن، وهي أكبر مؤسسة بحثية في ألمانيا وذات تأثير غربي واسع، أنّ الاستثمار في مصر محفوف بالمخاطر، في ظل ممارسات النظام الحالي. كما أنّ المؤسسة نفسها لم تغفل عن الإشارة إلى احتمال تسبب نهج السيسي الاقتصادي، في ظل استمرار الركود، في مزيد من تردي الأوضاع المعيشية للمصريين، وإطلاق احتجاجات فئات واسعة، ووصفها أنّ النظام ينثر صوراً وردية وواقعاً مزيفاً من أجل جذب الاستثمارات.
مع كل هذه الظروف المحيطة بزيارة السيسي إلى ألمانيا، كان الأحرى تحليل هذا الرفض، ابتداءً من السؤال: هل ستمارس ألمانيا أي نوع من العقوبات الاقتصادية على مصر، بسبب ممارسات النظام الحالي؟ فإذا كان ثمة نيات بهذا الخصوص، فستكون عقوبات اقتصادية ذات عواقب كارثية، لأنّ التبعات السلبية ستكون على المجتمع المصري، بينما يجدها الرئيس ذريعة لتكثيف الضغط الاقتصادي على الفئات الأضعف في المجتمع.
عادة ما يتم فرض العقوبات الواسعة النطاق من الغرب على الحكومات الديكتاتورية، من أجل عملية التحول الديمقراطي، إلّا أنّ النظم الديكتاتورية تتمكن من الالتفاف حول هذه العقوبات، والتلاعب بها، باستقطاب المؤيدين، وإغرائهم بتقديم المنافع على حساب الفئات الأخرى. كما تستخدمها هذه النُظم أداة لتعزيز قبضتها على السلطة، ما يعوق، في الغالب، الجهود المبذولة من أجل حقوق الإنسان في تلك الدول. بالإضافة إلى أنّ العقوبات تعمل على تعزيز النظام القمعي، حينما ينظر الحاكم المستبد إلى تراجع الولاء له، فإنّه يمارس مزيداً من القمع، من أجل البقاء في السلطة بالقوة، ويؤول الاقتصاد إلى نظامه بمحو الاقتصاد الحر والقطاع الخاص محواً شاملاً.
يتبدى هذا الطابع الديناميكي بين العقوبات وفرض مزيد من السلطة، في حالات العقوبات التي تم فرضها على بلدان قريبة. والشاهد، هنا، أنّ العقوبات الاقتصادية المفروضة على شكل حظر مالي أو تجاري أو نفطي على دول، مثل السودان وإيران وكوريا الشمالية وسورية، لم تؤدِ إلى أي نوع من التغير الديمقراطي، بل ما زالت شعوب هذه الدول تتجرع مزيداً من التسلط والقمع والحاجة الاقتصادية.
ويظلُّ تحليل الواقع الجلي وما سيحلّ بمصر، إن بقي هذا النظام سادراً في غيّه الديكتاتوري، أهمّ وأكثر جدية من التصنيف الاعتباطي لشخصية رئيس البرلمان الألماني، وتحويله بقدرة قادر من الأصولية المسيحية إلى الأصولية الإسلامية.