وبدا أن حديث السيسي عن الشباب ودعمه مجرد حديث إعلامي فقط، فالواقع الذي يعيشه الشباب يعكس سلوكاً مختلفاً لـ النظام المصري الحالي والشرطة تجاه الشباب، من خلال القمع والتعذيب والقتل داخل السجون وأقسام الشرطة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة.
وفي الأسبوع الماضي، قُتل شابان على يد الأجهزة الأمنية، الأول طالب في كلية هندسة عين شمس يُدعى إسلام صلاح عطيتو، الذي اعتُقل ثم قُتل، وادّعت الأجهزة الأمنية مصرعه خلال مواجهة مسلحة، والثاني هو سيد عبد ربه، الذي اعتقلته القوات الأمنية هو وزوجته من منزلهما مساء الخميس الماضي، ثم قُتل بقسم شرطة المرج، أما زوجته فقد أُفرج عنها في ساعة متأخرة من ليل الخميس.
وعلى مدار عام تقريباً منذ تولّي السيسي الحكم رسمياً، يعمّق نظامه يوماً بعد يوم، هوّة الخلاف مع قطاع عريض من الشباب المصري، إذ إنّه منذ توليه الحكم، منتصف العام الماضي، وخلال حملته الانتخابية، لم يلتق السيسي ممثلين عن الشباب، على الرغم من كونه أوّل المستفيدين من حراكهم ضد مرسي، إذ إنهم سهّلوا وصوله إلى سدّة الحكم.
ويبدو أنّ السيسي يستبعد الشباب من حساباته العملية خلال الفترة المقبلة، في وقت أعلنت فيه معظم الحركات الشبابيّة والثوريّة مقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة، ما يكشف عجز النظام الحالي عن استيعاب قطاع عريض من الشباب المصري، الذين أبدوا في مواقف عدّة عدم رضاهم عن النظام الحالي. ولم يمنع ذلك السيسي من الإعلان أنّ انحيازه الوحيد هو للشباب، مشيراً إلى أهميّة إشراكهم بشكل فعّال في الحياة السياسيّة وتشجيع ترشّحهم في انتخابات البرلمان.
وتوقّف في خطاباته عند الاهتمام الكبير الذي توليه مؤسّسة الرئاسة للشباب والمرأة، وهو ما انعكس، على حدّ تعبيره، في ارتفاع حجم تمثيلهم في المجالس المتخصّصة والتابعة لرئاسة الجمهورية، خلال تصريحات سابقة له.
اقرأ أيضاً: "واشنطن بوست": مع السيسي القمع يخنق المجتمع المدني
وتُظهر نتائج الانتخابات الرئاسيّة، التي فاز بها السيسي، عدم مشاركة قطاع عريض من الشباب، لاعتبار بعضهم أن المشاركة عديمة الجدوى، واعتقاد آخرين أنّ المشهد الحالي أبعد ما يكون عن طموحاتهم التي عبّروا عنها في ثورة 25 يناير.
وتابع السيسي مسلسل التناقضات بالنسبة للشباب، في حديثه خلال فعاليات الدورة الـ16 من المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس" في الأردن، قائلاً إن تعزيز دور الشباب لم يعد من قبيل الترف وإنما أضحى ضرورة لا غنى عنها، لا سيما في الدول والمجتمعات التي تضمّ نسبة كبيرة من الشباب بكل ما يمثّلونه من أمل في المستقبل، وطاقة دافعة يتعيّن استثمارها وتوجيهها نحو الإطار الصحيح للاستفادة منها في دفع عجلة الإنتاج، وإحداث التطور الحضاري والتنموي المنشود.
وأضاف: "إن توافر فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل يُعدّ أهم سبل الحفاظ على الشباب واستثمار طاقاتهم، وذلك تلافياً للتداعيات الناجمة عن إهمال هذا القطاع الحيوي من المجتمع، وتركه فريسة للتطرف والإرهاب أخذاً في الاعتبار أن قسماً كبيراً من الشباب يجيدون استخدام وسائل التكنولوجيا والتواصل الإلكترونية الحديثة، التي يتعين العمل على الحيلولة دون استغلالها لنشر الأفكار المتطرفة".
حديث السيسي لم يلق قبولاً لدى قطاع عريض من الشباب الثوري، موجّهين له اتهامات بالتناقض بين تصريحاته البرّاقة وأفعال نظامه بالقبض على الشباب والتضييق عليهم والقتل والتعذيب.
وقال منسّق حركة "بداية"، وهي حركة معارضة للسيسي، عمرو بدر، موجّهاً حديثه للرئيس المصري رداً على دعمه للشباب، "ماذا بالنسبة للشباب في المعتقلات والسجون؟". وأضاف لـ"العربي الجديد" أن "الشباب يتم اعتقالهم وقتلهم بدم بارد من دون أي محاسبة أو محاكمة، ومن دون وجود شفافية في روايات الشرطة حول ظروف مقتلهم".
وتابع: "الأزمة في حديث السيسي أن الواقع يكشف ما هو عكس ذلك تماماً، بين اضطهاد الشباب ومحاولة تشويه ثورتهم (25 يناير)، فضلاً عن محاكمة قيادات شابة"، متسائلاً "من يقصد السيسي في حديثه عن الشباب؟ أليس كل الشباب المصري أم الشباب الذين يختارهم مثلما كان يفعل (الرئيس المخلوع حسني) مبارك؟".
من جهته، قال عضو حركة "الاشتراكيين الثوريين"، محمد الشافعي، إنّ "السيسي يعاني أزمة كبيرة في التناقض، فهو يصرّح بدعم الشباب، فيما يقتلهم ويدهس طموحاتهم وأحلامهم".
وأضاف الشافعي لـ"العربي الجديد" أن "النظام الحالي يعاني حالة من الانفصام، فالحكومة والداخلية تنكّل بالشباب والسيسي يعلن عن مشاريع وهمية لدعمهم لم نرَ منها شيئاً حتى الآن".
وشدد على أن المشاريع التي يعلن عنها السيسي للشباب هي سيارات متنقلة لبيع الخضرة، متسائلاً: "أيُعقل أن تكون تلك هي حلول مشكلات الشباب؟ شاب خريج جامعة ويعمل على سيارة نصف نقل، ولا أحد يرى في ذلك عيباً، ولكن أين خطط النظام في النهوض بالشباب وتوفير فرص عمل مناسبة لهم في مجالات تخصصهم؟".
اقرأ أيضاً: سياسيون مصريون يدعون للتوحّد الثوري لمواجهة قمع النظام