تشهد العلاقة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورجال اﻷعمال، حالة من التوتر منذ وصوله إلى السلطة، قبل أكثر من عامين. وقد مرّت العلاقة بين الطرفين بلحظات من الانفراج ولحظات أخرى من التوتر، وسط محاولات من بعض الأطراف المقرّبة من مؤسسة الرئاسة، احتواء الأزمة "المكتومة"، التي تظهر بعض فصولها بين الحين واﻵخر.
في أكثر من مناسبة طالب السيسي رجال الأعمال بضخّ استثمارات، اعتماداً على أموال بعضهم في مصارف خارج مصر، لاحتواء الأزمة الاقتصادية، ولكن الرفض كان سيد الموقف، وهو ما دفعه إلى الاعتماد على المؤسسة العسكرية بشكل كبير في النواحي الاقتصادية، وزاد التوتر مع رجال اﻷعمال، فضلاً عن اللجوء إلى القروض الدولية، حسبما تفيد مصادر برلمانية مقرّبة من دوائر اتخاذ القرار. وتكشف المصادر البرلمانية لـ"العربي الجديد"، عن "مطالبات من قبل مؤسسة الرئاسة وأجهزة في الدولة، لرجال اﻷعمال بضخّ أموال للاستثمار في مصر خلال الفترة الماضية".
وتلفت إلى أن "السيسي طالب في أكثر من لقاء معلن أو في لقاءات خاصة، بضرورة أن يضخ رجال اﻷعمال أموالهم في السوق المصري، لمواجهة اﻷزمة الاقتصادية، مع تراجع السياحة بشكل كبير وإحجام المستثمرين عن ضخ اﻷموال في مصر، بسبب ما تشهده البلاد من حوادث عنف". وتلفت إلى أن "رجال اﻷعمال رفضوا طرح السيسي بشأن ضخ مزيد من اﻷموال، وتحديداً تلك الموجودة خارج مصر"، وهو ما أغضب الرئيس كثيراً، بحسب المصادر ذاتها.
وتكشف المصادر أن "السيسي عقد اجتماعات عديدة مع رجال الأعمال، بناءً على توصيات من جهات سيادية في الدولة، لحثّهم على الاستثمار بقوة لإنقاذ الاقتصاد، في حين أنه لم يكن راضياً عن تلك الخطوة، تحديداً مع استمرار الرفض لتوجيهاته".
وتذهب إلى حدّ القول إن "بعض رجال اﻷعمال وضعوا العراقيل لتنفيذ ما يطرحه السيسي، متعلقة بضرورة منحهم امتيازات وتعديل قانون الاستثمار، وإدخال إصلاحات في بنية الاستثمار، وأيضاً إبعاد الجيش تماماً عن الشأن الاقتصادي. مع العلم أن النقطة اﻷخيرة تُعتبر محل خلاف شديد".
وتوضح المصادر أنه "على الرغم من محاولات الدولة إدخال تعديلات على بنية الاستثمار، سواء لتشجيع رجال اﻷعمال المصريين أو غيرهم، إلا أن تحركات رجال الأعمال لم تكن على المستوى المطلوب. وهو ما دفع السيسي للاعتماد على الجيش بصورة أساسية في السيطرة على الوضع الاقتصادي". وتقول المصادر، إن "السيسي لا يثق برجال اﻷعمال، خصوصاً مع الخلافات التي ظهرت خلال فترة الترشح لانتخابات الرئاسة، من الضغط عليه وإظهار ضعف اﻹقبال على التصويت، وغيرها من الإشكالات".
وتضيف أنه "على الرغم من قناعة السيسي بأن رجال اﻷعمال لن يكونوا جزءاً من حلّ اﻷزمة الاقتصادية، إلا أن بعض المقربين من مؤسسة الرئاسة حاولوا إزالة حالة التوتر بين الجانبين، والتنسيق للقاءات بين الطرفين، باعتبارهم أحد أعمدة الدولة ولا يمكن استعداءهم، ولكن دون جدوى حقيقية، لأن السيسي يريد منهم ما ليسوا على استعداد لتنفيذه".
وتشدّد المصادر على أن "السيسي بدأ في إصدار سلسلة قرارات تتضمن سيطرة المؤسسة العسكرية على الحياة الاقتصادية في محاولة ﻹنقاذه، حينما لجأ لرجال اﻷعمال ولم يظهروا استعداداً للمساعدة، خوفاً من ضياع أموالهم في سوق غير مستقرّ، فضلاً عن الرغبة في صلاحيات وامتيازات كبيرة نظير هذه المخاطرة".
وحول مشاركة بعض رجال الأعمال في صندوق "تحيا مصر"، تؤكد المصادر أن هذه المساهمات جزء بسيط جداً من ثروات رجال الأعمال، وفعلوها تحت ضغوط، ولكن السيسي يريد ضخ أموال بالدولار في صورة استثمارات وليس فقط تبرع. وكان آخر لقاء جمع السيسي برجال الأعمال، في مايو الماضي، لبحث ما يواجهه الاستثمار من مشكلات والعمل على حلها، على هامش ملتقى مصر الثاني للاستثمار.
وكان السيسي التقى وفداً من رجال الأعمال، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأكد حينها أنه لا يوجد أي سبب يجعل رجال اﻷعمال خائفين من الاستثمار في بلدهم. وأشار خلال الاجتماع المشار إليه، إلى أن مصر مرت بظروف شديدة الصعوبة، والجهد المبذول حالياً يستهدف إعادتها لوضعها الطبيعي مرة أخرى. وحاول طمأنة رجال الأعمال بعد حالة التوتر بين الطرفين، قائلاً إن "الحكومة لن تأخذ أي أموال من رجال الأعمال خارج القانون، والقانون هو الحاكم للعلاقات بين الدولة وجميع رجال الأعمال".