19 نوفمبر 2024
السينما الهندية تخيف باكستان
يتذكّر أستاذنا الراحل، كلوفيس مقصود، في كتابه "من زوايا الذاكرة.."، بكثيرٍ من الحنين، بتعبيره، "أمسيةً رائعةً"، استضاف فيها، في منزله في نيودلهي، عام 1963، (كان مدير مكتب جامعة الدول العربية في الهند)، شعراءَ من باكستان والهند، باقتراحٍ من شخصيتين أدبيتين، بهدف "تعزيز روابط الأخوّة بين البلديْن، عبر الاحتفال بتراثهما الشعري المشترك". ويكتب إنه كان من المفترض أن تنتهي السهرة في منتصف الليل، لكن الشعراء كانوا متحمّسين، ويعانقون بعضهم بعضاً، وظلوا حتى السادسة صباحاً من اليوم التالي. ويوضح أن الحكومة الباكستانية لم تؤيّد الفكرة، وإنّ نجاح تلك السهرة كان دليلاً إضافياً على الصلات الوثيقة بين الشعبين، وبما يتعارض مع "العداء المؤسف" بين حكومتي بلديهما.
مناسبةُ الإتيان، هنا، على تلك الواقعة، أن حكومة باكستان بدأت، أول من أمس الجمعة، تطبيق حظرٍ كامل لبثّ أفلام هندية، وأي محتوىً هندي، في الشبكات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، عامة وخاصة. وذلك بعد قرار اتحاد صالات السينما، وموزعي الأفلام في باكستان، تعليق عرض الأفلام الهندية "حتى يعود الوضع إلى طبيعته"، وهو قرارٌ تم اعتباره ردّاً على إعلان جمعية منتجي الأفلام الهندية استبعادَها الممثلين والتقنيين الباكستانيين من العمل في الأفلام الهندية، وفي مواقع تصويرها، وهو ما لم يراه مسؤولٌ في الخارجية الهندية قراراً بالحظر، بل تعبيراً عن مناخ سلبي مستجد، في إشارة إلى التوتر المتصاعد بعد مقتل 12 جندياً هندياً في كشمير في سبتمبر/ أيلول الماضي.
ومعلومٌ أن ثلاث حروب كبرى اشتعلت بين البلدين، كانت أولاها مع قيام باكستان دولةً مستقلةً عن الهند في 1947، وثانيها بعد عامين من تلك السهرة في منزل كلوفيس مقصود، وثالثها في 1971، عدا عن حروبٍ صغرى ومعارك ومواجهات ومناوشات واشتباكاتٍ لم تتوقف طوال هذه العقود. وفي الأثناء، لم يبْلغْنا، نحن غير المختصين بهذا الصراع وإشكالاته العويصة، أن جهداً بادر إليه مثقفون وأدباء هنود وباكستانيون، باتجاه حماية العلاقات الخاصة بين شعبيهما. والبادي أنه لم تتشكّل هيئاتٌ وتكويناتٌ مدنيّة، من أهل الثقافة والفنون والأدب، تعمل على هذا الأمر، وتؤكّد على روابط وجدانيةٍ ولغويةٍ بين البلدين، أو أقله بين تجمعاتٍ وازنةٍ فيهما، بل إن نجوماً في السينما الهندية استعانت بهم، أخيراً، مليشياتٌ هنديةٌ إلكترونية متشدّدة لقرع طبول الحرب مع باكستان، كما كتب صديقنا نويد أحمد في "العربي الجديد" (28/9/2016).
وعندما نعرف أن الباكستانيين مغرمون جداً بالأفلام الهندية، وخصوصاً فقراءهم الكثيرين في قرىً ومدن صغرى عديدة، ففي الوسع أن يلحظ المرء أن الهند التي تنتج نحو ألف فيلم سينمائي في العام لن تكون الخاسرة في قراري دور السينما والحكومة الباكستانيّتين، بل مئات ملايين الباكستانيين في بلدهم الذي تعرف صناعة السينما فيه مواتاً ظاهراً. وفي سنوات منع مشاهدة الأفلام الهندية الذي تقرّر في 1965، وألغي في 2006، كان الباكستانيون يحترفون تهريب هذه الأفلام، لاستدعاء البهجة في مشاهدتها، وفي وسعهم الآن، مع طفرة الإنترنت المهولة، كسر الحظر المستجدّ بيسرٍ أكثر.
القصة وما فيها أن تحسّساً ظاهراً لدى السلطات الباكستانية مما سمّاه مثقفون "غزواً هندياً ثقافياً" يتم في بلادهم، تعدّ السينما أهم أدواته، لا سيما وأن أفلاماً هنديةً جاءت على النزاع المعلوم بشأن كشمير، ولا سيما أيضاً أنّ ثمّة "مخاوف" معلنة من أن تؤثر الأفلام الهندية، المثيرة والعاطفية، على "قيم" الباكستانيين الإسلامية. وفي وسع الناظر العابر في هذا كله أن يجهر بأن قلة الحيلة ملحوظة في قرار هذه السلطات، ولدى من يجدون "أخطاراً" غير مستبعدة من التدفق الهائل للأفلام الهندية. ولكن، تؤشّر الزوبعة الحادثة أخيراً بين البلدين الخصميْن الجارين، إلى المؤكد البديهي، وموجزه أن الثقافة والفنون، ومنها السينما، من مظاهر القوة الناعمة لدى أي بلد. حاولت فرنسا عبثاً، قبل سنوات، أن تصنع شيئاً بشأن تدفق المنتوجات الثقافية الأميركية، ولم تفلح. وهذه حادثةٌ في كشمير تذكّرنا بخوفٍ باكستاني عتيد من السينما الهندية، وبسهرةٍ في منزل كلوفيس مقصود قبل 53 عاماً.
مناسبةُ الإتيان، هنا، على تلك الواقعة، أن حكومة باكستان بدأت، أول من أمس الجمعة، تطبيق حظرٍ كامل لبثّ أفلام هندية، وأي محتوىً هندي، في الشبكات التلفزيونية والمحطات الإذاعية، عامة وخاصة. وذلك بعد قرار اتحاد صالات السينما، وموزعي الأفلام في باكستان، تعليق عرض الأفلام الهندية "حتى يعود الوضع إلى طبيعته"، وهو قرارٌ تم اعتباره ردّاً على إعلان جمعية منتجي الأفلام الهندية استبعادَها الممثلين والتقنيين الباكستانيين من العمل في الأفلام الهندية، وفي مواقع تصويرها، وهو ما لم يراه مسؤولٌ في الخارجية الهندية قراراً بالحظر، بل تعبيراً عن مناخ سلبي مستجد، في إشارة إلى التوتر المتصاعد بعد مقتل 12 جندياً هندياً في كشمير في سبتمبر/ أيلول الماضي.
ومعلومٌ أن ثلاث حروب كبرى اشتعلت بين البلدين، كانت أولاها مع قيام باكستان دولةً مستقلةً عن الهند في 1947، وثانيها بعد عامين من تلك السهرة في منزل كلوفيس مقصود، وثالثها في 1971، عدا عن حروبٍ صغرى ومعارك ومواجهات ومناوشات واشتباكاتٍ لم تتوقف طوال هذه العقود. وفي الأثناء، لم يبْلغْنا، نحن غير المختصين بهذا الصراع وإشكالاته العويصة، أن جهداً بادر إليه مثقفون وأدباء هنود وباكستانيون، باتجاه حماية العلاقات الخاصة بين شعبيهما. والبادي أنه لم تتشكّل هيئاتٌ وتكويناتٌ مدنيّة، من أهل الثقافة والفنون والأدب، تعمل على هذا الأمر، وتؤكّد على روابط وجدانيةٍ ولغويةٍ بين البلدين، أو أقله بين تجمعاتٍ وازنةٍ فيهما، بل إن نجوماً في السينما الهندية استعانت بهم، أخيراً، مليشياتٌ هنديةٌ إلكترونية متشدّدة لقرع طبول الحرب مع باكستان، كما كتب صديقنا نويد أحمد في "العربي الجديد" (28/9/2016).
وعندما نعرف أن الباكستانيين مغرمون جداً بالأفلام الهندية، وخصوصاً فقراءهم الكثيرين في قرىً ومدن صغرى عديدة، ففي الوسع أن يلحظ المرء أن الهند التي تنتج نحو ألف فيلم سينمائي في العام لن تكون الخاسرة في قراري دور السينما والحكومة الباكستانيّتين، بل مئات ملايين الباكستانيين في بلدهم الذي تعرف صناعة السينما فيه مواتاً ظاهراً. وفي سنوات منع مشاهدة الأفلام الهندية الذي تقرّر في 1965، وألغي في 2006، كان الباكستانيون يحترفون تهريب هذه الأفلام، لاستدعاء البهجة في مشاهدتها، وفي وسعهم الآن، مع طفرة الإنترنت المهولة، كسر الحظر المستجدّ بيسرٍ أكثر.
القصة وما فيها أن تحسّساً ظاهراً لدى السلطات الباكستانية مما سمّاه مثقفون "غزواً هندياً ثقافياً" يتم في بلادهم، تعدّ السينما أهم أدواته، لا سيما وأن أفلاماً هنديةً جاءت على النزاع المعلوم بشأن كشمير، ولا سيما أيضاً أنّ ثمّة "مخاوف" معلنة من أن تؤثر الأفلام الهندية، المثيرة والعاطفية، على "قيم" الباكستانيين الإسلامية. وفي وسع الناظر العابر في هذا كله أن يجهر بأن قلة الحيلة ملحوظة في قرار هذه السلطات، ولدى من يجدون "أخطاراً" غير مستبعدة من التدفق الهائل للأفلام الهندية. ولكن، تؤشّر الزوبعة الحادثة أخيراً بين البلدين الخصميْن الجارين، إلى المؤكد البديهي، وموجزه أن الثقافة والفنون، ومنها السينما، من مظاهر القوة الناعمة لدى أي بلد. حاولت فرنسا عبثاً، قبل سنوات، أن تصنع شيئاً بشأن تدفق المنتوجات الثقافية الأميركية، ولم تفلح. وهذه حادثةٌ في كشمير تذكّرنا بخوفٍ باكستاني عتيد من السينما الهندية، وبسهرةٍ في منزل كلوفيس مقصود قبل 53 عاماً.