07 فبراير 2019
الشباب السوري وضرورات العمل السياسي
ليهنأ من أرادها "نصراً" يُسحقُ به المجتمع، وتتوجُ فيه قيم التسلط والتفرد؛ فقد صار مؤكداً غياب "اللحظة السياسية الجديدة" في سورية (سمّوها انتقالا، تغييرا، إصلاحا، سمّوها ما شئتم)؛ وصار خراب سورية (دولة ومجتمعاً) الثابت الأكثر وضوحاً في المدى المنظور؛ فمنذ حوّل المجتمع الدولي قضية الكرامة المجتمعية والمطالب الشعبية السورية، السياسية منها أو السياساتيّة، إلى مسألة تنازعٍ سياسي بين نظام أمني ومعارضة لم تعن بقضية التمثيل؛ أضحت "السيولة" و"تغيير الاتجاهات" و"تدمير حوامل الثورة" البوصلة المتحكّمة بمسار العملية السياسية؛ حتى غدت دفعاً نحو عودة سورية إلى ما قبل الأزمة مع كثير من الخراب الاجتماعي والاقتصادي والإنساني؛ وتمكين الاستبداد ومليشياته، ومنحهم كل الأدوات اللازمة لجعل الاستحقاقات السياسية الكبرى تحدياتٍ حكوميةً غير مستعجلة، وغير مرتبطة بأي محدّد سياسي؛ ولا يعد ملف المعتقلين، وما يفعله النظام والروس، استثناء عن هذا الدفع، فها هو وعلى مرأى العالم يعلن بكل بساطة عن موتهم، وبالتالي عن وجع سورية الأبدي، وليكشف، للمرة الألف، زيف ادّعاءات الفواعل المحلية أولاً، والإقليمية والدولية لاحقاً، إذ باتوا جميعهم وفق منطق
"البراغماتية المتخيلة" يبنون خططهم للتكيّف مع الظلم والقهر، إن لم نقل لجعله مدخلاً لشرعنة نظرية جديدة في العلاقات الدولية، ربما سيسمونها "النيو نيو ليبرالية".
"بشّرنا" مؤتمر سوتشي أخيرا، وسيبقى "يبشّرنا" المؤتمر المقبل بمزيد من الإنكار لفواتير التضحية التي دفعها المجتمع السوري ولا يزال؛ وبكثيرٍ من سياسات الهشاشة والتبسيط و"العودة الكريمة" لتحكّم الأجهزة الأمنية، وأزلامها الجدد، في رقاب الدولة والمجتمع، هذا المؤتمر الذي أرادته الإدارة الروسية مساراً وحيداً لتعريف الحل السياسي في سورية، واختصارها بتغييرات دستورية، مشروطة بموافقة رأس النظام، حتى تغدو تعديلات دستورية (وهذا ما لم يمنحه أيام ضعفه)، أو انتخاباتٍ يكون فيها حزب البعث الناظم للقواعد الانتخابية، وشروط العمل في الهيئة العليا للانتخابات ومعاييره، حلٌ سياسيٌّ يهندسه "المنتصر" عسكرياً، كيف لا؟ وموسكو منذ تدخلها وهي تعمل على المضي في إعادة تشكيل المشهد السوري، وترتيب مسرحه العسكري بما يتفق كلياً مع محدّدات الحل الصفري، وفرض واقع عسكري مثبت باتفاقات مصالحة (استسلام) متباينة، ليصعب على المجموعة الدولية تجاهل هذا المشهد الجديد، فكان البدء من الغوطة الشرقية، وإبعادها عن دوائر التأثير في المحيط الجيوسياسي للعاصمة، ومن بعدها القلمون الذي يشرف على عقد مواصلات بالغة الأهمية في المعنى العسكريّاتي، لينتقل إلى جنوب دمشق، ومن بعدها إلى ريفي حمص وحماة، ولتخرج كل جيوب المقاومة من مناطق "سورية المفيدة"، ليضمن كلياً سحب كل أدوات التأثير للمعارضة، وداعميهم ضمن المناطق الحيوية للنظام، والتي تؤمن له تمكيناً أمنياً يسمح له بامتلاك زمام الفاعلية التنموية والإدارية؛ ولتعزّز أخيرا القواعد الضابطة لحدود التأثير الدولي، ومحاصرة المناطق المتبقية بخياراتٍ لا تتجاوز ثنائية "الرضوخ، التهجير"، وهذا ما كان في درعا.
بالتزامن مع ذلك كله؛ وصلت الارتكاسات السياسية الذاتية للمعارضة إلى مداها الأوسع بعد معركة حلب، والتي تبيّن أنها لم تعد قادرةً على الفعل السياسي، ولو بأدنى درجاته، فمرت كوارث التدخل الروسي والإيراني، وما حمله من تغييرات ديمغرافية وعسكرية واضحة، من دون أن يلمس المراقبون لهذه الأجسام أي استراتيجية تعاط إبّان هذا التدخل، إذ لا تزال تمضي المعارضة باتجاه موتها الوظيفي، إلى درجةٍ غدت فيها ظاهرة "الضفادع" الفاعل المتحكّم في بنى هذه المعارضة السياسية والعسكرية؛ حقائق عديدة تدل على هذا المآل، فلا أفعالُ مراجعة، ولا البدء بتقييم الأدوات، سوى محاولتين ترقيان إلى أن تكونا استعراضاً لمص الصدمة ليس
إلا، ولا تدارساَ موضوعياً لصلاحية البنية الحالية لهذه المرحلة، الشكل الذي حال دون أي فعل سياسي حقيقي يُحدث أثراً ملموساً، سواء على المستوى المحلي، كتنظيم الصف الثوري الداخلي، أو على المستوى الخارجي، كتمثيل بديل مقنع للمجتمع الدولي، ما ولّد فراغاً سياسياً في الثورة السورية، وغُربة عن الشارع الثوري الذي شُرعِن خروجه من كل المعادلات.
أمام هذا الانكسار الذي لا يبقي ولا يذر؛ والذي يقيّد حركات التفاعل الوطني المستقبلية، ويجعلها أسيرة التكيف مع الفشل الوظيفي للدولة والسلطة والموت السريري الحتمي لقوى المعارضة التقليدية من جهة؛ ويخرج أي أثر متوقع لـ "داعمين" إقليميين أو دوليين من دوائر أي حساب وطني مستقبلي من جهة أخرى؛ يبرز الشباب السوري الوطني المؤمن بالتغيير فرصة لتشكيل حامل مجتمعي استراتيجي، يعنى بأسباب الاستقرار والبناء، تلك الشريحة التي جعلت السبع سنوات الماضية منهم جيلاً مكتظاً بالتجارب والخبرات والخيبات والاهتزازات، فتعرّفوا على كل أشكال الممارسة والفعل الثوري، وخاضوا كفاحاً مسلحاً في ظروفٍ بالغة التعقيد، فأنتجوا وزرعوا وصنعوا وصمدوا وشكلوا من بلداتهم وقراهم أيقوناتٍ في العزّة والحرية، وشهدوا أيضاً على غوغائية مشاريع التبعية والتطرّف، فوهبهم ذلك توازناً فكرياً ينبغي له أن يدفعهم إلى تشكيل مشروعهم السياسي وفق فلسفةٍ تحيط بكل الجراح، وتستوعب ألم المراجعات، وتدرك أهمية تدافعهم لانتشال ما تبقى، والبناء عليه بمحدّدات جديدة، وأدوات مقاومة نوعية، تطاول المهجّر منهم وغير المهجّر؛ وأن تبدأ بتصدير خطاباً سياسياً وطنياً نوعياً عابراً للعقائد والأيديولوجيات، وكل ما تمليه الثنائيات الفكرية من احترابٍ مجانيٍّ، استنزف القدرات وشتّت المسير.
كل ما ذكر أعلاه هو دعوة صريحة وملحة إلى أن يكون شعار واستراتيجية "السياسة أولاً" عنوان الحركة الشبابية السورية التي يعوّل على وعيها في التأثير الإيجابي في هذا المشهد القاتم؛ فوفقاً لمدخلات المشهد السوري الراهن لا استقرار يُرتجى في المدى المنظور؛ ولا عملية تغيير سياسية حقيقة؛ ولا تماسكاً اجتماعياً؛ ولا دستوراً قوياً؛ يلغي القوانين الاستثنائية ويعيد للمجتمع حقوقه، ولا ولا... إلخ. هذه الحركة، كما كانت المنظم والمنفذ والمنسق لثورة العز والكرامة في سورية، قادرة على أن تكون الرابطة الوطنية الجامعة والدافعة لاسترداد الوطن واستقراره.
"بشّرنا" مؤتمر سوتشي أخيرا، وسيبقى "يبشّرنا" المؤتمر المقبل بمزيد من الإنكار لفواتير التضحية التي دفعها المجتمع السوري ولا يزال؛ وبكثيرٍ من سياسات الهشاشة والتبسيط و"العودة الكريمة" لتحكّم الأجهزة الأمنية، وأزلامها الجدد، في رقاب الدولة والمجتمع، هذا المؤتمر الذي أرادته الإدارة الروسية مساراً وحيداً لتعريف الحل السياسي في سورية، واختصارها بتغييرات دستورية، مشروطة بموافقة رأس النظام، حتى تغدو تعديلات دستورية (وهذا ما لم يمنحه أيام ضعفه)، أو انتخاباتٍ يكون فيها حزب البعث الناظم للقواعد الانتخابية، وشروط العمل في الهيئة العليا للانتخابات ومعاييره، حلٌ سياسيٌّ يهندسه "المنتصر" عسكرياً، كيف لا؟ وموسكو منذ تدخلها وهي تعمل على المضي في إعادة تشكيل المشهد السوري، وترتيب مسرحه العسكري بما يتفق كلياً مع محدّدات الحل الصفري، وفرض واقع عسكري مثبت باتفاقات مصالحة (استسلام) متباينة، ليصعب على المجموعة الدولية تجاهل هذا المشهد الجديد، فكان البدء من الغوطة الشرقية، وإبعادها عن دوائر التأثير في المحيط الجيوسياسي للعاصمة، ومن بعدها القلمون الذي يشرف على عقد مواصلات بالغة الأهمية في المعنى العسكريّاتي، لينتقل إلى جنوب دمشق، ومن بعدها إلى ريفي حمص وحماة، ولتخرج كل جيوب المقاومة من مناطق "سورية المفيدة"، ليضمن كلياً سحب كل أدوات التأثير للمعارضة، وداعميهم ضمن المناطق الحيوية للنظام، والتي تؤمن له تمكيناً أمنياً يسمح له بامتلاك زمام الفاعلية التنموية والإدارية؛ ولتعزّز أخيرا القواعد الضابطة لحدود التأثير الدولي، ومحاصرة المناطق المتبقية بخياراتٍ لا تتجاوز ثنائية "الرضوخ، التهجير"، وهذا ما كان في درعا.
بالتزامن مع ذلك كله؛ وصلت الارتكاسات السياسية الذاتية للمعارضة إلى مداها الأوسع بعد معركة حلب، والتي تبيّن أنها لم تعد قادرةً على الفعل السياسي، ولو بأدنى درجاته، فمرت كوارث التدخل الروسي والإيراني، وما حمله من تغييرات ديمغرافية وعسكرية واضحة، من دون أن يلمس المراقبون لهذه الأجسام أي استراتيجية تعاط إبّان هذا التدخل، إذ لا تزال تمضي المعارضة باتجاه موتها الوظيفي، إلى درجةٍ غدت فيها ظاهرة "الضفادع" الفاعل المتحكّم في بنى هذه المعارضة السياسية والعسكرية؛ حقائق عديدة تدل على هذا المآل، فلا أفعالُ مراجعة، ولا البدء بتقييم الأدوات، سوى محاولتين ترقيان إلى أن تكونا استعراضاً لمص الصدمة ليس
أمام هذا الانكسار الذي لا يبقي ولا يذر؛ والذي يقيّد حركات التفاعل الوطني المستقبلية، ويجعلها أسيرة التكيف مع الفشل الوظيفي للدولة والسلطة والموت السريري الحتمي لقوى المعارضة التقليدية من جهة؛ ويخرج أي أثر متوقع لـ "داعمين" إقليميين أو دوليين من دوائر أي حساب وطني مستقبلي من جهة أخرى؛ يبرز الشباب السوري الوطني المؤمن بالتغيير فرصة لتشكيل حامل مجتمعي استراتيجي، يعنى بأسباب الاستقرار والبناء، تلك الشريحة التي جعلت السبع سنوات الماضية منهم جيلاً مكتظاً بالتجارب والخبرات والخيبات والاهتزازات، فتعرّفوا على كل أشكال الممارسة والفعل الثوري، وخاضوا كفاحاً مسلحاً في ظروفٍ بالغة التعقيد، فأنتجوا وزرعوا وصنعوا وصمدوا وشكلوا من بلداتهم وقراهم أيقوناتٍ في العزّة والحرية، وشهدوا أيضاً على غوغائية مشاريع التبعية والتطرّف، فوهبهم ذلك توازناً فكرياً ينبغي له أن يدفعهم إلى تشكيل مشروعهم السياسي وفق فلسفةٍ تحيط بكل الجراح، وتستوعب ألم المراجعات، وتدرك أهمية تدافعهم لانتشال ما تبقى، والبناء عليه بمحدّدات جديدة، وأدوات مقاومة نوعية، تطاول المهجّر منهم وغير المهجّر؛ وأن تبدأ بتصدير خطاباً سياسياً وطنياً نوعياً عابراً للعقائد والأيديولوجيات، وكل ما تمليه الثنائيات الفكرية من احترابٍ مجانيٍّ، استنزف القدرات وشتّت المسير.
كل ما ذكر أعلاه هو دعوة صريحة وملحة إلى أن يكون شعار واستراتيجية "السياسة أولاً" عنوان الحركة الشبابية السورية التي يعوّل على وعيها في التأثير الإيجابي في هذا المشهد القاتم؛ فوفقاً لمدخلات المشهد السوري الراهن لا استقرار يُرتجى في المدى المنظور؛ ولا عملية تغيير سياسية حقيقة؛ ولا تماسكاً اجتماعياً؛ ولا دستوراً قوياً؛ يلغي القوانين الاستثنائية ويعيد للمجتمع حقوقه، ولا ولا... إلخ. هذه الحركة، كما كانت المنظم والمنفذ والمنسق لثورة العز والكرامة في سورية، قادرة على أن تكون الرابطة الوطنية الجامعة والدافعة لاسترداد الوطن واستقراره.