09 نوفمبر 2024
الشخصية الألمانية وتراكماتها
الشخصية الألمانية واحدة من أكثر الشخصيات تعقيداً وتكثيفاً في السياق التاريخي للكرة الأرضية. لا يُطلق هذا الوصف لاعتباراتٍ عرقيةٍ أو قومية محددة، وفقاً لأدبيات الزعيم النازي أدولف هتلر، بل لأسبابٍ جيوبوليتيكة، تبدأ من وقوع ألمانيا في وسط أوروبا، ولا تنتهي بتحوّلها إلى خط مواصلات رئيسي في القارة العجوز، وصولاً إلى الشرق الآسيوي. كل هذا معطوفاً على عصر التنوير الذي كانت لألمانيا يد عظمى فيه، تماماً كما دورها في الثورة الصناعية الكبرى، في القرنين 18 و19، وصولاً إلى الآن.
لم تكن كل المراحل التي مرّت بها البلاد كافية لتدمير النواة التي مكّنت ألمانيا، بمختلف مساحاتها الجغرافية المتحرّكة، من البقاء على قيد الحياة سياسياً. بالتالي، فإن الصراعات المتتالية بين المقاطعات الألمانية واتفاقهم، ومعاهدة صلح ويستفاليا (1648) بين الدول الأوروبية، وإعلان أوتو فون بسمارك وحدة ألمانيا (1871)، والحربين العالميتين الأولى (1914 ـ 1918) والثانية (1939 ـ 1945)، وما تلاها من تقسيم البلاد إلى ألمانيتين، شرقية وغربية (1949 ـ 1990)، ثم اتحادهما مجدداً، مع ما ترتّب عليه من أكلافٍ إضافية لدمج الشرقيين بالغربيين، ساهم هذا كله في صياغة شخصية ألمانية مختلفة عن معظم الشخصيات عالمياً، سياسياً وبنسبة كبيرة شعبياً، بدأت تظهر ملامحها في قضية الهجرة الأخيرة وتفاقمها في السنتين الأخيرتين.
أمضت ألمانيا عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد دمج الألمانيتين، ومن ثم توسيع الاتحاد الأوروبي، في إطار اقتصادي بحت، مسنوداً على التطوير الدائم للقوانين "الإنسانية" تشريعياً، بغية الإمعان في التخلّص من عقدة النازية من جهة، و"إقفال الباب نهائياً أمام أي ألمانيا أخرى قد تذهب إلى حربٍ أوروبية، ثم عالمية، انطلاقاً من حاجاتها الاقتصادية"، من جهة أخرى.
في هذا الإطار، كان الإصرار الألماني يبدو مضاعفاً قياساً على باقي الدول، أكان في الأزمة المالية اليونانية، أو الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، مع انكفاء ظاهري في مختلف الملفات غير الأوروبية، غير أنه، في العامين الأخيرين، باتت ألمانيا أكثر المعنيين بما يقع خلف الحدود الأوروبية، بفعل تدفّق اللاجئين.
ربما كانت ألمانيا "أسهل" محطة للاجئين من الشرق في أوروبا، مع سياسة الانفتاح التي اعتمدتها المستشارة أنجيلا ميركل، حتى أنه قُدّمت قرى كاملة إليهم، وتم الترحيب بهم في مختلف قطاعات المجتمع الألماني. كان أمراً يشرح مدى التحوّل الذي شهدته ألمانيا على مرّ تاريخها. حتى أن الحركات اليمينية الألمانية لم تنم بالسرعة الموازية لسرعة نمو اليمين في فرنسا مثلاً، فتقدّم يمينيو ألمانيا لا يُعدّ "كارثة" قياساً على حجم اللجوء إلى البلاد. هنا، يأتي دور "العنصر الأجنبي"، وفي مقدمته الأتراك، الذي سمح في صياغة نمط جديد من التعاطي الألماني، سرّع من عملية التطوّر الألمانية الدائمة. وهو ما يضع ألمانيا أمام مهمة مثلثة: قيادة اتفاق أوروبي مع تركيا في موضوع اللاجئين، وقربها "الشعبي" من المسألة الكردية، وتحديداً لجهة السلطات التركية تحديداً، وثقلها الاقتصادي (الإنساني) في ملفات المعالجة الأوروبية لقضية اللاجئين.
يبدو سهلاً، حتى الآن، "توقع" الخطوات الألمانية في السياق التراكمي لتطوّر الشخصية المعنوية الألمانية. بالتالي، لن ترضخ أي معالجة ألمانية لملف اللاجئين لـ"الحلول المتطرّفة"، خصوصاً أن الذاكرة الجماعية في أذهان الألمان تركن دوماً إلى التاريخ، من الحروب إلى النازية. التاريخ في ألمانيا جزء من ثقافةٍ مجتمعيةٍ، مرتبطة بالموسيقى والمتاحف والفنون والرياضة والسياسة والاقتصاد. ليس الألمان أميركيين، على الرغم من اعتمادهم نمطاً استهلاكياً من الأعلى عالمياً، إنما بطريقة أكثر إرشاداً، تبدأ حتى من الاقتصاد في استخدام المياه. يستطيع الألمان الانتقال بسهولة من حقبة تاريخية إلى أخرى، في سياق سردهم رواية أو خبراً عادياً. ولعلّ سقوط مثل هذه الشخصية الألمانية، إذا حصل، سيكون الخطوة الأولى في مسار تراجعي لأوروبا الحديثة، واستطراداً لثورتها الصناعية.
لم تكن كل المراحل التي مرّت بها البلاد كافية لتدمير النواة التي مكّنت ألمانيا، بمختلف مساحاتها الجغرافية المتحرّكة، من البقاء على قيد الحياة سياسياً. بالتالي، فإن الصراعات المتتالية بين المقاطعات الألمانية واتفاقهم، ومعاهدة صلح ويستفاليا (1648) بين الدول الأوروبية، وإعلان أوتو فون بسمارك وحدة ألمانيا (1871)، والحربين العالميتين الأولى (1914 ـ 1918) والثانية (1939 ـ 1945)، وما تلاها من تقسيم البلاد إلى ألمانيتين، شرقية وغربية (1949 ـ 1990)، ثم اتحادهما مجدداً، مع ما ترتّب عليه من أكلافٍ إضافية لدمج الشرقيين بالغربيين، ساهم هذا كله في صياغة شخصية ألمانية مختلفة عن معظم الشخصيات عالمياً، سياسياً وبنسبة كبيرة شعبياً، بدأت تظهر ملامحها في قضية الهجرة الأخيرة وتفاقمها في السنتين الأخيرتين.
أمضت ألمانيا عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد دمج الألمانيتين، ومن ثم توسيع الاتحاد الأوروبي، في إطار اقتصادي بحت، مسنوداً على التطوير الدائم للقوانين "الإنسانية" تشريعياً، بغية الإمعان في التخلّص من عقدة النازية من جهة، و"إقفال الباب نهائياً أمام أي ألمانيا أخرى قد تذهب إلى حربٍ أوروبية، ثم عالمية، انطلاقاً من حاجاتها الاقتصادية"، من جهة أخرى.
في هذا الإطار، كان الإصرار الألماني يبدو مضاعفاً قياساً على باقي الدول، أكان في الأزمة المالية اليونانية، أو الأزمة الروسية ـ الأوكرانية، مع انكفاء ظاهري في مختلف الملفات غير الأوروبية، غير أنه، في العامين الأخيرين، باتت ألمانيا أكثر المعنيين بما يقع خلف الحدود الأوروبية، بفعل تدفّق اللاجئين.
ربما كانت ألمانيا "أسهل" محطة للاجئين من الشرق في أوروبا، مع سياسة الانفتاح التي اعتمدتها المستشارة أنجيلا ميركل، حتى أنه قُدّمت قرى كاملة إليهم، وتم الترحيب بهم في مختلف قطاعات المجتمع الألماني. كان أمراً يشرح مدى التحوّل الذي شهدته ألمانيا على مرّ تاريخها. حتى أن الحركات اليمينية الألمانية لم تنم بالسرعة الموازية لسرعة نمو اليمين في فرنسا مثلاً، فتقدّم يمينيو ألمانيا لا يُعدّ "كارثة" قياساً على حجم اللجوء إلى البلاد. هنا، يأتي دور "العنصر الأجنبي"، وفي مقدمته الأتراك، الذي سمح في صياغة نمط جديد من التعاطي الألماني، سرّع من عملية التطوّر الألمانية الدائمة. وهو ما يضع ألمانيا أمام مهمة مثلثة: قيادة اتفاق أوروبي مع تركيا في موضوع اللاجئين، وقربها "الشعبي" من المسألة الكردية، وتحديداً لجهة السلطات التركية تحديداً، وثقلها الاقتصادي (الإنساني) في ملفات المعالجة الأوروبية لقضية اللاجئين.
يبدو سهلاً، حتى الآن، "توقع" الخطوات الألمانية في السياق التراكمي لتطوّر الشخصية المعنوية الألمانية. بالتالي، لن ترضخ أي معالجة ألمانية لملف اللاجئين لـ"الحلول المتطرّفة"، خصوصاً أن الذاكرة الجماعية في أذهان الألمان تركن دوماً إلى التاريخ، من الحروب إلى النازية. التاريخ في ألمانيا جزء من ثقافةٍ مجتمعيةٍ، مرتبطة بالموسيقى والمتاحف والفنون والرياضة والسياسة والاقتصاد. ليس الألمان أميركيين، على الرغم من اعتمادهم نمطاً استهلاكياً من الأعلى عالمياً، إنما بطريقة أكثر إرشاداً، تبدأ حتى من الاقتصاد في استخدام المياه. يستطيع الألمان الانتقال بسهولة من حقبة تاريخية إلى أخرى، في سياق سردهم رواية أو خبراً عادياً. ولعلّ سقوط مثل هذه الشخصية الألمانية، إذا حصل، سيكون الخطوة الأولى في مسار تراجعي لأوروبا الحديثة، واستطراداً لثورتها الصناعية.