الشدة "السيساوية"

17 سبتمبر 2015
ارتكب السيسي ونظامه مجازر بشعة (فرانس برس)
+ الخط -

هل تتجه مصر إلى نفس المصير الذي لاقته وقت الشدة المستنصرية التي حدثت في مصر منذ ما يقرب من ألف عام، حين وقعت الفتن والمجاعات في عهد المستنصر بالله، وهو أحد الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر منتصف القرن الخامس الهجري.



هل نشهد شدة "سيساوية" نسبة إلي عبد الفتاح السيسي الذي يحكم مصر الآن مؤيدا ومدعوما من قبل الغرب والكيان الصهيوني.. يحكم بقوة السلاح والجند، فهو لم يكلف نفسه حتى الآن باستكمال الديكور الديمقراطي بتشكيل برلمان يشاركه ولو صوريا في الحكم وإصدار القوانين.

الشدة المستنصرية والتي هلك فيها الحرث والنسل نتيجة نقص منسوب مياه النيل مدة سبع سنوات للدرجة التي جعلت المال والذهب واللؤلؤ والحرير لم يكن لهم قيمة تذكر فقد افتقر الخليفة وهجرته أسرته إلى بغداد هربا من الموت جوعا وأكل الناس لحوم القطط والكلاب، بل أكلوا لحوم بعضهم بعضاً حتى هلك ما يقرب من ثلث السكان وقتها إما جوعا أو بسبب الأمراض والأوبئة التي انتشرت حينها.

لم يكن السبب الوحيد لتلك الشدة هو جفاف مياه النيل -وإن كان سببا رئيسيا- بل كان للفساد السياسي والإداري والمالي دورا في خراب الأوضاع بوتيرة سريعة ساهمت في وصول البلاد إلى مجاعة مميتة لم تترك بشرا ولا حيوانا إلا وكان له نصيب منها.

تتشابه الشدة المستنصرية مع أحوالنا اليوم في مقدماتها، والسبب الرئيسي فيها هو نقص منسوب مياه النيل الذي إن حدث لربما أودى بكارثة ومصيبة لا يمكن أن تقارن بشدة المستنصر، حيث عدد سكان مصر وقتها (هلك ثلثه) أقل بكثير جدا من عدد سكانها الذي قارب الـ 90 مليوناً اليوم.

الحديث هنا ليس عن الحكم الديكتاتوري وارتكاب السيسي ونظامه مجازر بشعة دموية قتل فيها آلاف المصريين واعتقل عشرات الآلاف في السجون، فكم من أنظمة مجرمة عملت على تقدم ورخاء كل من ينتمي لها، فهدفهم الرئيسي خدمة مواطنيهم، وليس خدمة الأنظمة الأجنبية الأخرى.

الكيان الصهيوني كيان مجرم غير شرعي يرتكب المذابح بحق الشعب الفلسطيني كل يوم ويقيم دولة دينية فوق آلاف الجثث وآلاف المعتقلين في سجونه، لكنه لا يوجه السلاح إلى أعضاء منظومته الإجرامية. النظام المصري بقيادة السيسي لا يتورع في قتل المصريين شبابا وشيوخا ونساء وأطفالا.. طلابا وأطباء ومهندسين وعمالا وفلاحين، فضلا عن قتله أصحاب الرأي من الصحافيين وسجن الكثير منهم، لم يترك أحدا من فئات المجتمع المصري عارضه في اعتصام أو مظاهرة أو مقال إلا وقتله أو اعتقله وعذبه.

على الجانب الآخر لا يأبه السيسي كثيرا لمؤيديه، فالمصلحة العليا لمصر والمتمثلة في الأمن القومي ومحاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي يتحدث عنه مرارا وتكرارا ولم يفِ بأدنى درجاته.. نحن هنا لا نتحدث عن المصطلحات بمعانيها التي يراها السيسي، فعلى عكس المصلحة العليا لمصر قام السيسي بحفر تفريعة سماها قناة السويس الجديدة لا تقدم لموقف مصر الاقتصادي شيئا، وإلا ما جاء محمد بن راشد حاكم دبي على رأس الوفود المهنئة بالافتتاح، إذ لا تمثل التفريعة خطرا على الموانئ الإماراتية.

وعلى الصعيد الآخر يمثل الأمن القومي للسيسي قتل معارضيه وعلى رأسهم الإخوان المسلمين وتهجير أهل سيناء واضطهاد أبنائها خدمة للكيان الصهيوني. نظام السيسي لا يرى خطرا في السد الذي تقيمه إثيويبا على منبع نهر النيل، والذي لا ينقص من مياه النيل فقط، بل سيجعل لأديس أبابا القدرة على التحكم في كمية المياه التي تستخدمها مصر يوميا، وهو الذي سيؤثر بدوره على كمية المياه المستخدمة في الشرب والزارعة والصناعة.

مصر التي تعيش فقرا مائيا تنتظر "الشدة السيساوية" المقرر لها أن تبدأ خلال فترة امتلاء خزان سد النهضة الأثيوبي والتي ستؤدي لجفاف بحيرة ناصر وانخفاض مستوى النيل لأدنى مستوياته، ضع نتيجة تلك الكارثة مع الاقتصاد الهش والانخفاض المستمر في قيمة الجنيه أمام الدولار والفساد المالي والإداري والتمزق المجتمعي وسرقة موارد البلاد والعباد واحتكار المؤسسة العسكرية لمعظم المشاريع والمصانع والشركات وبالأخذ في الاعتبار عدد السكان والأمراض المتفشية فستشهد مصرا هلاكا للحرث والنسل ربما تمتد آثاره لعقود من الزمن.

(مصر)