الشعب الثالث

16 يناير 2015
الشرطة تعتدي على متظاهرين مصريين يوم "جمعة الغضب" (GETTY)
+ الخط -


تكررت لقطات مواطن مصري يقول إن الرئيس المعزول محمد مرسي "قسم البلد نصفين بالإعلان الدستوري"، حتى صدقها بعضهم، وباتت حقيقة لا تقبل الجدل، استغلها معارضو مرسي للانقلاب عليه، بدعوى تفادي حرب أهلية محتملة.

الحرب الأهلية المحتملة، مثلها مثل الإرهاب المحتمل، يتم الترويج لها، لكن أحدا لا يعرف عنها شيئاً. يتحدث كثيرون عنها، لكن أيُّهم لم يختبرها. يخشى كثيرون أن تصبح مصر مثل سورية والعراق، لكن هذا يبقى محتملاً، الأخطر أنه يظل محتملاً دائماً.

الواقع أن ما بعد عزل مرسي كان انقساماً مجتمعياً حقيقياً في البلاد، من دون لقطات فيديو ولا تكرار نخبوي ولا "زنّ" إعلامي. بات المصريون شعبين، هذا من الشعب الموالي للحاكم، وذاك من الشعب الموالي للمعزول، وهو الذي عبّر عنه بوضوح الشاعر الغنائي مدحت العدل، في أغنية قدمها المطرب علي الحجار، يمكن اعتبارها جريمة تحريض وعنصرية مكتملة الأركان. 

ينظر كل طرف إلى معارضيه باعتبارهم "شعب تاني". بات الشعب الموالي للنظام يتعامل مع الشعب المعارض باعتباره عدواً، باتوا يعتبرون المعارضين، معارضين لهم ولحقوقهم، وليس للنظام فقط، وأيضا بات الموالون للحاكم المعزول يعتبرون معارضي عودته، معارضين لهم ولحقوقهم، وليس لتيار سياسي فقط.

يتهم كل فريق الآخر بالخيانة والغباء، وأحيانا التخابر، يملك كل طرف تجاه الآخر قدراً من الكراهية يكفيه للتعدي قولا وفعلا، وربما وصولا إلى القتل.

يُحمّل كل طرف الآخر نتائج الكثير من الأزمات التي ترزح البلاد كلها تحت وطأتها حالياً، لا يرغب أيهما في الاعتراف بأخطائه، أو تحمل نصيبه من المسؤولية، يطالب كل منهما الآخر بالاعتذار والتراجع، لكن يبقى العناد متحكماً في المواقف، ويظل كل فريق عند رأيه بأن الآخر وحده يتحمل المسؤولية، وعليه أيضاً تحمل التبعات.

وسط كل هذا الجدل، ينسى هذا الشعب وذاك، أن هناك ثورة مغدورة، وثواراً ما زالوا يحاولون استعادة ثورتهم التي تم الانقلاب عليها، وأن هناك مئات الشهداء الذين راحوا في تلك الثورة من أجل التخلص من حكم العسكر، وأن هناك آلاف المصابين الذين تضرروا من النظام الذي قامت عليه "ثورة يناير" وأعادته "30 يونيو" مجددا.

يتصارع الشعبان، الموالي والمعارض، ظناً أنهما اللاعبان الوحيدان في الساحة. كلٌّ منهما يظن الأمر يخصه وحده، كلٌّ منهما يروج أنه الوحيد صاحب الحق، بينما هناك آخرون يتم تجاهلهم، آخرون يمكن أن يصنفوا كشعب ثالث، هم الثوار الحقيقيون الذين لم يخضعوا للثورة المضادة، بل وآخرون يمكن أن يصنفوا كشعب رابع، يظل متربصاً بالشعوب الثلاثة الأولى منتظراً أن ينتصر أحدها ليصفق له ويدّعي أنه شريك في النصر.