02 يونيو 2017
الشعوب والنخب الوسيطة
هاشم الرفاعي
باحث وكاتب سعودي في علم الاجتماع، مهتم بدراسات علم الاجتماع الثقافية والدينية، ومهتم بدراسة الحركات الاجتماعية في الجزيرة العربية، مبتعث لدراسة علم الاجتماع في الولايات المتحدة.
عند حدوث أزماتٍ في أي دولة، تقوم النخبة السياسية الحاكمة بتوسيط النخب الثقافية والدينية والنخب العامة لدى المجتمع، للعمل وسيطاً يبرّر للسياسي مشروعاته ومشروعيته في الفعل، وفي تنفيذ مشاريع وقضايا ربما تكون ذات وقع أليم وصعب على المجتمع، وغير مرغوب فيها. وغالباً ما تستدعي النخبة السياسية هذا النمط في الأوقات والأزمات الصعبة التي تعلم أن مواجهتها للجمهور والمجتمع ستكون ذات كلفة سياسية، وربما يخسر "السياسي" بسببها رأس المال "التقديري" له داخل المجتمع. لهذا تقوم النخب المستعارة بهذا الدور الوظيفي، لمحاولة التبرير، ورسم صورة وردية ومتفائلة، وإيصالها إلى جمهور محدّد كما يُراد له.
وهذا ما يحدث في العالم العربي بين المؤسسات السياسية ذات السيادة واستضافات النخب الاجتماعية من المشاهير وغيرهم، لمحاولة تلميع صورة مؤسسة الحكم، ومن يشرف عليها لدى الشعوب وتحسينها، وخروج صاحب القرار السياسي بصورة أبوية، وفي الوقت نفسه، بصورة ريادة وطموحة، وتسعى إلى إحداث تغييرات كبرى لصالح المواطن، أو هكذا يُراد لها أن تكون مرسومةً في عقل المواطن. لكن هذا النمط هو، في الواقع، جزء من حملات العلاقات العامة التي تنتهجها بعض مؤسسات الحكم العربي في بعض البلدان. وهي، في أحيانٍ كثيرة، تقدّم هذا النمط العلاقة ما بين الحكام أو السياسي والشعب في محاولة جعل وسيطٍ اجتماعيٍّ محاولة الهروب من المسؤولية السياسية، وإلقاء الكرة في ملعب النخبة التي تلعب دور المبرّر والمبشّر الذي لا يحمل أدلةً ومؤشرات على ما يحاول أن يقنع المجتمع به!
التفاؤل حقٌّ مكفول للجميع، وبما فيها النخب الاجتماعية التي تتلاقى، من حين إلى آخر، بالنخب السياسية، ولا حجر لأحدٍ في هذا الجانب، لأن لكل إنسان منظورا معينا، يرى الأمور من خلاله. لكن الواقع يخبرنا أن لدى بعض النخب الاجتماعية المنتقاة لملاقاة السياسيين هوسا بالحضور الاجتماعي، فيكون الهدف تحقيق هذا الحضور بأي شكلٍ، وإن كان بالتقاط صورةٍ مع صاحب القرار.
واقعياً ليس الحضور، ولا هوسه، هو الإشكالية، بل الإشكالية في نوعية الوسائط المتبعة لدى
النخب السياسية التي تعتقد أن وساطة النخب الاجتماعية وحضورها في مجالسها السياسية كفيلٌ بالحصول على الرضا الاجتماعي من المجتمع، وما حدث هو العكس، حيث أضرّت التطورات الاقتصادية أخيراً بمداخيل المواطنين في البدان العربية، فضلاً عن رفع الدعم عن أساسياتٍ كثيرة، كالكهرباء والماء وغيرها، ما ألحق الضرر بالميزانية المادية للمواطن، في الوقت الذي يأتي فيه المتفائلون الجدد بالتبشير والرهان على التطلعات المستقبلية من منظور غير واقعي!
تمرّ الدول بأزمات اقتصادية، تُحتم إجراء سياساتٍ تقشفية لمواجهة هذه التحديات، ورسم هذه السياسات وإشراك الشعب في صياغتها أهم الحلول والخطوات اللازمة لدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي. بوجود مؤسساتٍ برلمانية ذات تمثيل شعبي حقيقي، تكون للشعب كلمة عبر الممثلين الحقيقيين، لا شخصيات عابرة لها حضور مميز في مجالات فنية أو أدبية، أو حتى من الكتاب، لكن تميّزها هو في الفضاء الخاص لها، وثمّة فرقٌ بين التمثيل الشعبي والتميز الشخصي. هناك فرق جوهري بين أن يكون للشعب ممثلون عبر مؤسساتٍ تناقش وترسم خريطة للقضايا الأساسية للدولة وعدد يتم انتقاؤهم والخروج بصورة تذكارية، ثم مجرّد شعاراتٍ تطمئن الشعب من دون ذكر أي تفاصيل.
قدر المجتمع أن يتحمل جزءاً من التراكمات التاريخية السابقة التي هي بسبب تجاهل نداءات
المخلصين من أبناء الوطن في رسم سياسات نفطية واقتصادية وسياسية. واليوم صاحب القرار السياسي أمام مرحلةٍ تاريخيةٍ، وذات منعطفات صعبة في دقة اختيار المسارات السليمة لعبور هذه الأزمة التي لا حل لها من دون إشراك المجتمع للقيام بالمشاركة والرقابة، وتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الفترة. يناقش المجتمع اليوم ويحاكم القرارات والمشروعات التي ترعاها مؤسسات الدولة، والتي تروّجها نخبٌ يُراد لها أن تلعب دور الوسيط، لكن هذا الصوت الاجتماعي الوطني سيكون أكثر فاعليةً للوطن، في ظل وجود مؤسسات حقيقية، تتيح المشاركة والرّقابة عبر المؤسسات الرقابية والبرلمانية. لا يمكن عزل المجتمع عن السياق الطبيعي، وإبداله بلقاءاتٍ لا تمثل للمجتمع شيئاً، غير أنها تزيد من ارتفاع عدم الثقة بين النخب والمجتمع.
النخب الاجتماعية التي يُراد لها أن تلعب دور الوسيط والمبشر بالمستقبل، ربما لها بعض القبول لدى فضاءات اجتماعية معينة، ولها جمهورها، لكن هذا لا يبرّر أن تكون الضامن والخيار السليم للعمل وسيطاً ما بين السياسي والمجتمع. ربما أن رأس المال الاجتماعي التقديري لبعض هذه النخب هو في نزول وهبوط، وربما نُعت بعضهم "مطبلين"، في إشارةٍ إلى الاصطفاف الكامل مع رأيٍ معي هو غير مقبول اجتماعياً. وهذا مؤشرٌ على أزمة ثقةٍ لدى المجتمع نحو هذه النخب. لا خيار ولا مناص من الشفافية وإجابة المجتمع على تساؤلاته وسماع إعتراضه عبر مؤسساتٍ تمثيليةٍ حرّة. ولا توجد أي وسيلةٍ يمكن أن تكون حلقة وصلٍ ما بين مؤسسات الدولة والمجتمع غير التمثيل الشعبي.
وهذا ما يحدث في العالم العربي بين المؤسسات السياسية ذات السيادة واستضافات النخب الاجتماعية من المشاهير وغيرهم، لمحاولة تلميع صورة مؤسسة الحكم، ومن يشرف عليها لدى الشعوب وتحسينها، وخروج صاحب القرار السياسي بصورة أبوية، وفي الوقت نفسه، بصورة ريادة وطموحة، وتسعى إلى إحداث تغييرات كبرى لصالح المواطن، أو هكذا يُراد لها أن تكون مرسومةً في عقل المواطن. لكن هذا النمط هو، في الواقع، جزء من حملات العلاقات العامة التي تنتهجها بعض مؤسسات الحكم العربي في بعض البلدان. وهي، في أحيانٍ كثيرة، تقدّم هذا النمط العلاقة ما بين الحكام أو السياسي والشعب في محاولة جعل وسيطٍ اجتماعيٍّ محاولة الهروب من المسؤولية السياسية، وإلقاء الكرة في ملعب النخبة التي تلعب دور المبرّر والمبشّر الذي لا يحمل أدلةً ومؤشرات على ما يحاول أن يقنع المجتمع به!
التفاؤل حقٌّ مكفول للجميع، وبما فيها النخب الاجتماعية التي تتلاقى، من حين إلى آخر، بالنخب السياسية، ولا حجر لأحدٍ في هذا الجانب، لأن لكل إنسان منظورا معينا، يرى الأمور من خلاله. لكن الواقع يخبرنا أن لدى بعض النخب الاجتماعية المنتقاة لملاقاة السياسيين هوسا بالحضور الاجتماعي، فيكون الهدف تحقيق هذا الحضور بأي شكلٍ، وإن كان بالتقاط صورةٍ مع صاحب القرار.
واقعياً ليس الحضور، ولا هوسه، هو الإشكالية، بل الإشكالية في نوعية الوسائط المتبعة لدى
تمرّ الدول بأزمات اقتصادية، تُحتم إجراء سياساتٍ تقشفية لمواجهة هذه التحديات، ورسم هذه السياسات وإشراك الشعب في صياغتها أهم الحلول والخطوات اللازمة لدعم الاستقرار السياسي والاجتماعي. بوجود مؤسساتٍ برلمانية ذات تمثيل شعبي حقيقي، تكون للشعب كلمة عبر الممثلين الحقيقيين، لا شخصيات عابرة لها حضور مميز في مجالات فنية أو أدبية، أو حتى من الكتاب، لكن تميّزها هو في الفضاء الخاص لها، وثمّة فرقٌ بين التمثيل الشعبي والتميز الشخصي. هناك فرق جوهري بين أن يكون للشعب ممثلون عبر مؤسساتٍ تناقش وترسم خريطة للقضايا الأساسية للدولة وعدد يتم انتقاؤهم والخروج بصورة تذكارية، ثم مجرّد شعاراتٍ تطمئن الشعب من دون ذكر أي تفاصيل.
قدر المجتمع أن يتحمل جزءاً من التراكمات التاريخية السابقة التي هي بسبب تجاهل نداءات
النخب الاجتماعية التي يُراد لها أن تلعب دور الوسيط والمبشر بالمستقبل، ربما لها بعض القبول لدى فضاءات اجتماعية معينة، ولها جمهورها، لكن هذا لا يبرّر أن تكون الضامن والخيار السليم للعمل وسيطاً ما بين السياسي والمجتمع. ربما أن رأس المال الاجتماعي التقديري لبعض هذه النخب هو في نزول وهبوط، وربما نُعت بعضهم "مطبلين"، في إشارةٍ إلى الاصطفاف الكامل مع رأيٍ معي هو غير مقبول اجتماعياً. وهذا مؤشرٌ على أزمة ثقةٍ لدى المجتمع نحو هذه النخب. لا خيار ولا مناص من الشفافية وإجابة المجتمع على تساؤلاته وسماع إعتراضه عبر مؤسساتٍ تمثيليةٍ حرّة. ولا توجد أي وسيلةٍ يمكن أن تكون حلقة وصلٍ ما بين مؤسسات الدولة والمجتمع غير التمثيل الشعبي.
دلالات
هاشم الرفاعي
باحث وكاتب سعودي في علم الاجتماع، مهتم بدراسات علم الاجتماع الثقافية والدينية، ومهتم بدراسة الحركات الاجتماعية في الجزيرة العربية، مبتعث لدراسة علم الاجتماع في الولايات المتحدة.
هاشم الرفاعي
مقالات أخرى
02 ابريل 2017
22 فبراير 2017
07 فبراير 2017