جواهر حريري لبنانية من صيدا، جنوب لبنان. لم يعقها الشلل عن متابعة حياتها بشكل طبيعي، ولم يجعلها تتراجع عن حلم استكمال تعليمها، ومتابعة حياتها الاجتماعية.
هي اليوم تعمل موظفة استعلامات في جمعية المواساة للخدمات الاجتماعية، في مدينتها. تقول: "عندما كنت رضيعة أصبت بالشلل بسبب حمى قوية. ولم يكن اختيار والدتي للطبيب مناسباً لحالتي. فقد كان طبيب صحة عامة، وليس اختصاصيَّ أعصاب. وبعدما أساء علاجي طوال عام كامل يئس الأطباء من شفائي، وأوصوا بوضع جهاز خاص في قدمي".
لكنّ جواهر، التي تتجاوز الأربعين بقليل، عاشت طفولتها بشكل طبيعي، كما تقول. ومع ذلك، فقد واجهتْ من جهة أخرى صعوبات كبيرة. وتقول: "تأخرتُ عن الالتحاق بالمدرسة حتى عمر السادسة، كما كان الذهاب إليها صعباً عليّ، ولم أسمح لأحد بمساعدتي في صعود السلالم والدخول والخروج من الصف والملعب وغيره. حتى أنّ دخولي إلى المدرسة جاء وفق تعهد خطي من والدتي بأنّها تتحمل مسؤولية أي مكروه يصيبني".
في المدرسة، كانت جواهر تبذل جهداً كبيراً للصعود إلى صفها في الطابق الثاني. وكانت تتكل على نفسها، وترفض أن يساعدها أحد، بالرغم من أنّ كثيرين كانوا يحاولون ذلك. وفي الملعب كانت تنتظر انتهاء الفسحة أمام باب الناظر، ولا تشارك في الألعاب خوفاً من الوقوع، أو تعثُّر أحد بها بالخطأ.
ومع ذلك، تقول: "كلّ هذا لم يؤثر بي، فقد تمكنتُ من تخطي هذه المرحلة، ورفضتُ كلّ لوم لي، بل أصبحتُ بعد ذلك ألعب مع رفاقي لكن ضمن حدود معينة، وضمن قدراتي على اللعب. بالطبع كنت ألبس الجهاز، ومع مرور الزمن تخطيتُ هذه المرحلة وتقبَّل رفاقي وضعي. لكن مع وصولي للصفوف المتوسطة صار يرهقني تسلق الدرج في المدرسة والنزول. فبتّ أصعد صباحاً ولا أنزل أبداً إلاّ عند انتهاء الدوام، مع ازدياد إصراري على متابعة الدراسة".
وتتابع: "بعد انتهائي من المرحلة الثانوية دخلتُ إلى الجامعة، ودرست الأدب الإنجليزي في الجامعة اللبنانية، لكن واجهتني صعوبة في ذلك، فقد كانت قاعتي الدراسية في الطابق السابع من المبنى. في البداية أخذت إذناً بالسماح لي باستخدام المصعد الخاص بالأساتذة. لكن بعد فترة تعطل المصعد، واضطررت للصعود على قدميّ. ولم يثنني ذلك يوماً عن المتابعة".
تقول جواهر: "كأشخاص معوقين، نحن أناس كغيرنا تماماً. لنا قدراتنا التي نستخدمها ومهاراتنا". هي المأساة التي يعانيها الأشخاص المعوقون ككل في لبنان في التمييز الذي يتعرضون له، وعدم إقرار الحقوق وتنفيذها. وعن ذلك تقول جواهر إنّ بطاقة الإعاقة التي تحملها لا تستفيد منها بشيء.
لم تتمكن جواهر من متابعة دراستها. وتقول إنّ ظروفاً صحية قاهرة منعتها من ذلك على الرغم من وصولها إلى السنة الثالثة في اختصاصها، ولم يبق لها أكثر من عام للتخرج. تقول إنّها حاولت أكثر من مرة العودة إلى الدراسة لكنّ الظروف كانت تمنعها دائماً.
أما عن العمل، فتقول إنّها تقدمت بطلبات للعمل كمدرّسة في عدة مؤسسات لكنّ طلباتها كانت تقابل بالرفض دائماً بسبب إعاقتها، بل ذهب بعضهم إلى القول لها إنّ الأطفال سيخافون منها، بالرغم من إعلانها أمامهم أنّ بإمكانها إخفاء الجهاز خلف ملابسها.
مثل هذا الرفض تسبب لجواهر بأزمة نفسية أقوى مما كانت تشعر به أيام مدرستها. وتقول: "الطريقة التي يعاملنا بها الناس هي التي تتسبب لنا بالمشاكل النفسية، والشعور بالنقص أمام الآخرين".
بعد محاولات عديدة، تمكنت جواهر من الحصول على عمل في جمعية المواساة منذ تأسيسها قبل 15عاماً. وباتت موظفة هاتف واستعلامات.
هي فخورة بنفسها كإنسانة، تمكنت بالرغم من إعاقتها من تخطي كل الحواجز، وكل الظروف الصعبة حتى تصل إلى هدفها. وتقول إنّ الجمعية أيضاً فخورة بها. كما لم تشعر للحظة هناك أنهم يعاملونها بتمييز، بل كغيرها. وفي ذلك توجه رسالة إلى كل الأشخاص المعوقين: "أتمنى على كل من لديه إعاقة، ألاّ يعتبر أنّ إعاقته تشكل حاجزاً بينه وبين المجتمع".
إقرأ أيضاً: مهندس يبيع الملابس البالية
هي اليوم تعمل موظفة استعلامات في جمعية المواساة للخدمات الاجتماعية، في مدينتها. تقول: "عندما كنت رضيعة أصبت بالشلل بسبب حمى قوية. ولم يكن اختيار والدتي للطبيب مناسباً لحالتي. فقد كان طبيب صحة عامة، وليس اختصاصيَّ أعصاب. وبعدما أساء علاجي طوال عام كامل يئس الأطباء من شفائي، وأوصوا بوضع جهاز خاص في قدمي".
لكنّ جواهر، التي تتجاوز الأربعين بقليل، عاشت طفولتها بشكل طبيعي، كما تقول. ومع ذلك، فقد واجهتْ من جهة أخرى صعوبات كبيرة. وتقول: "تأخرتُ عن الالتحاق بالمدرسة حتى عمر السادسة، كما كان الذهاب إليها صعباً عليّ، ولم أسمح لأحد بمساعدتي في صعود السلالم والدخول والخروج من الصف والملعب وغيره. حتى أنّ دخولي إلى المدرسة جاء وفق تعهد خطي من والدتي بأنّها تتحمل مسؤولية أي مكروه يصيبني".
في المدرسة، كانت جواهر تبذل جهداً كبيراً للصعود إلى صفها في الطابق الثاني. وكانت تتكل على نفسها، وترفض أن يساعدها أحد، بالرغم من أنّ كثيرين كانوا يحاولون ذلك. وفي الملعب كانت تنتظر انتهاء الفسحة أمام باب الناظر، ولا تشارك في الألعاب خوفاً من الوقوع، أو تعثُّر أحد بها بالخطأ.
ومع ذلك، تقول: "كلّ هذا لم يؤثر بي، فقد تمكنتُ من تخطي هذه المرحلة، ورفضتُ كلّ لوم لي، بل أصبحتُ بعد ذلك ألعب مع رفاقي لكن ضمن حدود معينة، وضمن قدراتي على اللعب. بالطبع كنت ألبس الجهاز، ومع مرور الزمن تخطيتُ هذه المرحلة وتقبَّل رفاقي وضعي. لكن مع وصولي للصفوف المتوسطة صار يرهقني تسلق الدرج في المدرسة والنزول. فبتّ أصعد صباحاً ولا أنزل أبداً إلاّ عند انتهاء الدوام، مع ازدياد إصراري على متابعة الدراسة".
وتتابع: "بعد انتهائي من المرحلة الثانوية دخلتُ إلى الجامعة، ودرست الأدب الإنجليزي في الجامعة اللبنانية، لكن واجهتني صعوبة في ذلك، فقد كانت قاعتي الدراسية في الطابق السابع من المبنى. في البداية أخذت إذناً بالسماح لي باستخدام المصعد الخاص بالأساتذة. لكن بعد فترة تعطل المصعد، واضطررت للصعود على قدميّ. ولم يثنني ذلك يوماً عن المتابعة".
تقول جواهر: "كأشخاص معوقين، نحن أناس كغيرنا تماماً. لنا قدراتنا التي نستخدمها ومهاراتنا". هي المأساة التي يعانيها الأشخاص المعوقون ككل في لبنان في التمييز الذي يتعرضون له، وعدم إقرار الحقوق وتنفيذها. وعن ذلك تقول جواهر إنّ بطاقة الإعاقة التي تحملها لا تستفيد منها بشيء.
لم تتمكن جواهر من متابعة دراستها. وتقول إنّ ظروفاً صحية قاهرة منعتها من ذلك على الرغم من وصولها إلى السنة الثالثة في اختصاصها، ولم يبق لها أكثر من عام للتخرج. تقول إنّها حاولت أكثر من مرة العودة إلى الدراسة لكنّ الظروف كانت تمنعها دائماً.
أما عن العمل، فتقول إنّها تقدمت بطلبات للعمل كمدرّسة في عدة مؤسسات لكنّ طلباتها كانت تقابل بالرفض دائماً بسبب إعاقتها، بل ذهب بعضهم إلى القول لها إنّ الأطفال سيخافون منها، بالرغم من إعلانها أمامهم أنّ بإمكانها إخفاء الجهاز خلف ملابسها.
مثل هذا الرفض تسبب لجواهر بأزمة نفسية أقوى مما كانت تشعر به أيام مدرستها. وتقول: "الطريقة التي يعاملنا بها الناس هي التي تتسبب لنا بالمشاكل النفسية، والشعور بالنقص أمام الآخرين".
بعد محاولات عديدة، تمكنت جواهر من الحصول على عمل في جمعية المواساة منذ تأسيسها قبل 15عاماً. وباتت موظفة هاتف واستعلامات.
هي فخورة بنفسها كإنسانة، تمكنت بالرغم من إعاقتها من تخطي كل الحواجز، وكل الظروف الصعبة حتى تصل إلى هدفها. وتقول إنّ الجمعية أيضاً فخورة بها. كما لم تشعر للحظة هناك أنهم يعاملونها بتمييز، بل كغيرها. وفي ذلك توجه رسالة إلى كل الأشخاص المعوقين: "أتمنى على كل من لديه إعاقة، ألاّ يعتبر أنّ إعاقته تشكل حاجزاً بينه وبين المجتمع".
إقرأ أيضاً: مهندس يبيع الملابس البالية