21 سبتمبر 2019
الشمس.. نجم الظهر الحنون
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
كثيرا ما نتحدث عن "نجوم الظهر" أو النجوم التي تظهر في عز الظهر، نوعا من استبعاد أن تُرى النجوم في عز الظهر! فمن المعروف أن النجوم لا تُرى إلا في الليل، لكننا قد تناسينا نجما مهما لا يظهر إلا في النهار، إنه الشمس. فالشمس من النجوم، بل إنها أهم نجم لنا نحن سكان كوكب الأرض؛ فلا حياة على ظهر هذا الكوكب إلا بوجود الشمس، وهو أقرب نجم إلينا؛ إذ يبعد عنا 150 مليون كيلومتر فقط!
يقطع الضوء هذه المسافة في حوالي 3.8 دقائق، حيث تحتاج مركباتنا الفضائية (أسرع مركبة صنعها الإنسان هي نيو هورايزونز New Horizons سرعتها 58536 كم/ ساعة) إلى ثلاثة أشهر ونصف الشهر للوصول إلى الشمس، هذا باعتبار أننا لن نحترق بالقرب من الشمس، أم ترانا سنسلك طريقة عمرو في برنامج "المناهل" الذي أخبر صديقه زيد أنه سيطلع إلى الشمس، فأجابه هذا الأخير: لكنك ستحترق.
فقال: سأطلع في الليل.
لكن لماذا نفكر بالذهاب إلى الشمس؟ ربما لأنها الأساس في المجموعة الشمسية أو لكمية الطاقة الهائلة التي تنتجها، إذ تنتج 4 مليون طن جول في الثانية، أي أكثر من 6 مليون مليون قنبلة ذرية من نوع قنبلة هيروشيما، أو حوالي 1.8 مليار قنبلة هيدروجينية. هذه الطاقة التي تبث على شكل إشعاعات لا يصل إلى الأرض منها إلا النصف، تقوم الأرض بامتصاص أغلبه.
الشمس لونها أبيض رغم أنها تلوح لنا صفراء، وذلك بسبب نشر السماء الإشعاعي للون الأزرق. ومع ذكر النهار ودليله الشمس، يتبادر إلى ذهني بيت الشاعر المتنبي الشهير:
وليس يصح في الأذهان شيء/ إذا احتاج النهارُ على دليلِ
حتى ولو كان هذا الدليل هو الشمس، بيت المتنبي هذا مغر، فقد جعل منافسه في القرن العشرين أمير الشعراء، أحمد شوقي، يعيد صياغة معناه بطريقة أخرى فيقول: ما كلامُ الناس في الشمس إلا/ أنها الشمسُ ليس فيها كلامُ.
وللمتنبي جولة أخرى مع الشمس؛ حيث يتحدى ضوء الشمس بشمس أخرى؛ إنها ممدوحه كافور الإخشيدي، قبل أن يصبح مهجوه بعد ذلك، حيث مدحه في إحدى القصائد قائلا:
تفضحُ الشمس كلما ذرّت الشمس/ بشمسٍ منيرةٍ سوداءِ
ولا أدري كيف تكون شمس منيرة سوداء؟ لكن للشعراء مبالغاتهم.
ومن موروثنا الشعبي في مدينة إب، هذه الأبيات: يا شمس فِذِّي فِذِّي.. قطع الله رأس الهندي/ والهندي سافر مكة، وعياله ملء الدكه.
ولا أدري من هذا الهندي المراد قطع رأسه؟ لكن المعلوم أن الشمس لا تفذّ، أي لا تشرق لموت أحد ولا لحياة أحد.
وقد عبدت بعض الحضارات الشمس في سالف الزمان، ولعل الحضارة اليمنية واحدة من تلك الحضارات التي سجل القرآن عبادتها للشمس في سورة النمل وهي قصة ملكة سبأ بلقيس.
وواقعة العبادة قد بدأت قبل ظهور بلقيس على مسرح السياسة؛ حيث جرف الملك (نشأ كرب يهامن) الناس عن عبادة إلمقة إلى عبادة الشمس، وأسس لها المعابد في زمانه، واستمرت العبادة حتى مجيء الملكة بلقيس، كل هذا كان في القرن العاشر قبل الميلاد، لكنها أعادت قومها لعبادة الله ذي السماء، بعد اتصالها بالنبي سليمان عليه السلام.
وللحضارة المصرية باع كبير مع الشمس، يتجلى هذا مع رع أو آمون، فرع هو إله الشمس لدى المصريين القدماء، الإله الرئيسي في الدين المصري القديم، وكان يرمز إليه بقرص الشمس، وقد تمركزت عبادته بداية في مدينة أون، أو هليوبوليس (Heliopolis) كما أسماها اليونانيون. وتعني كلمة أون المصرية مدينة الشمس، وهي تقع اليوم في ضاحية مصر الجديدة بشمال شرق القاهرة.
ولا ننسى في مصر القديمة أخناتون، الملك الفرعوني الذي رفض تعدد الآلهات التي تعبد وجمعها على إله واحد هو آتون، الذي ربطه باسمه اخناتون الذي يعني الروح الحية لآتون، ونقل العاصمة المصرية من طيبة (الأقصر) إلى العاصمة الجديدة التي بناها واسمها أخيتاتون (أفق قرص الشمس) وهي اليوم تل العمارنة في المنيا.
وكلمة شمس العربية مؤنث مجازي، لكن لو أضفنا لها كلمة الدين لصارت مذكر، لأن اسم شمس الدين يُطلق على الرجال؛ فعندنا شمس الدين الذهبي، وهو المؤرخ المعروف صاحب كتاب "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، وشمس الدين ابن قيّم الجوزية، وهو الفقيه الحنبلي المعروف، وشمس الدين القرطبي، وهو المفسر صاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن، ولا ننسى شمس الدين الناجي، ابن عاشور الناجي، في ملحمة الحرافيش للراحل نجيب محفوظ. والشيء بالشيء يُذكر، فمن أسماء الشمس في العربية ذُكاء، بضم الذال وفتح الكاف، وكذلك الغزالة.
وسمّاها الشاعر اليمني عبد الله البردوني (بنت السماء) في قصيدة يقول فيها:
أطلّت من الأفق بنت السما مغلّفة بالشعاع الندي/ ووشّت بساط الفضا بالسنا وباللّهب البارد العسجدي
نعم هي بنت السماء، لكن خيراتها على الأرض.
ولا تزال للشمس حكايات لا تنتهي، فهي المراقبة لكل شارد ووارد يحدث تحتها، حتى قيل إن لا جديد تحت الشمس.
يقطع الضوء هذه المسافة في حوالي 3.8 دقائق، حيث تحتاج مركباتنا الفضائية (أسرع مركبة صنعها الإنسان هي نيو هورايزونز New Horizons سرعتها 58536 كم/ ساعة) إلى ثلاثة أشهر ونصف الشهر للوصول إلى الشمس، هذا باعتبار أننا لن نحترق بالقرب من الشمس، أم ترانا سنسلك طريقة عمرو في برنامج "المناهل" الذي أخبر صديقه زيد أنه سيطلع إلى الشمس، فأجابه هذا الأخير: لكنك ستحترق.
فقال: سأطلع في الليل.
لكن لماذا نفكر بالذهاب إلى الشمس؟ ربما لأنها الأساس في المجموعة الشمسية أو لكمية الطاقة الهائلة التي تنتجها، إذ تنتج 4 مليون طن جول في الثانية، أي أكثر من 6 مليون مليون قنبلة ذرية من نوع قنبلة هيروشيما، أو حوالي 1.8 مليار قنبلة هيدروجينية. هذه الطاقة التي تبث على شكل إشعاعات لا يصل إلى الأرض منها إلا النصف، تقوم الأرض بامتصاص أغلبه.
الشمس لونها أبيض رغم أنها تلوح لنا صفراء، وذلك بسبب نشر السماء الإشعاعي للون الأزرق. ومع ذكر النهار ودليله الشمس، يتبادر إلى ذهني بيت الشاعر المتنبي الشهير:
وليس يصح في الأذهان شيء/ إذا احتاج النهارُ على دليلِ
حتى ولو كان هذا الدليل هو الشمس، بيت المتنبي هذا مغر، فقد جعل منافسه في القرن العشرين أمير الشعراء، أحمد شوقي، يعيد صياغة معناه بطريقة أخرى فيقول: ما كلامُ الناس في الشمس إلا/ أنها الشمسُ ليس فيها كلامُ.
وللمتنبي جولة أخرى مع الشمس؛ حيث يتحدى ضوء الشمس بشمس أخرى؛ إنها ممدوحه كافور الإخشيدي، قبل أن يصبح مهجوه بعد ذلك، حيث مدحه في إحدى القصائد قائلا:
تفضحُ الشمس كلما ذرّت الشمس/ بشمسٍ منيرةٍ سوداءِ
ولا أدري كيف تكون شمس منيرة سوداء؟ لكن للشعراء مبالغاتهم.
ومن موروثنا الشعبي في مدينة إب، هذه الأبيات: يا شمس فِذِّي فِذِّي.. قطع الله رأس الهندي/ والهندي سافر مكة، وعياله ملء الدكه.
ولا أدري من هذا الهندي المراد قطع رأسه؟ لكن المعلوم أن الشمس لا تفذّ، أي لا تشرق لموت أحد ولا لحياة أحد.
وقد عبدت بعض الحضارات الشمس في سالف الزمان، ولعل الحضارة اليمنية واحدة من تلك الحضارات التي سجل القرآن عبادتها للشمس في سورة النمل وهي قصة ملكة سبأ بلقيس.
وواقعة العبادة قد بدأت قبل ظهور بلقيس على مسرح السياسة؛ حيث جرف الملك (نشأ كرب يهامن) الناس عن عبادة إلمقة إلى عبادة الشمس، وأسس لها المعابد في زمانه، واستمرت العبادة حتى مجيء الملكة بلقيس، كل هذا كان في القرن العاشر قبل الميلاد، لكنها أعادت قومها لعبادة الله ذي السماء، بعد اتصالها بالنبي سليمان عليه السلام.
وللحضارة المصرية باع كبير مع الشمس، يتجلى هذا مع رع أو آمون، فرع هو إله الشمس لدى المصريين القدماء، الإله الرئيسي في الدين المصري القديم، وكان يرمز إليه بقرص الشمس، وقد تمركزت عبادته بداية في مدينة أون، أو هليوبوليس (Heliopolis) كما أسماها اليونانيون. وتعني كلمة أون المصرية مدينة الشمس، وهي تقع اليوم في ضاحية مصر الجديدة بشمال شرق القاهرة.
ولا ننسى في مصر القديمة أخناتون، الملك الفرعوني الذي رفض تعدد الآلهات التي تعبد وجمعها على إله واحد هو آتون، الذي ربطه باسمه اخناتون الذي يعني الروح الحية لآتون، ونقل العاصمة المصرية من طيبة (الأقصر) إلى العاصمة الجديدة التي بناها واسمها أخيتاتون (أفق قرص الشمس) وهي اليوم تل العمارنة في المنيا.
وكلمة شمس العربية مؤنث مجازي، لكن لو أضفنا لها كلمة الدين لصارت مذكر، لأن اسم شمس الدين يُطلق على الرجال؛ فعندنا شمس الدين الذهبي، وهو المؤرخ المعروف صاحب كتاب "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، وشمس الدين ابن قيّم الجوزية، وهو الفقيه الحنبلي المعروف، وشمس الدين القرطبي، وهو المفسر صاحب تفسير الجامع لأحكام القرآن، ولا ننسى شمس الدين الناجي، ابن عاشور الناجي، في ملحمة الحرافيش للراحل نجيب محفوظ. والشيء بالشيء يُذكر، فمن أسماء الشمس في العربية ذُكاء، بضم الذال وفتح الكاف، وكذلك الغزالة.
وسمّاها الشاعر اليمني عبد الله البردوني (بنت السماء) في قصيدة يقول فيها:
أطلّت من الأفق بنت السما مغلّفة بالشعاع الندي/ ووشّت بساط الفضا بالسنا وباللّهب البارد العسجدي
نعم هي بنت السماء، لكن خيراتها على الأرض.
ولا تزال للشمس حكايات لا تنتهي، فهي المراقبة لكل شارد ووارد يحدث تحتها، حتى قيل إن لا جديد تحت الشمس.
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري