رحل الشاب محمد لافي، وفارق الحياة شهيداً، تاركاً خلفه سلّة من الأحلام لأمه وأبيه وأشقائه الصغار بعناقه، حين يداهمهم الشوق على حين غرة، لكن الحزن يبقى بعد أن كان الفرح يفوح بعطره على جدران المنزل.
استشهد لافي (17 عاماً) برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء الجمعة الماضي، أثناء مشاركته في جمعة النفير للأقصى، ببلدة أبوديس جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة، حين استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي الكثيف، وقتل محمد وأصاب عشرات الشبان برصاصه.
شهادتان حصل عليهما محمد، بينهما أيام معدودة، الأولى حين نال مجموع 86 من مائة في الثانوية العامة، والتي على وقعها انتشر الفرح والسعادة في منزله، وبدأت معها الأحلام ومخططات الحياة والدراسة، والثانية حين ارتقى شهيداً ورحل عن الدنيا وترك خلفه ذكريات ترسم معالم الحزن لأحلام ما زالت عالقة.
يقول عمّه محمد لافي لـ"العربي الجديد" إن "رصاصات جنود الاحتلال سرقت روحاً مرحة من الحي الذي يعيش فيه محمد الشهيد، وتركت حزناً يكاد يفتك بكل صديق وقريب عرفه على مدار 17 عاماً تركها خلفه".
"محمد المحبوب" يصفه عمّه، ويضيف "دوماً كنت أحسده على حجم الصداقات التي يتمتع بها، وطبيعة العلاقات الاجتماعية للابن البكر مع الأقارب والجيران، كان يتصرف كالكبير بيننا، لكنه رحل"، من خلال ردة الفعل والحزن والغضب على رحيله يجزم العمّ أن محمد لم يكن مجرد شاب عادي بين رفاقه وكل من يعيش في الحي.
طموح محمد بحسب عمّه، وأحلامه "لم تكن معدودة، فكل فلسطيني يحب الحياة، وكل فلسطيني يرسم بريشته الخاصة كيف يريد أن يعيش بحب وأمان وسلام، لكن جنود الاحتلال عادة ما يلطخون أيديهم بدماء الفلسطينيين، ويفسدون الفرح في لوحاتهم قصيرة العمر".
ويشير العم إلى أن أحد أحلام الشهيد الشاب كادت تتحقق، إذ نال القبول في الكلية العسكرية بمدينة أريحا، كان لديه ميول أن يصبح في جهاز المباحث، لكنه لم يحسم أمره كونه أيضاً يحب المحاسبة وسجل في جامعة القدس في كلية المحاسبة، لكن الطموحين معاً، انتهيا على فوهة بندقية جندي إسرائيلي.
لن يصير عسكرياً، ولا لاعب كرة قدم كما يحب، ولا حتى مدرب كاراتيه، فكل المواهب تلك لن تعود بعد أن استشهد محمد، بل ثمة وجع يفوق الوصف، تركها في الطرقات والأزقة والشوارع التي كانت تعرف روحه جيداً، فذلك الشاب الصغير، كثير الحركة، وكثير المرح، وكثير الحضور في كل مكان يوجد فيه أصدقاؤه.
الحب، طيبة القلب، والعقلية المرحة التي يتمتع بها، تركوا مكاناً في قلب كل من عرفه، إلا أمه التي ما زالت لم تستوعب صدمة رحيله، تلك الأم التي لم توفر جهداً وتعباً وسهراً، إلا وقامت به لخدمة الشهيد أثناء تقديمه امتحان الثانوية العامة.
ثمة صدمة هناك، في بلدة أبوديس، وفي الحي الذي يعيش فيه محمد الراحل، جلّ من عرفه يحاول قدر المستطاع أن يستعيد قواه وسط عاصفة الذكريات التي تركها الشهيد خلفه. وبحسب عمه، ثمة وقت كبير ليستيقظ الجميع من هول صدمة الرحيل، لا سيما الأم والأب.