في الطريق صادفه مستوطن.. شك في الحقيبة وبحاملها قبل أن يتصل بشرطة الاحتلال، التي حضرت على الفور وحاصرت الفتى، وكان عددها يزيد عن عشرين جنديا. أطلقوا النار على الفتى فأردوه قتيلا، وبعد حين جاءت رواية الناطقة بلسان الشرطة الإسرائيلية لتزعم أن "الفتى "الإرهابي!" استل سكينا وحاول أن يطعن أحد الجنود في المكان، فبادره الجنود بالرصاص ولم يُصِب منهم أحدا".
اقرأ أيضا: الشهيد الفلسطيني إيهاب حنني... إصرار على الشهادة
قال أحد أعمامه: "كان بإمكانهم أن يعتقلوه. معتز فتى صغير والسيطرة عليه حتى ولو كان بحوزته سكين أو حتى سيف، ممكنة وسهلة، لكنهم اختاروا الطريق الأسهل عليهم وهو التصفية والقتل". مضيفا: "حين حضر إلينا الجنود، قال أحد الضباط: معتز قتل، فقلنا له أنتم أعدمتموه...".
كانت تلك رواية عائلة الشهيد معتز، التي فجعت بنجلها الفتى الصغير، بينما كان في طريقه إلى المدرسة. في وقت لم يعد الذهاب إلى المدرسة في جبل المكبر أو في بلدات وأحياء القدس المختلفة سهلا. فالحواجز ومكعبات الإسمنت خنقت تلك الأحياء والبلدات، ومعها يختنق البشر حيث باتوا إما يسلكون طرقا وعرة، أو يجتازون طرقا أخرى تحاذي المستوطنات، كما فعل معتز اليوم، حيث ارتقى هناك شهيدا في إحدى طرقاتها.
الرواية التي أصدرتها شرطة الاحتلال فنّدتها عائلة معتز، وأكدت كذبها، وأن ما جرى مع نجلها كان إعداما وتصفية. وزادوا على جريمتهم، كما تقول العائلة، اقتحام منزلها وتخريب محتوياته، ثم اعتقال والديه واثنين من أشقائه واقتيادهما للتحقيق، وترك مذكرات استجواب لأربعة آخرين من أشقاء الشهيد.
في التحقيق، خضعت والدة معتز ووالده للتحقيق والاستجواب. وكما جرى مع عائلات شهداء آخرين ارتقوا في ظروف مشابهة من التصفية والإعدام، سئل أهالي الضحايا عن ضحاياهم، وعن طبيعة أعمالهم، وماذا كانوا يفعلون في اليوم الذي سبق تصفيتهم وقتلهم... وبعض الأمهات تعرضن للتنكيل النفسي، كما حدث مع والدة الفتى الجريح أحد مناصرة من بيت حنينا.
اقرأ أيضا: مستوطن يحاول خلع حجاب شابة فلسطينية ويطلق الرصاص عليها
أحد المحققين، وينطق بالعربية، تعمّد أن يعذب وينكّل بوالدة أحمد قائلا لها: "أحمد مات. قتلناه. حين كذبته، قال لها: بل أحمد مات، قتل". هذا ما روته لـ"العربي الجديد" إحدى قريبات أم أحمد التي انخرطت في بكاء طويل، في وقت كان الضابط وجنوده يعبثون بخزانة أحمد وكتبه، ويدوسون عليها "ببساطيرهم..".
كان معتز طالبا في الصف الحادي عشر في مدرسة سخنين ولما يكمل بعد عامه السادس عشر. مثل معتز جل الشهداء الذين تمت تصفيتهم بالطريقة ذاتها، وبالرواية نفسها.. تشابهوا في الأعمار ولم يتجاوز معظمهم سن الثامنة عشرة.
رحل معتز، وترك خلفه حيا بسكانه الأربعين ألفا محاصرون بالحواجز والمكعبات، وبسحب من الغاز المسيل للدموع.
شهداء اليوم في القدس والخليل تراوحت أعمارهم ما بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة.
فمعتز ابن الخامسة عشرة، وفضل القواسمي من الخليل لم يتجاوز الثامنة عشرة، أما الصبية الصغيرة بيان عسيلي فلم تتعدّ سن السابعة عشرة.
حصاد أعمار لفتية حاولوا عبثا الوصول إلى مدارسهم عبر الحواجز والمكعبات، وعبر الشوارع المغلقة بأوامر عسكرية يستخدمها الجنود والمستوطنون حصريا، ومن يجتازها يُقتل، كما حدث اليوم.
لم يعد ارتقاء الشهداء حصرا على القدس التي ودّعت في غضون أسبوعين نحو عشرة من بنيها وأصيب منهم ومن بناتها العديد.. بل تدحرجت كرة الدم إلى الخليل ومدن أخرى.. في هذه المدن عساكر ومستوطنون حازوا على الترخيص المطلوب للقتل بعد أن تدرعوا وتحصنوا بشتى أنواع السلاح.
اقرأ أيضا: الاحتلال يخنق القدس والأقصى
هل كان للضحية أو قاتلها أن يتوقع غير موجة القتل الحالية لشبان وفتيات بعمر الورد لولا ترخيص السلاح، ولولا الاستعمال الحر والسهل للذخيرة الحية حتى ولو كان القتل اشتباها قبل أن يتحول إلى قتل على الهوية...
في ذروة التحريض والانفلات العنصري، كتبت إحدى المجندات على يدها "كراهية العرب ليست عنصرية. إنها مبدأ". فحظيت في ذلك الوقت بإعجاب أكثر من 20 ألف إسرائيلي. واليوم المجندة ذاتها تحظى بإعجاب أكثر من 40 ألفا..
هل بعد ذلك، يمكن أن يسأل الفلسطيني نفسه: لماذا نقتل كل يوم...؟