10 ابريل 2019
الصادق المهدي بين المعارضة والسلطة
نجح منع زعيم حزب الأمة السوداني المعارض، الصادق المهدي، من دخول مصر، في لفت الأنظار إلى تضعضع مكانة المعارضة السودانية إقليمياً. فخلال إقامته في القاهرة منذ مارس/ آذار الماضي، لم تمنعه السلطات المصرية من السفر والتنقل من عواصم أوروبية وإليها للمشاركة في اجتماعات قوى "نداء السودان"، إلّا أنّه بسبب رفضه طلباً مصرياً بعدم مشاركته في اجتماعات التكتّل نفسه في برلين، منعته من الدخول إلى الأراضي المصرية.
ويتزعم المهدي طائفة الأنصار، إحدى أكبر الطوائف الدينية في السودان، منذ وفاة والده الصديق المهدي عام 1961، فقد تولى إمامة كيان الأنصار وقيادة الجبهة القومية المتحدة. وانتخب رئيساً لوزراء السودان بين عامي 1966 و1967 وعامي 1986 و1989. وهو يترأس تحالف نداء السودان المعارض، والذي يضم أحزاباً سياسية، أبرزها الأمة والمؤتمر السوداني، إلى جانب فصائل مسلحة، الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، والعدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان (جناح مني مناوي)، وتحرير السودان (عبد الواحد نور).
لم يكن هذا هو اللجوء الاختياري الأول للصادق المهدي في مصر، فقد جاءها من قبل حينما ضيّق عليه النظام في الخرطوم الخناق بعد الانقلاب على حكومته الديمقراطية في يوليو/ تموز 1989، وآوت الخرطوم حينها إسلاميين مصريين معارضين نظام حسني مبارك في تسعينيات القرن الماضي. وردا على الخرطوم لإيوائها المعارضة المصرية، وبعد أن وصلت العلاقات بين البلدين إلى أشد حالات السوء، إثر محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995، آوت القاهرة أطياف المعارضة السودانية، بمن فيها الصادق المهدي.
كانت المعارضة تستعطف المجتمع الدولي والإقليمي بترويج أن نظام الخرطوم إسلامي، وأنّ السودان، وليس مصر، هو منبع الإسلام السياسي وحاضنه، ولكن خذلتها الحكومة بالتبرؤ والنأي بنفسها من التيار الإسلامي، وتنكّرها للإسلاميين داخلها. وبهذا، نجح النظام السوداني في أخذ مكان المعارضة في التحالف الإقليمي، ما جعل الخيار أمام مصر واضحاً بأفضلية تعاونها مع نظامٍ يسير على أهوائها، بدلاً من معارضة مشرّدة فقدت الدعم الدولي، وليس لديها ما تقدمه.
ولم يكن نظام عمر البشير ليحصل على هذه المكانة، لولا خضوعه للضغوط الدولية من أجل رفع السودان عن قوائم الدول الراعية للإرهاب. ووفقاً لذلك، قام البلدان بتدبيج اتفاق تعاون لتسليم المعارضين من البلدين، فقد سلّم نظام البشير المتهم في حادث استهداف مدير أمن الإسكندرية، باسم جاد، إلى نظام السيسي. ولم تسلّم مصر الصادق المهدي للخرطوم لأنّ صدى ذلك سيكون كبيراً، ولأنّها ربما تعود للاستفادة منه في مناوراتٍ قادمة مع النظام السوداني، كما يتضح أنّ النظام السوداني ليس حريصاً على وجود المهدي في السودان، وإنّما ألقى بتهديداته له والإيعاز لمصر بإبعاده لزعزعة استقراره، وإيصاله رسالةً بأنّه يمكن أن تكون لتحركاته ردود فعل عنيفة.
وجهت نيابة أمن الدولة في السودان، في إبريل/ نيسان الماضي، عشر دعاوى جنائية ضد المهدي، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، استجابةً لشكوى تقدم بها جهاز الأمن، يتهمه فيها وآخرين بالتعامل والتنسيق مع حركات مسلحة متمردة لإسقاط النظام بالقوة. لم يمنع المهدي تقاسم حزبه السلطة مع الحكومة بوجود نجله عبد الرحمن المهدي في القصر الجمهوري، مساعداً للرئيس البشير، ونجله الآخر في قوات الأمن، من هذا النشاط المعارض المكثّف. وفي هذا، تحاول طائفة الأنصار وبيت آل المهدي التبرير لهذه الازدواجية باستقلال الابنين عن توجهات أبيهما.
على الرغم من نداء الصادق المهدي بالحرية والديمقراطية، إلّا أنّه توسّم خيراً في نظام السيسي الديكتاتوري بأن يكفل له حرية تنقله وممارسة نشاطه السياسي، وأصيب، كما أتباعه، بخيبة أمل، جراء إبعاده من مصر، عبروا عنها بصبّ غضبهم على النظام في السودان. وعلى الرغم من أنّ السلطات السودانية طلبت من مصر إبعاد الصادق المهدي، إلّا أنّ حرص مصر على تقديمها هذه الخدمة للسودان يمكن تفسيره بالنظر إلى تحفظاتها على آراء المهدي المعلنة، بخصوص الحرب في اليمن والتحالف بين مصر وبعض دول الخليج. وجاء هذا التغير في وقتٍ اتخذ فيه التقارب بين نظامي البشير والسيسي أبعاداً جديدة. الأول، سياسي يتضح في سعي نظام السيسي إلى تسوية الأمور مع السودان، لاعتبارات إقليمية، خصوصا مع نجاح السودان في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، ثم دور البشير في توقيع اتفاق السلام
بين الفرقاء الجنوبيين. والبعد الثاني أمني، في إطار تغيير قيادتي جهازي الأمن والمخابرات في البلدين، برجال أشداء مثل صلاح قوش وعباس كامل الذي نشط في جولاته بشأن سدّ النهضة، وجولاته في السودان لحلّ الخلافات العالقة، وإزالة التوتر وفتح صفحة جديدة للعلاقات الأمنية بين البلدين. وثالث الأبعاد اقتصادي، يتمثل في ما أسفرت عنه اتفاقية سلام دولة جنوب السودان من توقيع اتفاقية أنابيب النفط الممتدة إلى السودان الشمالي، وحتى ميناء بشائر في بورتسودان لتصديره.
عبّر كتّاب وصحافيون قريبون من نظام السيسي عن رأيهم أن إبعاد الصادق المهدي خطيئة مصرية، لكنهم لم يوجّهوا أي إدانة للنظام، وذلك ليس لأنّهم يعارضون الموقف الرسمي الذي اتخذه نظامهم، لكنهم يغمزون من قناة عداء المهدي تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والسودان معاً، ومنافسته التاريخية مع صهره اللدود الراحل حسن الترابي. وبتوجّه المهدي إلى الإمارات وتصريحاته للصحف الإماراتية عن علاقات البشير مع قطر وتركيا قد يكون متوقعّاً سيناريو شبيه باحتضان الإمارات رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد شفيق.
قد تبدو هذه من أسوأ الفترات التي تتضعضع فيها قوى المعارضة السودانية، بفقدانها حلفاءها الإقليميين، أما بالنسبة للمهدي فهي بداية النهاية لخسارته مهارة السير على حبلين.
ويتزعم المهدي طائفة الأنصار، إحدى أكبر الطوائف الدينية في السودان، منذ وفاة والده الصديق المهدي عام 1961، فقد تولى إمامة كيان الأنصار وقيادة الجبهة القومية المتحدة. وانتخب رئيساً لوزراء السودان بين عامي 1966 و1967 وعامي 1986 و1989. وهو يترأس تحالف نداء السودان المعارض، والذي يضم أحزاباً سياسية، أبرزها الأمة والمؤتمر السوداني، إلى جانب فصائل مسلحة، الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، والعدل والمساواة برئاسة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان (جناح مني مناوي)، وتحرير السودان (عبد الواحد نور).
لم يكن هذا هو اللجوء الاختياري الأول للصادق المهدي في مصر، فقد جاءها من قبل حينما ضيّق عليه النظام في الخرطوم الخناق بعد الانقلاب على حكومته الديمقراطية في يوليو/ تموز 1989، وآوت الخرطوم حينها إسلاميين مصريين معارضين نظام حسني مبارك في تسعينيات القرن الماضي. وردا على الخرطوم لإيوائها المعارضة المصرية، وبعد أن وصلت العلاقات بين البلدين إلى أشد حالات السوء، إثر محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995، آوت القاهرة أطياف المعارضة السودانية، بمن فيها الصادق المهدي.
كانت المعارضة تستعطف المجتمع الدولي والإقليمي بترويج أن نظام الخرطوم إسلامي، وأنّ السودان، وليس مصر، هو منبع الإسلام السياسي وحاضنه، ولكن خذلتها الحكومة بالتبرؤ والنأي بنفسها من التيار الإسلامي، وتنكّرها للإسلاميين داخلها. وبهذا، نجح النظام السوداني في أخذ مكان المعارضة في التحالف الإقليمي، ما جعل الخيار أمام مصر واضحاً بأفضلية تعاونها مع نظامٍ يسير على أهوائها، بدلاً من معارضة مشرّدة فقدت الدعم الدولي، وليس لديها ما تقدمه.
ولم يكن نظام عمر البشير ليحصل على هذه المكانة، لولا خضوعه للضغوط الدولية من أجل رفع السودان عن قوائم الدول الراعية للإرهاب. ووفقاً لذلك، قام البلدان بتدبيج اتفاق تعاون لتسليم المعارضين من البلدين، فقد سلّم نظام البشير المتهم في حادث استهداف مدير أمن الإسكندرية، باسم جاد، إلى نظام السيسي. ولم تسلّم مصر الصادق المهدي للخرطوم لأنّ صدى ذلك سيكون كبيراً، ولأنّها ربما تعود للاستفادة منه في مناوراتٍ قادمة مع النظام السوداني، كما يتضح أنّ النظام السوداني ليس حريصاً على وجود المهدي في السودان، وإنّما ألقى بتهديداته له والإيعاز لمصر بإبعاده لزعزعة استقراره، وإيصاله رسالةً بأنّه يمكن أن تكون لتحركاته ردود فعل عنيفة.
وجهت نيابة أمن الدولة في السودان، في إبريل/ نيسان الماضي، عشر دعاوى جنائية ضد المهدي، تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام، استجابةً لشكوى تقدم بها جهاز الأمن، يتهمه فيها وآخرين بالتعامل والتنسيق مع حركات مسلحة متمردة لإسقاط النظام بالقوة. لم يمنع المهدي تقاسم حزبه السلطة مع الحكومة بوجود نجله عبد الرحمن المهدي في القصر الجمهوري، مساعداً للرئيس البشير، ونجله الآخر في قوات الأمن، من هذا النشاط المعارض المكثّف. وفي هذا، تحاول طائفة الأنصار وبيت آل المهدي التبرير لهذه الازدواجية باستقلال الابنين عن توجهات أبيهما.
على الرغم من نداء الصادق المهدي بالحرية والديمقراطية، إلّا أنّه توسّم خيراً في نظام السيسي الديكتاتوري بأن يكفل له حرية تنقله وممارسة نشاطه السياسي، وأصيب، كما أتباعه، بخيبة أمل، جراء إبعاده من مصر، عبروا عنها بصبّ غضبهم على النظام في السودان. وعلى الرغم من أنّ السلطات السودانية طلبت من مصر إبعاد الصادق المهدي، إلّا أنّ حرص مصر على تقديمها هذه الخدمة للسودان يمكن تفسيره بالنظر إلى تحفظاتها على آراء المهدي المعلنة، بخصوص الحرب في اليمن والتحالف بين مصر وبعض دول الخليج. وجاء هذا التغير في وقتٍ اتخذ فيه التقارب بين نظامي البشير والسيسي أبعاداً جديدة. الأول، سياسي يتضح في سعي نظام السيسي إلى تسوية الأمور مع السودان، لاعتبارات إقليمية، خصوصا مع نجاح السودان في مكافحة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر، ثم دور البشير في توقيع اتفاق السلام
عبّر كتّاب وصحافيون قريبون من نظام السيسي عن رأيهم أن إبعاد الصادق المهدي خطيئة مصرية، لكنهم لم يوجّهوا أي إدانة للنظام، وذلك ليس لأنّهم يعارضون الموقف الرسمي الذي اتخذه نظامهم، لكنهم يغمزون من قناة عداء المهدي تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والسودان معاً، ومنافسته التاريخية مع صهره اللدود الراحل حسن الترابي. وبتوجّه المهدي إلى الإمارات وتصريحاته للصحف الإماراتية عن علاقات البشير مع قطر وتركيا قد يكون متوقعّاً سيناريو شبيه باحتضان الإمارات رئيس وزراء مصر الأسبق أحمد شفيق.
قد تبدو هذه من أسوأ الفترات التي تتضعضع فيها قوى المعارضة السودانية، بفقدانها حلفاءها الإقليميين، أما بالنسبة للمهدي فهي بداية النهاية لخسارته مهارة السير على حبلين.