أبرزت الصحف الإسرائيلية، في تعليقاتها وتحليلاتها لتداعيات الاتفاق الدولي مع إيران، جملةً من "الأساسيات" التي ينبغي التطرق إليها من الآن فصاعداً في سياق الخريطة السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، معتبرةً أن اتفاق الأمس أسفر عن ولادة دولة إقليمية معترف بها دوليا، كشريك وجزء من الحل، أكثر مما هي جزء من المشكلة.
الاتفاق، بحسب الصحف الإسرائيلية، يؤكد في واقع الحال أن النظرة إلى إيران عالمياً، وربما بالأساس أيضاً أميركياً، باتت مغايرة كلياً لما قبل الاتفاق، الذي يعكس التعامل مع إيران بالندية التي لم تحلم بها من قبل، وبالمساواة التامة مع ما يترتب على ذلك مستقبلاً في ترتيب أوضاع المنطقة وصراعاتها وأزماتها.
لكن الصحف الإسرائيلية، وإن كانت قد أجمعت، كما هو الحال في مقالات محللين مثل عاموس هرئيل وتسفي برئيل في "هآرتس"، أو أليكس فيشمان في "يديعوت أحرونوت"، على أن الاتفاق بات حقيقة ناجزة، وأنه يشكل تحدياً كبيراً لإسرائيل، إلا أنها رأت أنّ الاتفاق على مساوئه ليس كارثياً لأمن إسرائيل، خلافاً لتصريحات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي حاول رسم صورة تظهر الاتفاق بأنه يشكل خطراً وجوديّاً على إسرائيل.
وبحسب ما رصد ناحوم برنيع، لم يتطرق الاتفاق، ولو بكلمة واحدة، إلى إسرائيل. في المقابل وكما كان متوقعا، كانت صحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، والتي يمولها الثري الأميركي، شلدون إيدلسون، الوحيدة التي تبنت بشكل تام النظرة أو الرواية السوداوية لنتنياهو. اعتبر مراسلها، بوعز بيسمونت، مثلا، أن الاتفاق وصمة عار على المجتمع الدولي والغربي، فيما ذهب، دان مرجليت، إلى القول إنّ أوباما حوّل إيران إلى دولة عظمى.
إلى ذلك، وفي سياق تصريحات نتنياهو عن العمل لإفشال الاتفاق، ذهب بن درور يميني، في "يديعوت أحرونوت"، إلى الإعلان مسبقاً أن أية معركة لتعطيل الاتفاق ومنع إقراره في الكونغرس الأميركي، هي عملياً معركة خاسرة. ويتفق حامي شاليف، مراسل الشؤون الأميركية في "هآرتس"، هو الآخر، مع بن درور يميني، بأن الاتفاق بات حقيقة ناجزة ولا مجال للتهرب منه أو لتعطيله.
أما في يخص الخطوات الإسرائيلية القادمة، على ضوء التحديات التي يفرضها الاتفاق مع إيران، فإن الاتجاه العام في الصحافة الإسرائيلية، يدعو حكومة نتنياهو إلى ضرورة اتباع خط مغاير في التعامل مع إدارة أوباما، والسعي نحو تحسين العلاقات بين نتنياهو وبين أوباما، على المستوى الشخصي، إلى جانب العمل على بناء علاقات عمل بناءة بين تل أبيب والبيت الأبيض، والسعي إلى انتزاع مساعدات عسكرية ومالية، تمكّن إسرائيل من مواجهة تحديات المرحلة القادمة.
إيران دولة عظمى
لعل أبرز ما جاء، في قراءة المحللين الإسرائيليين للاتفاق، هو إجماعهم على أن إيران باتت دولة عظمى، أو على الأقل قوة إقليمية عظمى بشرعية كاملة من الغرب والولايات المتحدة، فقد اعتبر دان مرجليت، في صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، أن الولايات المتحدة قد باعت عملياً "حلفاءها في المنطقة"، وأنه سيكون على الدول العربية إذا أرادت البقاء أن تسعى إما للحصول على مظلة حماية أميركية، أو ربما السعي إلى الوصول لسلاح نووي، مستذكراً أن باكستان تمكنت من تطوير قنبلتها النووية بفضل التمويل السعودي.
وبحسب مرجليت، فإن الوضع الجديد يحتم على إسرائيل ومصر والأردن والسعودية ودول الخليج، مأسسة التعاون الأمني بينها من أجل وقف إيران وصدها.
وفي "هآرتس"، اعتبر محلل الشؤون العربية، تسفي برئيل، أن أهم ما مثله الاتفاق هو التعامل، على مدار المفاوضات، مع إيران كدولة مساوية للدول المتفاوضة معها وبندية واضحة، تستوجب برأيه طرح تساؤلات عن التداعيات المستقبلية، وهل يشكل الاتفاق مقدمة لقبول إيران شريكاً شرعيّاً في المنظومة الإقليمية والدولية.
ولفت إلى قدرة إيران على توظيف الخلاف بين إدارة أوباما وبين إسرائيل لصالحها، وأبرز برئيل حقيقة أن ما أنجزته إيران، من خلال الاتفاق، من تكريس مكانتها الإقليمية، ما كان لها أن تنجزه من خلال تطوير قدرات نووية بدون الاتفاق.
المعركة الخاسرة
وفي سياق تصريحات نتنياهو بشأن المضي قدما من أجل إفشال الاتفاق، أجمع المحللون في إسرائيل على أن فرص ذلك ضعيفة للغاية، بل إن المحلل العسكري في "هآرتس" يضيف مثلا أن الخيار العسكري في هذا المضمار لم يعد قائماً تقريباً، على الأقل ليس من قبل الولايات المتحدة، أولاً وثانياً لأنه لا يمكن اللجوء إلى هذا الخيار بدون عمليات برية .
في المقابل، يرى حامي شاليف المختص بالشؤون الأميركية في "هآرتس"، أنه ليس هناك ما يمكن لنتنياهو أو الكونغرس الأميركي أن يقوما به لإفشال هذا الاتفاق، فالولايات المتحدة لن تقبل بأن تخرج نفسها من المجتمع الدولي، ولن تتنصل من الاتفاق الذي وقعت عليه، ولن يكون من شأن النقاش الداخلي الذي سيستعر في الولايات المتحدة، وتكون إسرائيل في قلبه أن يغير من الواقع شيئا سوى أن يعزز الشعور بأن إسرائيل معزولة عن باقي الأمم.
ويرى بن درور يميني في "يديعوت أحرونوت"، في هذا السياق، أن النهج الذي يسير فيه نتنياهو، وقد سبق أن فشل في تحقيق الهدف المنشود، بالرغم من الصدام مع إدارة أوباما، لن يحقق شيئا بل سيزيد من عمق الأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لا تزال لغاية الآن رغم أخطائها أهم حليف لإسرائيل، كما أن العلاقات معها هي كنز استراتيجي لإسرائيل.
اقرأ أيضاً: رواية المفاوضات النووية:
تنازلات الساعات الأخيرة ومطالب السنوات الأولى