20 أكتوبر 2019
الصداقة والصديق
أعتذر من العلاّمة أبو حيان التوحيدي على استعارة عنوان مقالي من كتابه المشهور الصداقة والصديق، فلا أحد على وجه هذه البسيطة يمكنه أن يحيا بدون صديق أو زميل يتقاسم معه الأيام والأعوام، سواء أكانت هذه الصداقة صفيّة نقيّة أو تشوبها شائبة ما، لا سيما حاليا حيث صارت المنفعة والمصلحة من بين الأساسيات لخلق صداقة أو صُحبة، ففي الزمن الدّابر كانت هناك صداقات حقيقية (لا) يُرجى منها سوى المودّة والعِشرة بين الأصدقاء والأخلّاء.
فالصداقة علاقة تبادلية بين الأنا والغير، كما جاء على لسان أفلاطونيٍّ مبين، لكن هذه العلاقة صار بها شرخٌ شاسع وتغيرت إلى حدٍّ كبير، فالصديق لم يعد كما كان، فالأنانية والمكرُ والتّماري والنفاق وهلمّ شرّا أصبحوا ديدنا لا مناص منه..، فأن تجد صديقاً صدوقاً في هذا الزمن الآني هو بمثابة البحث عن إبرة في كومة تبن، لأنّ التغيرات الأخلاقية التي طرأت على الكائن البشري جعلته يتحوّل من كائن وديع إلى كائن خسّيس ومكروه، نحنُ لا نعمّم طبعا، لكن السواد الأعظم لم تعد تشكّل لهم الصداقة شيئا أخلاقيا، لهذا أضحى بعضهم يعتزل الجميع ويفضّل قضاء أوقاته بعيدا عن النّاس عسى أن يتقي شرّهم، فالغير أو الآخر لم يعد محطّ ثقة وأمان، فكما قال صاحب الوجودية جان بول سارتر إنّ الجحيم هو الآخرون.
هناك صديق الطفولة والمدرسة والعمل والرياضة، وهناك أيضا صديق السفر الذي تنتهي علاقته بمجرد انتهاء الرحلة أو قد تستمر هذه العلاقة، في المجتمعات الغربية هناك صديق العائلة وحتى مجتمعاتنا العربية صارت تتوفر على هذا الصديق.
لكن ما يبقى في الذاكرة هو زميل الصِّغر والصبا بحيث لا توجد أية علاقة منفعية وراء ذلك فهنا الصداقة من أجل الصداقة فقط، لكنَّ الظروف والأحوال قد تُغيّر حتى أولئك الأصدقاء الذين لم نظنّهم يوما بأنهم ستأخذهم العزّة بالنفور والتجاهل، وصار التواصل بيننا وبينهم ضنينا وبخيلا، ومستقبلا سيعودون غرباء ودخلاء، وهذا الجفاء في الصداقة مردّه أن الإنسان يرغب في الانطواء والتقوقع على نفسه أو أنه ربما قد يترقّى طبقيا، لذلك صار لا يقبل إلا بمن هو في منزلته ومكانته، بقدرما يريد فسح المجال أمام ربط جسور التواصل والترابط بين أترابه وأقرانه بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية.
العجيب في زماننا هذا أنه رغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي على وفرتها وغزارتها لا يوجد ذلك الود الحقيقي للصداقة، فقد تجد صديقا ظاهرا لك على قائمة المباشر بموقعٍ تواصليٍّ أو تطبيقٍ تراسلي ولا يقرأ عليك حتى السلام، لأن له شأناً يغنيه، وحين تكون له حاجة فيك، عندها يشرع في التواصل الفوري معك، والويل إذا لم تتواصل معه على وجه السرعة، فسيمتعض عليك وينفجر غاضبا منك، كأنك أنتَ لا تفعل شيئا سوى انتظار رسائله الإلكترونية التي تأتيك ببخل مادر.
مهما يكن من أمر، فالصداقة هي شيء نبيل وسامٍ، ولكن ما جعلنا في بعض الأحايين نكفرُ بها هو المواقف السلبية التي تنبع من بعض "الأصدقاء"، خصوصا عند الضيق والشدائد، إذ يجعلنا هذا نضرب بالصداقة والصديق سويّاً عرض الحائط، ممّا يترك في نفوسنا نوعاً من الشك في هذه الثنائية القديمة، فكما قال الحكيم أرسطو أيها الأصدقاء ليس هناك صديق، فقبل كل شيء ينبغي أن نثق بأنّه لا صديق، ولا من يتشبه بالصديق، هكذا قال التوحيدي أيضا.
فالصداقة علاقة تبادلية بين الأنا والغير، كما جاء على لسان أفلاطونيٍّ مبين، لكن هذه العلاقة صار بها شرخٌ شاسع وتغيرت إلى حدٍّ كبير، فالصديق لم يعد كما كان، فالأنانية والمكرُ والتّماري والنفاق وهلمّ شرّا أصبحوا ديدنا لا مناص منه..، فأن تجد صديقاً صدوقاً في هذا الزمن الآني هو بمثابة البحث عن إبرة في كومة تبن، لأنّ التغيرات الأخلاقية التي طرأت على الكائن البشري جعلته يتحوّل من كائن وديع إلى كائن خسّيس ومكروه، نحنُ لا نعمّم طبعا، لكن السواد الأعظم لم تعد تشكّل لهم الصداقة شيئا أخلاقيا، لهذا أضحى بعضهم يعتزل الجميع ويفضّل قضاء أوقاته بعيدا عن النّاس عسى أن يتقي شرّهم، فالغير أو الآخر لم يعد محطّ ثقة وأمان، فكما قال صاحب الوجودية جان بول سارتر إنّ الجحيم هو الآخرون.
هناك صديق الطفولة والمدرسة والعمل والرياضة، وهناك أيضا صديق السفر الذي تنتهي علاقته بمجرد انتهاء الرحلة أو قد تستمر هذه العلاقة، في المجتمعات الغربية هناك صديق العائلة وحتى مجتمعاتنا العربية صارت تتوفر على هذا الصديق.
لكن ما يبقى في الذاكرة هو زميل الصِّغر والصبا بحيث لا توجد أية علاقة منفعية وراء ذلك فهنا الصداقة من أجل الصداقة فقط، لكنَّ الظروف والأحوال قد تُغيّر حتى أولئك الأصدقاء الذين لم نظنّهم يوما بأنهم ستأخذهم العزّة بالنفور والتجاهل، وصار التواصل بيننا وبينهم ضنينا وبخيلا، ومستقبلا سيعودون غرباء ودخلاء، وهذا الجفاء في الصداقة مردّه أن الإنسان يرغب في الانطواء والتقوقع على نفسه أو أنه ربما قد يترقّى طبقيا، لذلك صار لا يقبل إلا بمن هو في منزلته ومكانته، بقدرما يريد فسح المجال أمام ربط جسور التواصل والترابط بين أترابه وأقرانه بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية.
العجيب في زماننا هذا أنه رغم وجود وسائل التواصل الاجتماعي التي على وفرتها وغزارتها لا يوجد ذلك الود الحقيقي للصداقة، فقد تجد صديقا ظاهرا لك على قائمة المباشر بموقعٍ تواصليٍّ أو تطبيقٍ تراسلي ولا يقرأ عليك حتى السلام، لأن له شأناً يغنيه، وحين تكون له حاجة فيك، عندها يشرع في التواصل الفوري معك، والويل إذا لم تتواصل معه على وجه السرعة، فسيمتعض عليك وينفجر غاضبا منك، كأنك أنتَ لا تفعل شيئا سوى انتظار رسائله الإلكترونية التي تأتيك ببخل مادر.
مهما يكن من أمر، فالصداقة هي شيء نبيل وسامٍ، ولكن ما جعلنا في بعض الأحايين نكفرُ بها هو المواقف السلبية التي تنبع من بعض "الأصدقاء"، خصوصا عند الضيق والشدائد، إذ يجعلنا هذا نضرب بالصداقة والصديق سويّاً عرض الحائط، ممّا يترك في نفوسنا نوعاً من الشك في هذه الثنائية القديمة، فكما قال الحكيم أرسطو أيها الأصدقاء ليس هناك صديق، فقبل كل شيء ينبغي أن نثق بأنّه لا صديق، ولا من يتشبه بالصديق، هكذا قال التوحيدي أيضا.