04 نوفمبر 2024
الصراع على سورية التي لا نعرفها
تؤكّد من جديد مجريات التفاوض بين النظام السوري والمعارضة في جنيف أنها مجرّد جلساتٍ غايتها صورة إعلامية تزيح الكاميرا عن المكان الحقيقي الذي يجري فيه التنازع بين الأطراف الدولية والإقليمية، في ملفاتٍ كثيرة، تستخدم فيها الحرب السورية أداة ضغط لتعزيز المكانة والنفوذ داخل سورية.
لم يعد الصراع في سورية فقط بين السلطة والمعارضة، أو بين النظام وأغلبية السوريين، بعد أن أضحى الصراع "على سورية" يسبق مسألة "الصراع في سورية" ويغلبها، إذ صار اللاعبون الخارجيون أكثر تقريرا بمصير الصراع السوري من الفاعلين الداخليين؛ أي النظام والمعارضة بكل تلاوينها وأشكالها. أكثر من ذلك، أصبح الفاعلون الداخليون مجرّد أدوات ضغط بيد الخارج، وباتوا، في نظر بعض أطياف المعارضة، بمثابة عبء على الثورة وسلاح ضدها وليس معها.
وقد كنا شهدنا، خلال السنوات الماضية، انزياحات لأدوار دول وتقدم لأخرى، وما ذلك إلا بدفعٍ من القوة الأكثر تأثيراً لتوريط هذه الدول، وجعلها في مواجهة بعضها بعضاً، داخل المساحة السورية. وعلى هذا، يمكن ملاحظة عدة متغيرات في الصراع الدولي والإقليمي على سورية:
أولاً، دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الصراع المباشر بأدوات عسكرية على الأرض السورية، حيث توجد قواتها، لا سيما في شمال سورية وشرقها. وبهذا، نجد أن الولايات المتحدة تعيد، في كل مرة، جدولة الأولويات، حسب ما يتفق والدور الذي ترغب به، موضحةً بذلك أنها ستبقى اللاعب الأساسي الذي يقرّر تموضعات بقية اللاعبين، بل وحصصهم داخل الملفات، أو حتى خارجها، وهي بذلك لا تمارس دورها باعتبارها "ضمير العالم"، حسب تصريح مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة، بل تمارس دورها العسكري في قيادة العالم، حيث رغباتها ومصالحها؛ بما فيها مصالح إسرائيل المعنية بحمايتها مباشرة.
ثانياً، إعلان تركيا وقف عملية "درع الفرات" التي بدأتها أواخر العام الماضي، بعد استنفاد
أغراضها، حسب تصريحها، ولا سيما بخصوص الحؤول دون قيام منطقة حكم ذاتي كردية غرب الفرات. وعلى الأرجح، كان هذا القرار تعبيراً عن تفاهمات دولية جديدة، تعيد صياغة حجم الأدوار المسموح بها لكل الأطراف حدودياً أو داخل الأراضي السورية.
ثالثاً، فشل روسيا بفرض حل من طرف واحد من دون العودة إلى الإدارة الأميركية، على الرغم من الاتفاقات الروسية التركية الإيرانية، وهو ما استوجب تعطيل مفاوضات أستانة منتصف شهر مارس/ آذار، ولاحقاً حالة الجمود في مفاوضات جنيف 5.
رابعاً، تبلور نوع من توافق دولي وإقليمي على تحجيم دور إيران في العراق وسورية، علما أن هذا التوافق ينسجم مع طموح روسيا بالاستفراد بتقرير مصير سورية، باعتبارها منطقة نفوذ روسية.
ووفقاً لما تقدّم، إننا أمام خريطة حل جديدة، ربما تستغرق وقتاً أطول في استمرار الصراع لتصفية نفوذ الأطراف، وليس لتقوية طرفٍ على حساب آخر، كما يتصور بعض النظام، أو بعض المعارضة المسلحة، كما يجري الآن في هذه المعركة أو تلك. وقد أثبتت الأحداث، منذ معركة حلب وحتى معركة دمشق (أخيرا)، أن الانتصارات والهزائم تتساوى في معادلات الصراع الذي تم تدويله، واستخدمت الأطراف المحلية (نظام ومعارضة) فيه وقوداً في معركة التحاصص الدولية والإقليمية.
ومن المؤسف أن "المعركة" التفاوضية الحاصلة في جنيف أيضاً هي مجرد استمرار لعملية التدويل الجارية. لذا، ليست حصّة المعارضة السياسية فيها أوفر حظاً من حصة رديفتها العسكرية، حيث المنصات، بكل مسمياتها، تحولت أيضاً أدوات، كما الفصائل تميل حيث يميل هوى الداعمين الدوليين والإقليميين، وهو الآن، حسب المعطيات، ليس بصدد إنتاج حلّ، بقدر ما هو بصدد إنتاج توافق تتحاصص به الدول المعنية، على كل الملفات، من أوكرانيا إلى ملف الغاز مروراً بأمن إسرائيل وترتيبات السلام الشاملة في المنطقة، وصولا إلى الملف الأكثر سخونةً، وهو ملف إعادة الإعمار في سورية. ويذكر أن هذه هي "السلة الخامسة" التي لوح بها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، أخيرا، ولعلها السلة الوحيدة التي يمكنها إنتاج حل يمهد لوقف المقتلة السورية الجسدية، لتبدأ بعدها حفلة التهام الجسد الاقتصادي السوري المستقبلي.
على أي حال، علمتنا السنوات الست الماضية أنه ما من ثابتٍ في العلاقات الدولية إلا المصلحة
الاقتصادية، المتغيرة هي أيضاً باستمرار. ولهذا، من المبكّر معرفة طبيعة الأدوار الجديدة المنوطة بكل دولة، والتي تتقارب أو تتباعد مع مصلحة الدولة الراعية لتوزيع الأدوار والغنائم، وحتى توزيع الصراعات في المنطقة، تماشيا مع منطق أن تبقى إسرائيل آمنة، وما يجاورها دولٌ تتصارع حول حقها في الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية، وإعادة استكشاف الوسائل التي تمكن مواطنيها من سد رمق الحياة ليس أكثر، لعقود قادمة تتغير في أثنائها الأولويات، كما تموضع الدول الشقيقة والصديقة والعدوة.
وتبقى روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، ومعهم الولايات المتحدة، تشد كل منهم الحبال وترخيها في الصراع على سورية، بينما تتحقق الفرصة المتاحة لرسم خريطة حل، ليست هي ما خرج الشعب السوري منادياً بها، وليست سورية القادمة هي سورية التي عمل عليها النظام، تدميراً وتمزيقاً أرضاً وشعباً، كما أنها ليست سورية التي يحاول كل من المعارضة والنظام الإمساك بمقاليد حكمها، وإن توهما ذلك، فهذا صراع على سورية التي لا نعرفها.
لم يعد الصراع في سورية فقط بين السلطة والمعارضة، أو بين النظام وأغلبية السوريين، بعد أن أضحى الصراع "على سورية" يسبق مسألة "الصراع في سورية" ويغلبها، إذ صار اللاعبون الخارجيون أكثر تقريرا بمصير الصراع السوري من الفاعلين الداخليين؛ أي النظام والمعارضة بكل تلاوينها وأشكالها. أكثر من ذلك، أصبح الفاعلون الداخليون مجرّد أدوات ضغط بيد الخارج، وباتوا، في نظر بعض أطياف المعارضة، بمثابة عبء على الثورة وسلاح ضدها وليس معها.
وقد كنا شهدنا، خلال السنوات الماضية، انزياحات لأدوار دول وتقدم لأخرى، وما ذلك إلا بدفعٍ من القوة الأكثر تأثيراً لتوريط هذه الدول، وجعلها في مواجهة بعضها بعضاً، داخل المساحة السورية. وعلى هذا، يمكن ملاحظة عدة متغيرات في الصراع الدولي والإقليمي على سورية:
أولاً، دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الصراع المباشر بأدوات عسكرية على الأرض السورية، حيث توجد قواتها، لا سيما في شمال سورية وشرقها. وبهذا، نجد أن الولايات المتحدة تعيد، في كل مرة، جدولة الأولويات، حسب ما يتفق والدور الذي ترغب به، موضحةً بذلك أنها ستبقى اللاعب الأساسي الذي يقرّر تموضعات بقية اللاعبين، بل وحصصهم داخل الملفات، أو حتى خارجها، وهي بذلك لا تمارس دورها باعتبارها "ضمير العالم"، حسب تصريح مندوبتها الدائمة في الأمم المتحدة، بل تمارس دورها العسكري في قيادة العالم، حيث رغباتها ومصالحها؛ بما فيها مصالح إسرائيل المعنية بحمايتها مباشرة.
ثانياً، إعلان تركيا وقف عملية "درع الفرات" التي بدأتها أواخر العام الماضي، بعد استنفاد
ثالثاً، فشل روسيا بفرض حل من طرف واحد من دون العودة إلى الإدارة الأميركية، على الرغم من الاتفاقات الروسية التركية الإيرانية، وهو ما استوجب تعطيل مفاوضات أستانة منتصف شهر مارس/ آذار، ولاحقاً حالة الجمود في مفاوضات جنيف 5.
رابعاً، تبلور نوع من توافق دولي وإقليمي على تحجيم دور إيران في العراق وسورية، علما أن هذا التوافق ينسجم مع طموح روسيا بالاستفراد بتقرير مصير سورية، باعتبارها منطقة نفوذ روسية.
ووفقاً لما تقدّم، إننا أمام خريطة حل جديدة، ربما تستغرق وقتاً أطول في استمرار الصراع لتصفية نفوذ الأطراف، وليس لتقوية طرفٍ على حساب آخر، كما يتصور بعض النظام، أو بعض المعارضة المسلحة، كما يجري الآن في هذه المعركة أو تلك. وقد أثبتت الأحداث، منذ معركة حلب وحتى معركة دمشق (أخيرا)، أن الانتصارات والهزائم تتساوى في معادلات الصراع الذي تم تدويله، واستخدمت الأطراف المحلية (نظام ومعارضة) فيه وقوداً في معركة التحاصص الدولية والإقليمية.
ومن المؤسف أن "المعركة" التفاوضية الحاصلة في جنيف أيضاً هي مجرد استمرار لعملية التدويل الجارية. لذا، ليست حصّة المعارضة السياسية فيها أوفر حظاً من حصة رديفتها العسكرية، حيث المنصات، بكل مسمياتها، تحولت أيضاً أدوات، كما الفصائل تميل حيث يميل هوى الداعمين الدوليين والإقليميين، وهو الآن، حسب المعطيات، ليس بصدد إنتاج حلّ، بقدر ما هو بصدد إنتاج توافق تتحاصص به الدول المعنية، على كل الملفات، من أوكرانيا إلى ملف الغاز مروراً بأمن إسرائيل وترتيبات السلام الشاملة في المنطقة، وصولا إلى الملف الأكثر سخونةً، وهو ملف إعادة الإعمار في سورية. ويذكر أن هذه هي "السلة الخامسة" التي لوح بها مبعوث الأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، أخيرا، ولعلها السلة الوحيدة التي يمكنها إنتاج حل يمهد لوقف المقتلة السورية الجسدية، لتبدأ بعدها حفلة التهام الجسد الاقتصادي السوري المستقبلي.
على أي حال، علمتنا السنوات الست الماضية أنه ما من ثابتٍ في العلاقات الدولية إلا المصلحة
وتبقى روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، ومعهم الولايات المتحدة، تشد كل منهم الحبال وترخيها في الصراع على سورية، بينما تتحقق الفرصة المتاحة لرسم خريطة حل، ليست هي ما خرج الشعب السوري منادياً بها، وليست سورية القادمة هي سورية التي عمل عليها النظام، تدميراً وتمزيقاً أرضاً وشعباً، كما أنها ليست سورية التي يحاول كل من المعارضة والنظام الإمساك بمقاليد حكمها، وإن توهما ذلك، فهذا صراع على سورية التي لا نعرفها.