الصراع يحتدم على دير الزور...والنظام السوري يتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية
بدأ الصراع على مدينة دير الزور وريفها يتجه إلى مزيد من التأزيم والتعقيد، بعد أن عبرت قوات النظام السوري نهر الفرات، في تحدٍ جديد للتحالف الدولي، وتجاوز مباشر لخطوط حمراء أميركية، وهو ما يؤكد هشاشة التفاهمات الروسية الأميركية حيال دير الزور وعدم جديتها، ويبرز نيّة قوات النظام المضي في معركة دير الزور، مستفيدة من تفوقها العسكري على قوات، يدعمها التحالف الدولي، تحاول التقدم باتجاه دير الزور. وفيما تتقدم قوات النظام، المدعومة من الروس، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والتي يشكّل الأكراد الثقل الرئيسي فيها والمدعومة من التحالف الدولي، باتجاه دير الزور، يحاول تيار سياسي التأكيد على أن للعرب، وهم الأغلبية المطلقة في دير الزور والرقة، الحق في صناعة الحدث في شرق سورية، ولذلك دعا إلى ملتقى للقبائل العربية في المنطقة الشرقية، من المتوقع أن تصدر عنه مواقف غاضبة حيال تغييب العرب عن معركة دير الزور.
وأعلنت قوات النظام، أول من أمس، أنها عبرت نهر الفرات من قرية الجفرة باتجاه حويجة صكر، مشيرة إلى أنها تخوض معارك عنيفة مع مسلحي تنظيم "داعش"، إلا أن مصادر محلية أكدت، لـ"العربي الجديد"، أن التنظيم استطاع رد قوات النظام إلى مواقعها في مطار دير الزور العسكري، إثر هجوم وصفته بـ "المباغت". من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تنظيم "داعش" نفذ عملية انتحارية استهدف خلالها المجموعة المتقدمة من قوات النظام، والتي عبرت نهر الفرات إلى الضفاف الشرقية للمدينة، مشيراً إلى أن الانتحاري "استهدف القوات المتقدمة في محور مراط، الأمر الذي أسفر عن قتلى وجرحى في صفوف قوات النظام". وأشار "المرصد" إلى أن قوات النظام وسعت نطاق سيطرتها في مدينة دير الزور، لتصل إلى نحو 74 في المائة من مساحة المدينة، موضحاً أن هذه القوات "تستعد لعملية عسكرية لإجبار التنظيم على الانسحاب من المدينة". وتفرض قوات النظام سيطرتها على أحياء جمعية الزهور، والجورة، والقصور، وجزء من حيي الرشدية والحويقة، وأجزاء من الجبيلة والموظفين، وأجزاء من حي الرصافة في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة، فيما لا يزال التنظيم يسيطر على أحياء الصناعة، والحميدية، والعمال، والمطار القديم والعرفي، وهرابش، والطحطوح. وكانت قوات النظام ومليشيات تساندها قد سيطرت، الأحد الماضي، على قرية الجفرة وتل الحجيف في الضفة الجنوبية للنهر، موسعة "دائرة الأمان" في محيط مطار دير الزور العسكري، إذ تعتبر القرية خط الدفاع الأول عن المطار من الجهة الشمالية.
ويعد عبور قوات النظام لنهر الفرات خلطاً كبيراً لأوراق "اللعبة" في دير الزور، وتحدياً واضحاً لتحذيرات التحالف الدولي من الإقدام على هذه الخطوة التي تهدد "قوات سورية الديمقراطية"، المدعومة من واشنطن، في الضفة الأخرى من النهر. وتجاوزت قوات النظام مرة أخرى الخطوط الحمراء الأميركية في شرق سورية، في مؤشر على أن الصراع على محافظة دير الزور يتصاعد، ما قد يؤدي إلى صدام بين هذه القوات و"قسد"، في حال تقدم الأخيرة أكثر باتجاه الضفة الشمالية من نهر الفرات. وكانت تحليلات مراقبين قد أشارت إلى أن هناك تفاهماً غير معلن بين موسكو وواشنطن على تحديد نقاط السيطرة والنفوذ في المحافظة، بحيث يتم إطلاق يد النظام وحلفائه في جنوب (غرب) النهر، وهي المنطقة التي يطلق عليها السكان المحليون تسمية "الشامية"، فيما تسيطر "سورية الديمقراطية" على منطقة "الجزيرة" شمال (شرق) نهر الفرات.
لكن عبور قوات النظام النهر، رغم فشل المحاولة الأولى، يؤكد هشاشة التفاهم الروسي الأميركي، ويعكس حجم التنافس على المحافظة الغنية بالنفط، في سياق الصراع الأكبر على سورية. وتبدو قوات النظام ومليشيات إيرانية تساندها هي الأقدر على استعادة مدينة دير الزور، إذ تؤكد مصادر أنها استقدمت تعزيزات كبيرة لذلك، في حين أن "قوات سورية الديمقراطية" لا تزال تتخبط في معركة الرقة، حيث تضع ثقلها العسكري فيها. ولا يملك مجلس دير الزور العسكري، التابع إلى "قوات سورية الديمقراطية"، الإمكانات العسكرية التي تتيح له إحداث اختراق كبير في معركة دير الزور. ويؤكد مصدر مطلع أن إطلاق حملة "عاصفة الجزيرة" أخيراً من قبل المجلس باتجاه دير الزور "ليس أكثر من محاولة إعلامية، وحجز مكان في المعركة"، مشيراً إلى أن قوات المجلس "لم تحقق حتى اللحظة تقدماً يحسب له، ولم تصل بعد إلى مناطق تشكل أهمية لدى التنظيم"، وفق المصدر. وتم استبعاد قوات "النخبة السورية"، والتي تضم مقاتلين من دير الزور وتتبع رئيس "تيار الغد" السوري، أحمد الجربا، من المعركة، ما يعكس حجم الخلاف بين هذه القوات وبين "قوات سورية الديمقراطية"، والتي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، على مصير المنطقة الشرقية في سورية، والتي تضم محافظات الرقة، ودير الزور، والحسكة.
وبدأ في القاهرة، أمس الثلاثاء، الملتقى الأول للقبائل والقوى السياسية في المنطقة الشرقية، بدعوة من "الغد السوري"، في محاولة للعودة إلى واجهة الأحداث في هذه المنطقة التي بات أبناؤها على هامش التطورات التي تحدد مستقبلها. وأشار الناطق باسم "النخبة"، محمد خالد الشاكر، في تصريحات لوسائل الإعلام منها "العربي الجديد"، إلى أن الملتقى التشاوري لأبناء المنطقة الشرقية "يأتي في لحظة مهمة من تاريخ سورية"، لافتاً إلى أن المنطقة الشرقية "شكلت عبر التاريخ بعداً يعكس هوية سورية داخل بعدها العربي، وفي مساحة تقارب نصف مساحة سورية". وأشار إلى "أن المكون العربي في المنطقة الشرقية من سورية ذو الأغلبية المطلقة، يبدو مهمشاً تهميشاً كاملاً في صناعة الحدث أو التأثير فيه". وأعرب عن اعتقاده بأن هذا الأمر "يؤسس لعدم قدرة أبناء المنطقة في أن يكونوا أصحاب قرار في إدارة مناطقهم بشكل فعلي، وربما عدم قدرتهم في العودة إليها، بعد ما حدث من نزوح جماعي لأبناء الرقة ودير الزور عن المنطقة بسبب الموت اليومي الذي استمر على أيدي تنظيم داعش، ومن ثم العمليات العسكرية التي لم تحترم أدنى قواعد القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة"، وفق قوله.
واعتبر الشاكر استبعاد قوات "النخبة السورية" من معركة دير الزور "خطباً جللاً، أعاد الحسابات في مدى مشروعية قرار كهذا، ودلالاته"، مشيراً إلى أن الملتقى "يهدف إلى دراسة واقع تهميش أبناء المنطقة اليوم، الذي أصبح تهديداً فعلياً للسلم الأهلي وللعملية السياسية على حد سواء"، وفق قوله. ومن المرجح أن يكون الملتقى تحول في مجرى العلاقة بين التيار، وأحزاب كردية بعد أن وقع الطرفان اتفاقات في القاهرة قبيل معركة الرقة، إلا أن التيار يؤكد أن الجانب الكردي لم يلتزم بها، وهو ما يصب في صالح النظام في معركة دير الزور التي لا تزال في البدايات، إذ لم تبدأ بعد المعركة الحقيقية مع تنظيم "داعش" والمتوقعة في ريف دير الزور الشرقي المترامي الأطراف. في السياق، أكدت مصادر إعلامية، أمس الثلاثاء، أن القوات الأميركية وفصيل "جيش مغاوير الثورة" التابع للمعارضة السورية انسحبا من قاعدة الزكف في البادية السورية، والتي تبعد 130 كيلومتراً عن مدينة البوكمال بريف دير الزور. وفي حين أكد قيادي في "مغاوير الثورة" أن الانسحاب جاء "بسبب أزمة المياه في المنطقة"، فإنه من المتوقع أن تكون القاعدة قد فقدت أهميتها بعد أن وصلت مليشيات إيرانية إلى منطقة رأس الوعر على الحدود السورية العراقية، وبذلك قطعت الطريق بين "مغاوير الثورة" ومدينة البوكمال الواقعة شرقي دير الزور بنحو 100 كيلومتر.