الصين والدول المغاربية.. توافق استراتيجي وقيمي
إذا كان الاهتمام الصيني بالمغرب العربي أمراً طبيعياً بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، يبحث عن أسواق (واعدة) لمنتجاته، فإن هناك ما يمكن أن نسميه التوافق الاستراتيجي والقيمي، يمنح العلاقة الصينية-المغاربية بعداً هادئاً تفتقر إليه، إلى حد كبير، العلاقة المغاربية-الغربية (والعربية عموماً).
يتمثل التوافق الاستراتيجي بين الصين والدول المغاربية، والعربية عموماً، على عكس ما هو عليه الحال مع القوى الغربية، في مواقف مشتركة، إزاء قضايا أساسية على أصعدة مختلفة. فعلى الصعيد العسكري-الإستراتيجي، هناك نوع من التوافق بين الصين والبلدان المغاربية على حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية المدنية، وهو ما تتردد بشأنه دول غربية كثيرة لتخوفها من التحول من الاستغلال المدني إلى الاستغلال العسكري للنووي. ولذا، نجد الصين تعاونت مع الجزائر في المجال النووي المدني. كما تشكل الصين مصدراً لشراء الأسلحة بالنسبة لدول المنطقة، وإن لم ترق بعد إلى مصاف منافس لمسلّحي المنطقة التقليديين، خصوصاً في الفترات التي يتردد فيها المصدرون الغربيون في تزويدها ببعض الأسلحة. على الصعيد السياسي، يخص التوافق القضايا السيادية والسلوكية-القيمية. فيما يخص العنصر الأول تتقاسم الدول المغاربية والصين التصور التقليدي للسيادة القائم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعلى احترام وحدتها الترابية. فالمغرب، مثلاً، يعتبر جزيرة تايون مقاطعة صينية، والصين تعتبر الصحراء الغربية مقاطعة مغربية، ولا تعترف بالبوليساريو.
بيد أن هذا التوافق الاستراتيجي على تصور السيادة تعرض لبعض الاهتزاز، لمّا وجدت الحكومات المغاربية نفسها بين سندان العلاقة الإستراتيجية مع الصين ومطرقة الرأي العام المحلي في أحداث سينغ يانغ. فبحكم انتمائها الإسلامي، لا يمكنها تجاهل ما يحدث في هذه المقاطعة المسلمة. ولكن، في الوقت نفسه، عليها مراعاة مصالحها مع القوة (الكبرى) الصينية. وهذه معضلة تذكرنا بمعضلة الدول المغاربية، والعربية عموماً، في علاقتها مع الولايات المتحدة من جهة، وتضامنها مع الشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
ونلاحظ، هنا، التوتر البنيوي في العلاقة المغاربية-الأميركية والمغاربية-الصينية، بسبب مستلزمات المصلحة القومية لكل بلد ومقتضيات التضامن، وما زاد الأمر تعقيداً هو تفاهم الأطراف المغاربية وتعاونها مع أميركا والصين في مجال مكافحة الإرهاب. وعليه، فعلى الرغم من بعدها الجغرافي والسياسي عن بؤر التوتر في المنطقة، ما يجعلها في منأى عن المتاعب التي تعانيها القوى الغربية في المنطقة العربية، وبالتالي الأوفر حظاً في بسط نفوذها بهدوء، فإن الصين لم تشذ عن قاعدة تعامل القوى الكبرى مع دول المنطقة. فبحكم الانتماء الإسلامي، يسبب التضامن مع مسلمي سينغ يانغ متاعب سياسية للصين في المنطقة، بل وأمنية كذلك. فعقب الأحداث التي عرفها هذا الإقليم، حذرت الصين رعاياها من احتمال هجمات قد تنفذها ضدهم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التي هددت باستهدافهم، انتقاماً للمسلمين الذين قتلوا في هذه الأحداث.
أما فيما يخص الجانب السلوكي القيمي، يرفض الطرفان الديمقراطية وحقوق الإنسان، على عكس القوى الغربية التي تقول بها على الأقل نظرياً وتوظفها أحياناً ذريعة للتدخل. فالصين وشركاؤها العرب يلتقون على مبدأ تقديس الخصوصيات المحلية والنهج المحلي لكل بلد في هذا الشأن. وهنا مكمن التوافق الاستراتيجي-القيمي بين الصين والدول العربية والإفريقية (بالنظر لنفوذ الصين المتنامي في إفريقيا). فبحكم طبيعة نظامها غير الديمقراطي، لا تولي الصين أي اعتبار لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، في تعاملها مع الدول المغاربية. وعليه، هي لا تؤمن ولا تقول بالمشروطية السياسية في تعاملها السياسي والاقتصادي مع دول المنطقة. وهذا ما يجعل هذه الأخيرة مرتاحة ومرحبة بالتعاون مع الصين. ولكنها في الوقت نفسه، وبحكم الجوار الجغرافي مع أوروبا وسمعتها الدولية، فهي لا ترغب في أن تُصنف في فئة الدول مع الصين، كما أن أي ارتباط بهذه الأخيرة يتناقض ومبدأ الديمقراطية المسوق له محلياً.
عموماً، هناك توافق بين الصين والدول المغاربية حول معظم القضايا الإقليمية والدولية، ولو قارنا هذا التوافق بالأرضية المشتركة بين الدول المغاربية والغربية، لتبين أن السياسات المغاربية أقرب من السياسة الصينية منها من السياسات الغربية، وهذا يعود إلى عدم تورط الصين في بؤر التوتر في المنطقة، وإلى افتقارها و/أو تجنبها استراتيجية انتشار عالمية ذات أهداف كونية معلنة، على عكس الولايات المتحدة، وكذلك إلى التصور الصيني التقليدي للسيادة، وإلى استراتيجيتها الدولية المتمثلة، بالأساس، في الزحف الهادئ، وتفادي الصدام مع أي كان، والعمل على ربح المزيد من الشركاء. وعموماً، يمكن القول إنه، على عكس السياسة الغربية، لا تعرف السياسة الصينية تناقضات بين الخطاب القيمي والسلوك الواقعي (المصلحي)، ما جعل الدول غير الديمقراطية في العالم "ترتاح" للتعامل معها.