في مطلع العام 2016، بدا أن الاقتصاد الفرنسي يتجه نحو الانتعاش، مدعوماً بهبوط سعر النفط في الأسواق العالمية، ما عزّز الاستهلاك والاستثمار في البلاد.
إلا أن هذا التحسن، سرعان ما اصطدم بعقبات هيكلية تجلّت بالأساس من خلال قدرة تنافسية منخفضة وسياسة ضريبية متقلّبة، أفقدت فرنسا قدرتها على الإقلاع اقتصاديا من جديد، وتحقيق نمو مستدام.
ويتوقع خبراء أن يسجّل النمو هبوطاً في 2017. يقول الخبراء إن النمو سيكون في حدود 1.1% في 2017 بعد أن كان 1.3% في 2016.
هيكلياً، يبدو أن نصيب الفرد الواحد في فرنسا من الناتج المحلي الإجمالي يحافظ، ومنذ سنوات، على معدّل أدنى من نظيره الأوروبي.
منذ 2006، توسعت الفجوة بين نصيب الفرد في كل من فرنسا وألمانيا من الناتج المحلي الإجمالي لبلديهما بـ 10 نقاط كاملة، ما يعكس التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الفرنسي.
ويرجع المختصون عجز فرنسا عن مواصلة نموّها إلى 3 عقبات رئيسية، هي:
الأول هو تراجع القدرة التنافسية: منذ بداية الألفية الثانية، بدأت فرنسا بتسجيل تراجع لحصتها في السوق في منطقة اليورو، في مسار تنازلي لم يتوقّف حتى الآن.
مع أن فرنسا تمكّنت من تقليص الفجوة في التنافسية من حيث التكلفة مقارنة مع منافسيها وخاصة ألمانيا، إلا أن المستوى الحالي ما يزال غير كاف لاستعادة حصة سوقها في منطقة اليورو بالشكل المطلوب، بحسب دراسة أجرتها مؤسسة "استراتيجيا فرنسا".
حاولت السلطات الفرنسية أن تجعل قانون العمل أكثر مرونة، إلا أن هذا الإجراء يطرح الإشكال نفسه، وهو أن تأثيره الإيجابي ما يزال غير مؤكّد، لأنّ التشريعات الحالية لا تسمح بمواءمة أفضل بين الأجور والإنتاجية في ذروة تراجع المؤشرات الاقتصادية.
أما العامل الثاني فيتجلى في "الصدمة الضريبية: خلال الفترة الفاصلة بين عامي 2011 و2013، بلغت الزيادة التراكمية للأعباء الضريبية الإجبارية في فرنسا نحو 74.4 مليار يورو (ما يعادل حوالي 78.3 مليار دولار).
أثقلت الصدمة الضريبية كاهل الشركات في البداية، قبل أن تطاول المستهلكين، ولم تفلح الإجراءات الحكومية في التخفيف من حدّتها، بما أن الأخيرة ساهمت في الحدّ من تداعيات ارتفاع تلك الأعباء على الشركات، لكنها لم تنجح في القضاء عليها نهائياً.
أما العقبة الثالثة، فتتعلق في وجود نظام ضريبي غير ملائم للاستثمار، إذ يعتبر المختصون أن عيوب النظام الضريبي الفرنسي تكمن بالأساس في العبء الذي تشكّله الضرائب على رؤوس أموال الشركات وأنشطتها.
واضطرت السلطات الفرنسية إلى إقرار العديد من الاستثناءات، للتخفيف من حدة النظام الضريبي، ما نجم عنه في النهاية نوع من عدم الاستقرار المزمن للقواعد الضريبية.
وكان الاقتصاد الفرنسي قد سجل نموا طفيفا في الربع الثالث من السنة، مع ارتفاع إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 0.2%، وفق تقديرات أولية صدرت عن معهد "إينسي"، وذلك بعد تراجع غير متوقع في الفصل السابق.
ويعود هذا الرقم المطابق للتوقعات الأخيرة الصادرة عن معهد الإحصاءات، إلى جملة من العوامل أبرزها ارتفاع استثمار الأسر والصادرات، فيما بقي الاستهلاك ثابتا عند مستواه.
وكان وزير الاقتصاد والمالية ميشال سابان قد أقر بأن هذه النتيجة "تزيد من صعوبة تحقيق هدف النمو الذي حددته الحكومة بنسبة 1.5% للعام 2016. لكنه رأى أن هذه الأرقام لا تقود إلى التشكيك في دينامية الانتعاش الجارية منذ عام ونصف".
ويتوقع معهد "إينسي" تسارع النمو في الربع الأخير من العام، ليصل إلى 0.4%، غير أن هذا الارتفاع الضعيف لن يتمكن من سد الفراغ الذي سجله الاقتصاد الفرنسي في الربيع.
ولا يتوقع المعهد أن يتخطى النمو 1.3% في العام 2016، وهي نسبة أدنى من مستوى 1.6% المتوقع أساساً، ومن التوقعات الحكومية الرسمية المحددة بـ 1.5%.
(وكالة الأناضول، العربي الجديد)