من يقرأ ما حدث يوم 21 فبراير/شباط سيجد أن قصص صمود الحركة الطلابية أمام المحتل البريطاني حتى نيل الجلاء والاستقلال التام، وما أعقبها من موجات نضالية في عهد رؤساء الجمهورية المصرية عبر تاريخها الحديث، جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك ثم المجلس العسكري، تتكرر الآن في عهد الرئيس المؤقت، عدلي منصور، ليثبت الطالب مجددا أنه قادر على أن يواجه دولة "العواجيز" رغم الدماء والآلام التى يتكبدها كل يوم.
الطلاب ضد المحتل
تختلف المراجع التاريخية في سرد ما حدث في 21 فبراير/شباط، لكن الشائع أن تاريخ يوم الطالب العالمي يعود إلى ذكرى الأحداث التي مرت بها مصر عام 1946، حينما أصدرت (اللجنة الوطنية للطلبة والعمال)، التي كانت تضم الطلبة المنتمين إلى الحزب الوطني، والوفد، والأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة الوفدية، والإخوان المسلمين، ومصر الفتاة وبعض المستقلين، بيانًا أعلنت فيه قرارها، بأن يكون الخميس 21 فبراير (يوم الجلاء).
وشارك طلاب جامعة الأزهر في هذه الحملة، فخرجت تظاهرة كبرى اتجهت إلى ميدان الأوبرا، حيث عقد مؤتمر شعبي اتخذت فيه قرارات بمقاطعة المفاوضات مع المحتل ورفض أسلوب المساومة، والتمسك بالجلاء عن وادي النيل، وإلغاء معاهدة 1936.
ثم زحفت التظاهرة إلى ميدان قصر النيل حيث الثكنات البريطانية، واتجه قسم منها إلى ساحة عابدين، وكانت التظاهرات تسير في نظام تام دون اعتداء على أحد، ودون التعرض للممتلكات أو التخريب، واستخدمت المدرعات العسكرية البريطانية العنف، لتدهس بعض المتظاهرين تحت عجلاتها، وحدث صدام في الإسكندرية بين الجنود والمتظاهرين سقط فيه 28 قتيلا في صفوف المتظاهرين وجُرح 432، وقتل جنديان بريطانيان، وجرح أربعة جنود آخرين.
مذبحة كوبري عباس
وتشير بعض الكتب التاريخية الى أن قوات الاحتلال الإنكليزي فتحت كوبري عباس، والذي يمر فوق نهر النيل، وذلك أثناء سير جموع الطلاب من فوقه، مما أدى إلى وقوع عدد كبير من الطلاب في النيل وغرق الكثير منهم، وفي إثر ذلك أعلنت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة يوم الرابع من مارس/آذار 1946 يومًا للحداد الوطني العام على شهداء 21 فبراير/شباط، حيث أُعلن الإضراب العام، واحتُجبت الصحف، وأغلقت المتاجر والمقاهي والمحال العامة، وأضربت المدارس، وتعطلت المصانع.
واختلفت بعض المصادر التاريخية في العام الذي تم فيه فتح كوبري عباس. يقول عبدالرحمن الرافعي في الجزء الثاني من كتاب (في أعقاب الثورة المصرية) أن أحداثها كانت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 حينما قام طلبة جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) بتظاهرة بدأت من ساحة الجامعة واتجهت إلى القاهرة من خلال كوبري عباس فقابلها البوليس بإطلاق النار وقتل طلبة الجامعة.
الطلاب ونكسة 67
وشهد أيضا 21 فبراير/شباط 1968 دورا كبيرا للحركة الطلابية عقب نكسة يونيو/حزيران 1967، رغم أن العمل السياسي داخل الجامعة كان يتسم بالسرية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وامتلأت السجون بالمعارضين من طلاب الإخوان واليساريين.
وأشعلت الأحكام المخففة للمحكمة العسكرية على ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال أثناء الحرب غضب طلاب الجامعات الذين نظموا تظاهرات حاشدة، اضطر معها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يعقد اجتماعا لمجلس الوزراء ويصدر قرارا بإلغاء الأحكام الهزيلة، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا، وبعدها أصدر قرار رقم 1532 لسنة 1968 بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية.
هتاف السبعينيات
وخلال عام 1972 استمرت الحركة الطلابية ضد السادات، وخاصة بسبب تباطئه في الحرب ضد اسرائيل بعد أن قال ان عام 1971 هو عام الحسم، واشتعلت حرب شوارع بين الطلبة والأمن في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 1972، وهي المعارك التي خلدها الشاعر الراحل أمل دنقل في قصيدته الشهيرة "الكعكة الحجرية" ويقول فيها:
أيها الواقِفونَ على حافةِ المذبحة ْ
أَشهِروا الأَسلحة ْ
سَقطَ الموتُ، وانفرطَ القلبُ كالمسبحة ْ.
والدمُ انسابَ فوقَ الوِشاحْ!
المنَازلُ أضرحَة ٌ
والزنازن أضرحَة ٌ
والمدَى.. أضرِحة ْ
فارفعوا الأسلِحة ْ
واتبَعُوني!
واستمر هتاف الطلاب "إحنا زيّ ما إحنا يا فبراير" داخل الجامعة لرفض ما عرف بحالة "اللا سلم واللا حرب" بين مصر وإسرائيل، حيث اشتعلت التظاهرات في الجامعات تطالب باسترداد سيناء وتوحد العرب في حرب ضد إسرائيل.
ثم تجددت هتافات الطلاب بعد غلاء الأسعار فيما عرف بالانتفاضة الشعبية في يناير/كانون الثاني 1977، وكانت من أبرز الهتافات الطلابية في ذلك الوقت "دقي يا ساعة الجامعة يا حرة على أيامنا السودة المرّة"، "يا حاكمنا بالمباحث.. كل الشعب بظلمك حاسس"، "يا حرامية الانفتاح .. الشعب جعان مش مرتاح"، "كيلو اللحمة بقى بجنيه .. أُمّال الفقرا ياكلوا إيه"، وانقض السادات على رموز الحركة الطلابية وأودعهم السجون.
أجهزة مبارك الأمنية
وتكررت الهتافات نفسها "يا حرية فينك فينك، أمن الدولة بينـّا وبينك" رغم محاولات نظام مبارك المخلوع حصار الحركة الطلابية عبر أجهزته المختلفة، ومنها جهاز أمن الدولة المنحل، وتم تعقب الطلاب الناشطين واعتقالهم وفصلهم من الجامعة ومنع أي صوت معارض، وقاد الشباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ونجحوا مع فئات عديدة من الشعب في إسقاط مبارك، حيث شارك الطلاب في مسيرات حاشدة بدأت من جامعة القاهرة حتى ميدان التحرير، وبلغ عدد الشهداء من الطلاب في الجامعات الحكومية فقط أكثر من 25 شهيداً، وبعد الثورة تخفف الطلاب من القبضة الأمنية التي مارسها الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية خلال العهد المنصرم، وكتبوا بأنفسهم اللائحة الطلابية بعد أن كانت قبل الثورة إحدى الذرائع التي تستخدم لإعاقة جو الحريات في الجامعة، واستطاع الطالب لأول مرة أن يجري انتخابات اتحادات طلبة لم يتدخل فيها الأمن، وشكل جبهة قوية تحت اسم "اتحاد طلاب مصر".
الهتاف ضد طنطاوي
واستمر نضال الطلاب من كل التيارات بعد أن تولى المجلس العسكري في 11 فبراير/شباط 2011 شؤون البلاد، عبر تنظيم تظاهرات داخل أسوار الجامعة ومسيرات حاشدة خارجها، وكان هتافهم "يسقط حكم العسكر، إحنا في دولة مش معسكر"، "شالوا مبارك جابوا مشير.. وأنا مش حاسس بالتغيير"، "قال جايبين نائب المخلوع، عايز الشعب يموت من الجوع".
ثم تطور الهتاف "من الجامعة للتحرير.. رايحين نسقط المشير"، "الشعب يريد إعدام المشير"، "يا طنطاوي قول الحق، قتلت إخواتنا ولا لأ"، وذلك بعد سقوط عدد من الطلاب الشهداء ومنهم طالب كلية الطب في جامعة عين شمس، علاء عبد الهادي، الذي قتل في أحداث مجلس الوزراء برصاص قوات العسكر.
ومع انقلاب وزير الدفاع على رئيس الجمهورية محمد مرسي وعزله في 3 يوليو/تموز 2013 برزت الحركة الطلابية بشكل أكبر داخل الجامعات، وقادت الثورة ضد العسكر بحسب عدد من الخبراء السياسيين، ومنهم الأستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، الدكتور سيف عبد الفتاح، الذي قال "إن الحركة الطلابية تعود من جديد في مواجهة حدث مفصلي لا يقل عن نكسة 67 خطورة في آثاره السياسية والمجتمعية".
الطلبة يقودون الثورة
ورغم مرور 68 عاما على مذبحة كوبري عباس على يد الجندي الانكليزي، فإن ممارسات قوات الأمن المصرية، شرطة وجيشاً، لم تكن بعيدة عن فعل المحتل في قسوتها وسطوتها، حيث رفعت أسلحتها ووجهتها نحو صدور الطلاب، واقتحمت حرم معظم الجامعات ومنها جامعة الأزهر، التي نالها القسط الأكبر من الانتهاكات، ودنست بالمدرعات والمجنزرات محراب العلم، ولم تفرق بين طالب وطالبة، وقتلت نحو 10 طلاب داخل كلياتهم ومدنهم الجامعية في جامعات القاهرة والاسكندرية وأسيوط والأزهر فيما عرف بمجزرة الجامعات، وسحلت الفتيات وأهانت الطلاب واعتقلت وأصابت المئات منهم، وذلك في محاولة لإخماد صوت يهتف "حرية حرية".