الطلعة الجوية والطلعة من العجين

01 ديسمبر 2014
+ الخط -

الرئيس المخلوع حسنى مبارك، أو البريء، حسبما جاء في حيثيات الحكم الصادر، ظهر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وأصبح بقدرة قادر صاحب أشهر طلعتين في التاريخ الحديث، سيذكرهما الناس بالحسرة والألم، أو الفرحة العارمة (وفقا للمعسكر الذي تنضم إليه).

الطلعة الأولى كانت عام 1973 في حرب العبور، وهي الطلعة الجوية ضد العدو الصهيوني، هذا إذا صحّ أنه كان يقود الطائرة القتالية. والطلعة الثانية هي في عام 2014، وهي طلوعه مثل الشعرة من العجين في قضية القرن.

والمقصود بالمعسكر الذي تنضم إليه: المعسكران اللذان تسبب في إظهارهما الجنرال السيسي الذي استولى على الدولة، بخطة مكشوفة، في 30 يونيو، وقسم الناس إلى قسمين، بعد أن كانوا أمة واحدة، مع العسكر في الدولة الفاشية الجديدة، والتي تمثل امتدادا طبيعيا للفرعون مبارك، أو مع الدولة المنتخبة الشرعية، والتي كل قياداتها في السجون أو مهاجرون مطرودون من بلادهم.

وما بين بكاء أهل الشهداء الذين قتلهم مبارك وزبانيته، وترقب ملايين الناس الفصل في القضية التي تابعوها، أطاح قاضي النظام كل أحلام المصريين في ثورة 25 يناير المجيدة، وكأنه لم يكن هناك ربيع، أو شهيد سالت دماؤه الزكية. وكأن الأقدام لم تعفّر في الميادين، ولم تقل (ارحل يا مبارك) من القلوب قبل الحناجر، وكأن يناير لم يكن من شهور السنة، ولا 25 هو أحد الأيام.

ومبارك أحكم قبضته على القضاء والجيش وكل مفاصل الدولة، منذ أخرجه الناس من تحت المقاعد المقلوبة في حادث المنصة، بعد اغتيال أنور السادات 1981، وبعد أن نصبوه حاكما. ومن ذلك الوقت، وهو يحسب كل حساب للإسلاميين الذين اغتالوا سلفه. ولا يتوانى في الفتك بهم والغدر، وزجّهم في السجون.

لم يلاحق مبارك الثوار أيام الربيع في المحروسة، دارا دارا أو زنقة زنقة، مثلما فعل العقيد الهالك في ليبيا، والذي كانت نهايته على أيدي الثوار الليبيين، بعد أن تم زنقه في ماسورة صرف صحي، ولم يتحد شعبه، مثل بشار الأسد الذي أفنى نصف الشعب السوري، لكنه كان يثق في طائفته ورجاله ثقة مطلقة.

وها هو السيسي، الآن، يبر أباه مبارك في وفاء نادر، ويوفر له حماية غير مسبوقة، ضاربا بكل تضحيات المصريين، وصبرهم ونضالهم، عرض الحائط. ويخرج آلاف المدرعات والفرق القتالية في كل أنحاء الجمهورية يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، تحسبا من انتفاضة الشباب المسلم، وتمهيدا لبراءة الفرعون.
 أصدر هذا القضاء نفسه حكمه في حق قيادات الإخوان المسلمين بالإعدام تلو الإعدام، ولم تشهد ساحاته أحكاما بالإعدام، بمثل هذه الغزارة من قبل، فلا يتوقع الحكم على حسني مبارك، والحال كذلك، إلا البراءة، مثلما براءة الذئب من دم ابن يعقوب. بشرة خير.

avata
avata
درية خالد (السودان)
درية خالد (السودان)