منذ الصباح ينقل فلسطينيو الغور أطفالهم بسيارات خاصة، إلى مدينتي نابلس وطوباس، حيث العيادات الطبية الأقرب التي يعالج فيها الغوريون عادة، وذلك لعلاج أطفالهم الذين قطع الغبار المنتشر في الجو أنفاسهم، منذ بداية موجة الغبار التي اجتاحت فلسطين فجر أمس.
يقول برهان بشارات، من سكان خربة مكحول في غور الأردن، والذي تحدث من داخل عيادة طبية في مدينة طوباس لمراسل "العربي الجديد": "أنا الآن عند الطبيب، أحضرت طفلتي التي لم تعد قادرة على التنفس بسبب الغبار، وهذا الأمر مكلف جداً بالنسبة لي، عندي تسعة أولاد كلهم بحاجة لعلاج، لكنني لا أستطيع دفع التكاليف".
واختنق سكان غور الأردن الذين يعيشون داخل خيام من الخيش، ولا يستطيعون حماية أنفسهم من الغبار، هؤلاء الناس لن يستفيدوا من نصائح الإذاعات الفلسطينية المحلية للسكان، بإغلاق شبابيك بيوتهم، وعدم الخروج منها إلى حين انتهاء موجة الرمل الصحراوي.
يقول عارف دراغمة رئيس مجلس قروي المالح والمضارب الرعوية في الأغوار الفلسطينية "لا شبابيك لخيام الناس هنا، ولا أبواب يمكن إغلاقها في وجه الرمل، تخيل أن الغبار ملأ عيوننا وآذاننا حتى آخرها".
ويصيح عماد نصر الله من سكان خربة بزيق في غور الأردن، في اتصال مع مراسل "العربي الجديد": "ألو، هل تسمعني؟ قسماً بالله أنا أختنق، إذا أغلقت الخيمة على نفسك تختنق من الحر، وإذا فتحتها تختنق من الغبار.. الغور اسمه معه، هذا غور، أي أنه لا يطاق في الصيف، فما بالك بصيف مغبر!".
ويخاف نصر الله على ما يبدو أن ينقطع الاتصال قبل أن ينتهي من مناجاة لا أحد، فيظل يصرخ بين الجمل "هل تسمعني لقد اختنقنا، الحال داخل الخيمة وخارجها واحد، يا إلهي في الشتاء نغرق بالوحل، وفي الصيف يخنقنا الرمل، قل لي إن كان هناك حياة مرة مثل حياتنا!".
ويمنع الاحتلال الإسرائيلي، والذي استوطن في غور الأردن عام 1967، السكان الفلسطينيين من بناء بيوت لهم على أرض يملكونها رسمياً، في حين يبني المستوطنون بيوتاً عصرية عند قمم جبال الغور المحتل، ولا يمر شهر من دون أن تهجم جرافات الاحتلال على خيام السكان أيضاً، لنسفها عن وجه الأرض الفلسطينية.
يشتكي علي أبو الكباش مختار قرية حمصة الفوقا في غور الأردن، قائلاً: "اسمع، هل تعرف القاعد في النار؟ نحن الآن قاعدون في النار، أنت تعرف مساكننا من الخيش والنايلون، وتخيّل حالنا الآن، كل شيء هنا يغلي: ماء الشرب يغلي، الأرض تغلي، دمي يغلي، عيوننا حمراء تغلي من الغبرة".
ويتحسر أبو الكباش على حالهم، لدرجة وصف فيها من يملكون بيوتاً في المدن والقرى الفلسطينية بأنهم "عايشين في الجنة، ونحن في النار".
اقرأ أيضاً: الأتربة تخنق السوريّين في الداخل وفي بلدان اللجوء
لكن واحداً من سكان الغور المخنوقين الذين تواصل معهم مراسل "العربي الجديد"، لم يتوسل مساعدة من أحد، ولم يطلب إغاثة، ربما لأن الناس هناك يئسوا من المناشدات.
أبو الكباش ذاته الذي يسعل أكثر مما يتكلم، قال عندما سألناه عن احتياجاتهم في مثل هذه الحالات: "قبل سنة ناشدت عبر موقعكم لتوفير طاقة شمسية للسكان هنا، كي تساعدهم على الثبات، لكن لا أحد في العالم راجعنا".
اقرأ أيضاً: المستوطنون يفلحون أراضي الفلسطينيين المصادرة في الغور