تراكمت الملفات التي كدّسها، أخيراً، "ائتلاف دولة القانون" الذي يتزعمه نائب رئيس الجمهورية، نوري المالكي، ضد رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، والتي أوصلته إلى طريق شبه مسدود في استمرار حكومته، الأمر الذي أجبره إلى فتح باب الحوار مع المالكي للخروج بتسوية سياسيّة مقدِّماً تنازلات كبيرة للبقاء في منصبه.
وتصاعدت حدّة الخلاف بين العبادي والمالكي، لتبلغ ذروتها بعد إصدار الأوّل قراراً بإقالة نواب رئيس الجمهوريّة ومنهم المالكي، ثم رفضه طلب التدخل الروسي، وأخيراً تكليف رئيس البرلمان، سليم الجبوري بمهام عقد اجتماعات مصالحة وطنية مع بعثيين وقادة الجيش السابق ممن يُطلق عليهم لقب "غير الصدّاميين"، الأمر الذي دفع المالكي إلى تحشيد كل قدراته وعلاقاته وتسخير أمواله للانتقام من العبادي بشتى الطرق.
ويكشف مصدر في "التحالف الوطني" الحاكم في البلاد، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العبادي لجأ إلى حزب الدعوة وهو الحزب الذي يتزعمه المالكي وينتمي له العبادي، محاولاً عقد لقاء مشترك له مع المالكي بوساطة الحزب".
ويؤكّد المصدر ذاته، أنّ "الحزب عقد اجتماعاً على أساس أن يكون مشتركاً بحضور الجانبين، وحضر العبادي لكن المالكي تغيّب"، لافتاً إلى أنّ "المالكي أرسل شروطه مع أحد قادة الحزب والتي تمثّلت بعودته لمنصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وأن يكون له الدور والإشراك في القرار السياسي وعدم تفرّد العبادي بالقرارات، على أن لا يكون للعبادي أيّ شرط، ووافق العبادي على الشروط مرغماً"، مبيناً أنّ "حزب الدعوة سيشكّل لجنة خاصة لمتابعة تطبيق العبادي لهذه الشروط والتنسيق مع المحكمة الاتحاديّة لإعادة المالكي إلى منصبه".
ويوضح المصدر في "التحالف العراقي"، أنّ "المالكي لا يزال يتمتّع بنفوذ كبير داخل البيت الشيعي، وهو الرجل الأخطر على رئيس الحكومة حيدر العبادي"، موضحاً أنّ "المالكي استطاع خلال هذه الفترة أن يسجّل نقاط ضعف ومخالفات دستوريّة ارتكبها العبادي خلال فترة حكمه، ليبدأ هجومه ويغلق عليه كل الطرق". ويضيف، أنّ "قرار العبادي بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية هي المخالفة الدستورية الكبيرة التي وقع فيها، يضاف إليها ملفات الإصلاح التي لم يتحقق منها شيء، وانفراد العبادي بالقرارات السياسية، ما جعل كتل التحالف الوطني تقف ضدّه".
اقرأ أيضاً: البرلمان العراقي يُقيّد العبادي وإصلاحاته
ويلفت المصدر، إلى أنّ "المالكي ضيّق الخناق على العبادي من خلال إقامة دعوى قضائية ضدّه للعودة إلى منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وتحشيد كتل التحالف الوطني لسحب الثقة عن العبادي"، مشيراً إلى أنّ "كل هذه التحركات، أغلقت الأبواب في وجه العبادي، ولم يبق له إلّا طريق الحوار مع المالكي لإيجاد حلّ لهذه الأزمات".
من جهته، يؤكد عضو اللجنة القانونيّة البرلمانيّة، سليم شوقي أنّ "الطعن الذي قدّمه المالكي إلى المحكمة الاتحاديّة بشأن إعادة منصبه، يتوافق مع الدستور العراقي"، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "المحكمة الاتحاديّة لا تستطيع إصدار حكم يخالف النص الدستوري، والنص هنا واضح، من خلال تأكيد الدستور على أنّ رئيس الجمهوريّة يمتلك صلاحية اختيار نائب أو أكثر له".
بدوره، يرى الخبير السياسي رعد رشيد، أنّ "العبادي وصل إلى مرحلة القبول بأيّ شرط يُملى عليه من أجل البقاء في منصبه، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "العبادي أوقع نفسه بأخطاء سهّلت الطريق أمام المالكي والخصوم السياسيين للإطاحة به"، ومبيّناً أنّ "العبادي سيواصل طريقه في رئاسة الحكومة بضعف كبير، وعدم القدرة على صنع القرار، بعدما أُجبر على القبول بشروط المالكي، ومن بعدها شروط التحالف الوطني".
ويلفت رشيد إلى أنّ "المالكي يدرك تماماً أنّه من الصعب عودته أو تقديمه كمرشح بديل عن العبادي لرئاسة الحكومة خلال هذه الفترة، لذلك اكتفى بالعودة إلى منصبه كنائب رئيس الجمهورية، وإشراكه بصنع القرار السياسي، وهو بحدّ ذاته صفعة كبيرة للعبادي وموقف محرج آخر له".
ويرجّح الخبير السياسي، أن "يكتفي التحالف الوطني بإملاء شروطه على العبادي من دون اللجوء إلى سحب الثقة منه خلال هذه الفترة، باعتبار الأخيرة ستشعل الخلاف بين كتل التحالف حول المرشح البديل للعبادي، الأمر الذي لا يريده التحالف، لذا فإنّ العبادي سيكون مجرّد واجهة، في الوقت الذي يتولى فيه التحالف صنع القرار".
اقرأ أيضاً: تمرّد أمني على العبادي لمنع تقاربه مع "تحالف القوى"