في العراق كما هي الحال في بلدان العالم عموماً، تظهر في كلّ فترة موضة أو تقليعة جديدة يتبنّاها الشباب عادة، نظراً إلى أنّ تلك الفئة ترغب دائماً في التغيير، فكيف إذا كانوا يحاكون صيحات على صعيد عالمي.
أجبر ستار الشمري ابنه مهند على ارتداء ملابس معيّنة بعدما مزّق عدداً ممّا يملكه، استناداً إلى ما يفرضه التقليد العشائري في القرى العراقية التي ما زالت تلتزم بعادات موروثة مختلفة، منها أنّ ثمّة ملابس حديثة يرتديها الشبان اليوم معيبةٌ وتقلّل من كرامتهم وتسبّب لعائلاتهم الحرج. ومهند وهو من قرية في محافظة ميسان، جنوبي العراق، لم يكن يقصد المدينة إلا لمراجعة طبيب أو شراء حاجيات معيّنة، لكنّه بعد الانتهاء من دراسته الثانوية توجّه إلى العاصمة بغداد ليتابع دراسته الجامعية ويسكن عند خاله.
يخبر مهند "العربي الجديد" أنّ "طبيعة المجتمع هي التي تحتّم التغيير، لذا صرت ألبس مثل أصدقائي في الجامعة وأعتمد قصّة شعر تجاري القصات الحديثة. لكنّني عندما عدت إلى قريتي لزيارة أسرتي بعد أكثر شهر في بغداد، تحوّلت إلى حديث أهالي القرية". يضيف أنّ "والدي سمع عبارات غير لائقة من أقاربنا الذين اتهموني بفساد الأخلاق، فعمد بالتالي إلى تمزيق ملابسي وهي سروالَا جينز ضيّقان وقصيران وقمصان قطنية ضيّقة كُتبت عليها عبارات باللغة الإنكليزية، بعضها يشجّع على السلام ويمقت الحرب. وأكثر من ذلك، اصطحبني والدي إلى حلاق قريتنا وأجبرني على حلاقة شعر رأسي بالكامل".
مهند الذي يدرك جيداً ما هي تقاليد مجتمعه الريفي، لم يمتعض ممّا حصل معه، بخلاف عمار منشد الذي لا يأبه للانتقادات التي يتلقاها من أسرته وعدد كبير من معارفه. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كل ما أفعله هو أنّني أجاري الموضة. لم أرتكب جرماً ولم أتجاوز على الآخرين". وعمار طالب جامعي يترك شعره الطويل مسدولاً ويضع الحلق في إحدى أذنَيه ويرتدي سراويل جينز ممزقة وقمصاناً ضيّقة، يؤكد أنّه "في حين يرفض أشخاص معيّنون مظهري فإنّ كثيرين يعدّونه أمراً طبيعياً نظراً إلى أنّني أجاري الصرعة الحالية التي يشهدها العالم".
ويثني مروان الذي يعمل حلاقاً على كلام صديقه عمار، ويعبّر لـ"العربي الجديد" عن استغرابه من "تكرار استياء بعضهم من الصرعات الجديدة". يضيف أنّ "الحال ليست غريبة، فلو عدنا إلى عقود سابقة لعلمنا أنّ الشبان حينها كانوا يعيشون الأمر نفسه قبل أن تنتشر الصرعات وتصير طبيعية لا يوجَّه إليها أيّ انتقاد". ويتابع مروان: "أنا بارع في قصات الشعر الحديثة وهذا ما يرغب فيه الشباب، لكنّني أتلقّى اللوم كثيراً من قبل عدد من الآباء الذين يتّهمونني بأنّني أشوّه شخصية أولادهم من خلال تلك التسريحات. وقد وصل الأمر بأحدهم إلى حدّ اتهامي بأنّني أساهم في تخنيث الشبان".
من جهته، يأسف حسن الزاملي، وهو طالب جامعي، لأنّ "المجتمع يعتمد بنسبة كبيرة منه على المظهر للحكم على الشخص". ويقول لـ"العربي الجديد" أنّه "عندما أختار ملابس جديدة أفعل ذلك وأنا أفكّر بالناس الآخرين وليس بنفسي، كذلك الأمر عندما أنوي تغيير تصفيفة شعري"، مؤكداً أنّ "الأمر مزعج حقاً".
تجدر الإشارة إلى أنّ مشاجرات وحوادث عراك وقعت على خلفيّة تعليقات تصدر عادة عن أشخاص يزدرون مظهر شاب ما، وقد وصل بعضها إلى القضاء أو أدّى إلى نزاعات عشائرية تُفضّ عادة بدفع الدية. في هذا الإطار، يقول النقيب في شرطة بغداد علي البياتي لـ"العربي الجديد" إنّ "دوريات الشرطة تتدخل بشكل متكرر شهرياً لحلّ مشاجرات تقع في الشوارع سببها تعليقات غير لائقة تصدر بحقّ شبان بسبب مظهرهم. يضيف أنّ "الأمر لا يتوقف على التعليقات التي تؤدّي إلى شجار بل ثمّة تهديدات بالقتل تصل إلى بعض الشبان بسبب مظهرهم، وفق ما يرد من بلاغات"، شارحاً أنّ "التهديدات تصدر عن مليشيات مسلحة سبق أن نفّذت جرائم قتل في حقّ شبان في أوضاع مماثلة. بالنسبة إليها فإنّ ثمّة تقليعات معيّنة تدل على المثلية الجنسية التي يرونها تهديداً للمجتمع الملتزم". ويتابع أنّه "على الرغم من أن القانون العراقي لا يجرّم ولا يمنع مجاراة التقليعات الحديثة، فإنّ تلك المجموعات المسلحة تضع أحياناً قوانينها الخاصة".
في سياق متصل، تُعَدّ "البلوكة" تهديداً يقلق بعض الشبان وهو ما يمنعهم من مجاراة التقليعات الحديثة، ولسان حالهم "حياتنا أهمّ من الموضة". و"البلوكة" حجر مستطيل مصنوع من الإسمنت يُستخدم في البناء مثل الطوب، وقد شنّت مليشيات مسلحة في عام 2012 حملة على من اعتبرتهم مثليّي الجنس وأصدرت قائمة بأسماء عشرات الشبان وقتلت بعضهم بطرق وحشية، منها تهشيم رؤوسهم بحجر "البلوكة".
بالنسبة إلى وديان السويدي فإنّ "للعائلة دوراً كبيراً لا بدّ من أن تضطلع به"، مؤكدة "أنا لا أقف أمام رغبات أبنائي في مجاراة التقليعات الحديثة، فهذه فترة مهمّة من حياتهم ويجب علينا مساندتهم فيها". تضيف لـ"العربي الجديد": "ولم أعترض كذلك على رغبة أحد أبنائي برسم وشم على جسمه، لكنّني وجّهته نوعاً ما"، شارحة أنّ "ابني سيف رغب في رسم وشم على رقبته لكنّني أخبرته أنّه لا يليق برجل فعل هذا والأفضل أن يكون على ساعده وبحجم صغير وأن يحمل معنى ما وليس مجرّد رسوم وألوان. وهذا ما حصل بالفعل". وتشير السويدي إلى أنّ "المشاكل الكثيرة التي نسمع عنها على خلفية اعتماد شبان تقليعات معيّنة سببها المجتمع وليس هؤلاء"، مشدّدة على أنّ "الرغبة الجامحة للتغيير والاختلاف ميزة مرحلة المراهقة والشباب وجميعنا مررنا بها في يوم".
في الإطار نفسه، توضح الباحثة في الشأن الاجتماعي ميسون الربيعي لـ"العربي الجديد" أنّ "نظرة المجتمع العراقي إلى المظهر والحكم على صاحبه تكوّنت نتيجة عوامل كرّستها الأوضاع السياسية التي مرّت بها البلاد منذ نحو 15 عاماً". والربيعي التي كانت باحثة اجتماعية في محاكم بغداد، تتفرغ حالياً لبحث يتعلق بسلوكيات المجتمع وتأثّره بالحروب، فتؤكّد أنّ "الحرب من أبرز العوامل المؤدية إلى تغيير سلوكيات المجتمعات، وعلى الحكومات وضع برامج في أثنائها للحفاظ على سلوكيات المجتمع من التغييرات السلبية، مع تنفيذ برامج لتنقية سلوكيات الشعب من السلبيات التي طرأت عليه بعد انتهاء الحرب". تضيف الربيعي أنّ "النظرة السلبية إلى تقليعات معينة لم تكن لتؤدّي إلى جرائم ومشاكل لولا تغيّر في أفكار ومعتقدات شريحة من المجتمع نتيجة الحروب والمظاهر العسكرية بمسميات مختلفة التي تبنّت الفكر المتشدد". وتعود لتشدد "على دور الحكومة الكبير والمهم والصعب وضرورة اعتمادها على خبراء مختصين بسلوكيات المجتمع لوضع خطط تصحيحية تعيد مجتمعنا إلى سابق عهده".