وسيطر تنظيم "داعش" على قرية الخزرج وسكن في منازل أهلها الذين نزحوا منها، ليفرض حصاراً خانقاً على مدينة الضلوعية منذ يونيو/حزيران الماضي، بعد أن قطع الجسر الوحيد الذي يربطها بالمناطق المجاورة، ولم يبق للأهالي سوى شاطئ دجلة، الذي اضطروا للجوء إليه لإيصال بعض ما يحتاجونه من المواد الغذائية والطبية.
وتبلغ مساحة الخط الفاصل بين قرية الجبور المحاصرة وتنظيم "داعش" المتمركز في قرية الخزرج 50 متراً فقط، ولا يفصل بين المنطقتين لا نهر ولا ساتر ترابي، بل أرض قاحلة لا معلم فيها ولا آثار، وتُعتبر هذه الأرض الجرداء خط النار، أو المنطقة المحرمة بين الجانبين، فلا أحد يستطيع اختراقها، لأنه سيكون عرضة للنار من الطرفين.
ويسيطر على المشهد أزيز الرصاص المتبادل، وتتساقط أصوات قذائف "الهاون" هنا وهناك بلا هوادة، وتتصاعد حدّتها عند غروب الشمس لتتضاءل عند شروقها، وتشتبك صواريخ القاذفات بين الجانبين، ويقابل إصرار "داعش" على اقتحام المنطقة، صمود وقتال حتى الموت، من عشائر الجبور.
ويخيّم القلق والترقب على المشهد الذي يتلخص بتنظيم خطير مدجج بالأسلحة الفتّاكة التي اغتنمها من الجيش العراقي، مقابل أبناء عشيرة الجبور، الذين يتقدمون للمواجهة ومن خلفهم قوات للجيش.
ويقول أحد أهالي الضلوعية، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنهم "على هذه الحال منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، فبعد أن سيطر داعش على قرية الخزرج، دعا أهالي الضلوعية إلى تسليم سلاحهم وتسليم المطلوبين منهم للتنظيم، وهم 150 اسماً (يُرجّح أن يكونوا عناصر من المنطقة انضموا في صفوف الشرطة) ليعرضوا على المحكمة الشرعية التابعة للتنظيم". ويضيف أن "وجهاء القرية رفضوا تسليم سلاحهم وأبنائهم، لينتفضوا ويتحصّنوا في منازلهم مدافعين عنها".
ويقطع الشاب حديثه راكضاً، بعد أن سقطت قذيفة هاون على بعد حوالي 30 متراً منه، ليحمل طفلاً لابن عمه، لا يزيد عمره عن الست سنوات، وهو يصرخ بعد أن أصابته شظية الهاون في عينه.
وبعد تضميد الطفل بضماد بسيط لا يسكّن ألمه، يعود الشاب إلينا ليكمل حديثه: "انتهينا قبل إصابة الطفل من دفن أحد قتلانا في باحة منزله، لأنّ مقاتلي داعش سيطروا حتى على المقبرة، واضطر الأهالي لدفن قتلاهم في باحات منازلهم، وقد وصل العدد حتى اليوم إلى 100 قتيل، وتجاوز عدد الجرحى الـ400".
من جهته، يؤكد أحد مسلحي الجبور وهو عنصر في الشرطة، لـ"العربي الجديد"، أننا "صامدون ومستميتون في الدفاع عن أهلنا وعرضنا، ولن نتهاون في القتال، لأن مصيرنا يتوقف على هذه المعركة". ويستغرب "إصرار داعش طوال هذه الفترة على محاولة السيطرة على المنطقة رغم ما رآه من مواجهة شديدة".
ويوضح أن "أسلحتنا وعتادنا يكاد ينفد لولا أنّ الجيش يقدم لنا السلاح والذخيرة، الأمر الذي يجعلنا نصمد". ويدعو "طيران التحالف والطيران العراقي إلى "مساعدة أهالي الضلوعية وتوجيه ضربات جوية ضد داعش".
بدوره، يقول مدير شرطة الضلوعية العقيد قنديل الجبوري، إن "صمود أهالي الضلوعية وشجاعتهم تجاوزا حدّ الوصف، فهم يتسابقون على حمل السلاح والقتال في الصفوف الأمامية غير آبهين بشراسة داعش". ويشير إلى أن "أغلب المقاتلين هم من الشباب الذين تربو أعمارهم على العشرين عاماً، وهم يرددون خلال المعركة أهازيج وقصائد شعرية تثير الحماس".
وكانت عشائر الجبور في ناحية الضلوعية قد صدّت في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الحالي هجوماً كبيراً لـ"داعش" بقيادة زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي.
وتقع ناحية الضلوعية التابعة لمحافظة صلاح الدين، على بعد 80 كيلومتراً إلى الشمال من بغداد، على الضفة الشرقية من نهر دجلة، ويزيد عدد سكانها على 50 ألف نسمة، وهي كوحدة إدارية ناحية تتبع قضاء بلد في محافظة صلاح الدين.