ووفقاً لمصادر قضائية عراقية، فإن قضايا القتل والضرب والاعتداء وهضم الحقوق بسبب قضايا الميراث داخل العائلة، ارتفعت منذ مطلع العام الجاري، لتصبح أكثر من 50 ألف قضية، غالبيتها تمت في ظروف مختلفة، تتصدرها الحرب والعمليات الإرهابية، إذ عادة ما تكون بعد وفاة رب الأسرة بشكل مفاجئ من دون أن يوصي أو يقوم بتخليص أوراق أملاكه قانونياً.
وقال القاضي محمد عبود، من المجلس الأعلى للقضاء، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "نقص الوعي الديني وتغليب الأعراف العشائرية أو البدوية في هذا الملف، فضلا عن عشوائية الأملاك وتداخلها بعد الاحتلال، وضنك العيش، وارتفاع أسعار العقارات والأملاك، كلها تدفع إلى مشاكل تتعلق بالميراث".
وأضاف "هم لا يأتون للمحكمة إلا بعد المشكلة، ولو جاؤوا من البداية لانتهت المسألة وأخذ كل منهم حقه".
من جهتهم، ذكر محامون أن قضايا الإرث طغت على القضايا الأخرى المختلفة في محاكم البلاد من قبل الأسر العراقية التي فقدت أحد أفرادها، خاصة بالنسبة لرب الأسرة.
وأوضح المحامي صبار الجبوري أنه "في الآونة الأخيرة أصبحت تردنا عشرات القضايا من قبل أسر عراقية، تتعلق بموضوع الإرث لمن قتل وترك إرثاً معيناً، وأصبحت هذه القضايا هي الأكثر رواجاً في الوقت الحالي".
وبيّن الجبوري لـ"العربي الجديد"، أن "قضايا الإرث تشكل خلافات مستقبلية بين ذوي المقتول بسبب الحرب أو العمليات الإرهابية أو الخلافات العشائرية أو أسباب أخرى، لذلك تلجأ الأسر إلى المحاكم لحل هذه المشكلة بتوكيل محام يتولى مهمة حسم الأمر بين الوارثين".
من جهته، رأى المستشار القانوني ميثم الزبيدي، أن "حلّ قضايا الإرث في وقت مبكر يجنب الأسر التي فقدت أحد أفرادها، خاصة إذا كان رب الأسرة، مشاكل مستقبلية بين الأشقاء والأقارب، لذلك يلجؤون إلى حلها في هذا الوقت عبر المحاكم".
وأضاف الزبيدي لـ"العربي الجديد"، أنه "قُتل عشرات الآلاف من العراقيين خلال الثلاث سنوات الماضية منذ مطلع عام 2014 بسبب الحروب الداخلية والعمليات الإرهابية، وأغلبهم من أرباب الأسر، وهنا لا بد من حسم ملفات الإرث لأسرهم التي صارت تتوجه إلى المحاكم بكثافة تجنباً لمشاكل مستقبلية قد تحدث بينهم".
أصحاب دعاوى الإرث من جانبهم، اعتبروا أن حسم قضاياهم في المحاكم يجنبهم الخلافات العائلية التي قد تحدث في المستقبل، وتضمن لذوي الضحايا حقوقهم، خاصة القاصرين منهم ممن فقدوا المعيل.
وقال حيدر ذاكر "قُتل والدي بانفجار سيارة مفخخة في إحدى ضواحي العاصمة بغداد قبل عامين، وقررنا بعد التشاور مع أسرتي أن نحسم ملف إرث والدي في المحكمة، لضمان حقوق أشقائي وشقيقاتي القاصرين".
وتابع ذاكر "لكن المشكلة أن الزخم كبير في المحاكم، وتحتاج مثل هذه القضايا إلى مراجعات مستمرة وطويلة وتأخذ وقتاً وجهداً، لذلك قمت بتوكيل محام يتولى مهمة متابعة القضية لحين إنجازها من قبل السلطات القضائية المختصة".
وتواجه النساء صعوبة أكبر من الرجال في هذا الأمر، ممن فقدن أزواجهن الذين لديهم متعلقات مالية أو عقارية مع أشقائهم.
وفي السياق، قالت بثينة علي: "قتل زوجي وكان جندياً في إحدى المعارك ضد تنظيم "داعش" وترك أطفالاً قاصرين، ولديه متعلقات مالية وحقوق أخرى في إرث منزلين مع أشقائه، لذلك توجهت إلى المحكمة لأضمن حقوق أطفالي في إرث والدهم".
وتابعت "أخشى من حصول مشاكل عائلية في المستقبل، وقد لا أستطيع ضمان حقوق أطفالي في إرث والدهم، لذلك توجهت إلى القضاء لحسم الأمر بشكل ودّي، لتجنب أي مشاكل محتملة مع أشقائه في المستقبل".
خبراء اعتبروا أن البلاد تواجه أزمة ثقة حقيقية، بسبب ما يمر به النسيج الاجتماعي العراقي من هزة عنيفة سببت تسارع الأسر إلى المحاكم لضمان حقوقها في إرث من فقدتهم في الصراعات الدموية التي تشهدها البلاد.
ويأتي ارتفاع نسبة قضايا الإرث في المحاكم العراقية، في وقت مازالت فيه البلاد تفقد يومياً العشرات بسبب الحرب التي تدور رحاها في عدد من مدن البلاد، أو بسبب التفجيرات التي تضرب مختلف المناطق ويروح ضحيتها عشرات العراقيين.