16 أكتوبر 2024
العراق.. حكومة علاقات عامة أم تغيير؟
بعد مضي أشهر على الانتخابات العراقية التي تسمى ديمقراطية، لم يحصل الفائزون بها من كتلة "سائرون" على تشكيل الحكومة، كما يقرّه دستور نوح فيلدمان، وبعد سجال استمر شهورا لم يعرف العراقي من هي الكتلة الكبرى، غير الموجودة أصلا في الدستور، فسرتها المحكمة الدستورية، التي تشكلت الوزارات السابقة وفقها، بل لم يتم التوصل إلى تشكيلها لعدم اتفاق الأطراف في ما بينها. فقام رئيس الجمهورية بترشيح شخصية غير برلمانية وغير مرشحة في الانتخابات، هو عادل عبد المهدي، اختيرت بتوافق أميركي – إيراني، لتشكيل حكومة الاحتلال السابعة. وحالما تمت تسميته، امتنع عن تلقي التهاني، ما عدا من السفير الإيراني. تبعت ذلك حملة علاقات عامة تستهدف الشباب والخريجيين العاطلين من العمل، فأنشأ موقعا إلكترونيا ليتقدم المواطنون العراقيون عبره لمدة يومين فقط إلى وظائف الوزارات في حكومته المقبلة، وهذا اعتراف صريح بعدم جدوى الانتخابات التي جرت، وأهمية من فاز فيها، وأن لا علاقه لها بمن يتم تعيينه، سواء لمنصب رئيس الوزراء أو للمناصب الوزارية الأخرى.
جرى في الانتخابات النيابية أخيرا كثير من التزوير وشراء الأصوات، وخروقات أخرى متنوعة، ولم يتم اختيار الفائز بالانتخابات لكي يشكل الحكومة، بل تم اختيار شخصية أخرى، كما حدث مع إياد علاوي ونوري المالكي وحيدر العبادي، واليوم مع كتلة "سائرون" التي أبعدت لصالح عادل عبد المهدي. قيل إن هذه الحكومة ستكون حكومة تغيير وخدمات وإصلاح، لا تعتمد الطائفية، وتختلف عن حكومات العملية السياسية الأخرى، كما سبق أن قيل عن حكومة العبادي التي وصفت بالإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، والتي لم تمس أيا من الفاسدين والفساد طوال أربع سنوات، ولو بخطوات وإجراءات بسيطة.
تبدو أولى إجراءات رئيس الوزراء الجديد حملة علاقات عامة أكثر من أي شيء آخر، مثل
إنشاء موقع إلكتروني يتيح للمواطنين العراقيين الراغبيين بتقديم طلباتهم لشغل الوزارات في حكومته، واستقبال هشام الذهبي المعروف لدى العراقيين بأنه "الشخص الوحيد" الذي له الحق بتشكيل جمعية لخدمة أطفال الشوارع في بغداد، وتناقش معه حول رؤيته لبرنامج الخدمات التي يمكن تقديمها! لكن أول سؤال يطرح في مثل هذا الشأن هو: وماذا عن الفائزين في الانتخابات؟ وإذا أراد عبد المهدي أن يطعم طاقمه الوزاري من خارج أحزاب العملية السياسية، فهل هذا الموقع هو الطريقة الأسلم لاختيار وزراء لحكومة تغيير مختلفة عن باقي الحكومات، كما يروج؟ هل يجهل عبد المهدي كفاءات ونخبا يمتلئ بها العراق، لا يجدون عملا بسبب المحاصصة الطائفية وهيمنتها على وظائف الدولة، صغيرها وكبيرها؟ لقد اعتبر عراقي من خيرة نخب مدينة البصرة هذه الحملة ضحكا واستهزاءً بالآخر، وبادر إلى القيام بعملية حسابية لكيفية فرز الطلبات التي تجاوزت 36 ألف طلب، متحدثا بمرارة عن معاناة الشعب العراقي، وخصوصا في مدينته، وعن مناورات أحزاب مستعمرة المنطقة الخضراء وشخصياتها في حصر السلطة بهم، مستهجنا طريقة اختيار الوزراء بهذا الشكل.
كما أن نقل عبد المهدي إلى مقره من المنطقة الخضراء إلى قرب مقر آخر قرب المجلس الوطني هو إجراء شكلي، لا يمكن بأي حال تفسيره من باب التغيير الحقيقي، فأحزاب العملية السياسية التي أخرست ليتم تعيينه، عادت لتضغط مطالبةً بالحقائب الوزارية السيادية التي ترغب بها، وهي استحقاقاتٌ لا يمكن تجاوزها، بل حتى إعطاء حقائب وزارية خدمية إلى أشخاص ممن لا ينتمون إلى العملية السياسية لن يأتي بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، وهذه من مطالب الشعب العراقي في احتجاجاته وتظاهراته، إنما سيكون فقط عملية تجميل فاشلة لوجه العملية السياسية القبيح بعدما انكشف للعراقيين كافة.
ما هو أكيد أن رئيس الوزراء سيتحرّك للقيام ببعض الإصلاحات، كما طلب السفير البريطاني في أثناء الانتخابات، حيث أشار على العبادي بضرورة تنفيذ الحكومة المقبلة مشاريع خدمية للمواطنين العراقيين، وزار وفد من الاتحاد الأوروبي مدينة البصرة، وقابل محافظها، وتبرّع بمبلغ مائة مليون يورو لتأهيل الشباب العاطل الذي خرج في تظاهرات، فهل تكفي هذه الفتات التي تقدّمها سفارات المحتلين المشاركة بتدمير العراق لإنقاذه وإصلاح الخراب الشامل وتفكيك دولته؟
كيف سيصدّق العراقيون الحكومة الجديدة، وقد بدأت بالتوافق الأميركي – الإيراني نفسه على
شخصية رئيس الوزراء مهندس تسليم الثروة النفطية والغازية للشركات الأجنبية الكبرى، بحجة رغبة المجتمع المدني ومجموعة كبيرة من الشباب الذين جمعهم عبد الهادي، ليفرق الجريمة، ودفع لهم ليكونوا لوبيّاً لهذه العملية وللشركات الأجنبية "لإقناع" برلمان المنطقة الخضراء بتمرير قانون النفط (وهل هناك برلماني ضد التصويت على هذا القانون؟) بصمت، ومن دون علم الشعب العراقي، أم أن العملية برمتها هي توزيع الجريمة على قبائل البرلمانيين. لقد أنجز رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة أخطر وأكبر خدمة للاحتلال الأميركي، وقدم منتهى فروض الطاعة والخضوع للشركات الغربية.
ومثلما أحكم المحتل الأميركي كتابة دستور العراق، ليخنق به أي محاولة لتغيير ما حصل على الأرض بعد الغزو في 2003، فهذه الحكومة وسابقاتها هي أيضا سلاسل محكمة يكبل بها العراق وشعبه، لكي لا يفلت من قبضته. ستكون حكومة الاحتلال السابعة ربما أخطر الحكومات العراقية على الشعب والبلد، لأن أهم مهماتها إبقاء العمل بمخططات الاحتلال الأميركي - الأطلسي للوصول إلى إخضاع العراق بشكل كامل، وتقاسمه حصصا بين الدول المشاركة في تدميره، وإفساد نسيج شعبه، القائم منذ خمسة عشر عاما، وتهجير أكبر عدد منه. ولا يكفي أبناء الشعب العراقي انكشاف عورة العملية السياسية وحكومتها الجديدة وانفضاح أمرها، بل إن الاستمرار بمقاومتها بشتى الأساليب، لقطع الطريق على خططها وخطط سادتها هو السبيل الوحيد لاسترجاع العراق مستقلا، موحدا، ديمقراطيا، ينهض بسواعد أبنائه الغيارى.
جرى في الانتخابات النيابية أخيرا كثير من التزوير وشراء الأصوات، وخروقات أخرى متنوعة، ولم يتم اختيار الفائز بالانتخابات لكي يشكل الحكومة، بل تم اختيار شخصية أخرى، كما حدث مع إياد علاوي ونوري المالكي وحيدر العبادي، واليوم مع كتلة "سائرون" التي أبعدت لصالح عادل عبد المهدي. قيل إن هذه الحكومة ستكون حكومة تغيير وخدمات وإصلاح، لا تعتمد الطائفية، وتختلف عن حكومات العملية السياسية الأخرى، كما سبق أن قيل عن حكومة العبادي التي وصفت بالإصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين، والتي لم تمس أيا من الفاسدين والفساد طوال أربع سنوات، ولو بخطوات وإجراءات بسيطة.
تبدو أولى إجراءات رئيس الوزراء الجديد حملة علاقات عامة أكثر من أي شيء آخر، مثل
كما أن نقل عبد المهدي إلى مقره من المنطقة الخضراء إلى قرب مقر آخر قرب المجلس الوطني هو إجراء شكلي، لا يمكن بأي حال تفسيره من باب التغيير الحقيقي، فأحزاب العملية السياسية التي أخرست ليتم تعيينه، عادت لتضغط مطالبةً بالحقائب الوزارية السيادية التي ترغب بها، وهي استحقاقاتٌ لا يمكن تجاوزها، بل حتى إعطاء حقائب وزارية خدمية إلى أشخاص ممن لا ينتمون إلى العملية السياسية لن يأتي بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، وهذه من مطالب الشعب العراقي في احتجاجاته وتظاهراته، إنما سيكون فقط عملية تجميل فاشلة لوجه العملية السياسية القبيح بعدما انكشف للعراقيين كافة.
ما هو أكيد أن رئيس الوزراء سيتحرّك للقيام ببعض الإصلاحات، كما طلب السفير البريطاني في أثناء الانتخابات، حيث أشار على العبادي بضرورة تنفيذ الحكومة المقبلة مشاريع خدمية للمواطنين العراقيين، وزار وفد من الاتحاد الأوروبي مدينة البصرة، وقابل محافظها، وتبرّع بمبلغ مائة مليون يورو لتأهيل الشباب العاطل الذي خرج في تظاهرات، فهل تكفي هذه الفتات التي تقدّمها سفارات المحتلين المشاركة بتدمير العراق لإنقاذه وإصلاح الخراب الشامل وتفكيك دولته؟
كيف سيصدّق العراقيون الحكومة الجديدة، وقد بدأت بالتوافق الأميركي – الإيراني نفسه على
ومثلما أحكم المحتل الأميركي كتابة دستور العراق، ليخنق به أي محاولة لتغيير ما حصل على الأرض بعد الغزو في 2003، فهذه الحكومة وسابقاتها هي أيضا سلاسل محكمة يكبل بها العراق وشعبه، لكي لا يفلت من قبضته. ستكون حكومة الاحتلال السابعة ربما أخطر الحكومات العراقية على الشعب والبلد، لأن أهم مهماتها إبقاء العمل بمخططات الاحتلال الأميركي - الأطلسي للوصول إلى إخضاع العراق بشكل كامل، وتقاسمه حصصا بين الدول المشاركة في تدميره، وإفساد نسيج شعبه، القائم منذ خمسة عشر عاما، وتهجير أكبر عدد منه. ولا يكفي أبناء الشعب العراقي انكشاف عورة العملية السياسية وحكومتها الجديدة وانفضاح أمرها، بل إن الاستمرار بمقاومتها بشتى الأساليب، لقطع الطريق على خططها وخطط سادتها هو السبيل الوحيد لاسترجاع العراق مستقلا، موحدا، ديمقراطيا، ينهض بسواعد أبنائه الغيارى.
مقالات أخرى
27 سبتمبر 2024
02 سبتمبر 2024
16 اغسطس 2024