مع طيّ صفحة تنظيم "داعش" في الموصل وست مدن أخرى في الشمال العراقي وخسارة التنظيم أكثر من 90 في المائة من مناطق سيطرته غرب البلاد، واقتراب موعد الانتخابات المحلية برزت الأسبوع الحالي خلافات حادة بين رئيس الوزراء حيدر العبادي، وزعيمي مليشيا "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس وهادي العامري.
في هذا السياق، أكد مسؤولون حكوميون وقيادات سياسية بارزة في البلاد، أن "الخلاف الحالي هو الأكثر حدة منذ نحو ثلاث سنوات بين الجانبين. وذلك لتمسك كل طرف منهم برأيه إلا أن مصادر مقربة من دائرة صنع القرار في مليشيا الحشد تشير إلى أن كل الأسباب التي سربت حول أصل الخلاف ثانوية، والأصل هو انعدام الثقة وشعور الحشد الشعبي أن هناك مخططاً أميركياً بخصوصهم تجاوب معه رئيس الوزراء أخيراً، يقضي بحل المليشيا نهائياً بعد استقرار الأوضاع في العراق، وتحويل الراغبين منهم إلى سلكي الجيش والشرطة ومنح آخرين مرتبات تقاعدية. وهو ما ترفضه قيادة الحشد الشعبي، وتعتبر نفسها كيانا باقيا داخل العراق، وتعمل كمؤسسة مستقلة عن الجيش العراقي، وبالتالي فهي الرغبة الإيرانية نفسها التي كشف عنها قيادات وجنرالات في الحرس الثوري الإيراني، الذي يعتبر الداعم الأول لتلك المليشيات تمويلاً وتدريباً وتأهيلها".
وكشف وزير عراقي لـ"العربي الجديد"، بأن "العبادي لوّح بإقالة هادي العامري من الحشد الشعبي، ورفع دعوى قضائية ضده بتهمة النيل من الدولة وتشويه صورة الحكومة، إثر تصريحات للأخير قال فيها إن العبادي يلعب مع الحشد لعبة القط والفأر، ويضع فيتو على مشاركة الحشد الشعبي في معارك، ويسمح له بمعارك أخرى، ملمّحاً إلى أن العبادي يمشي وفق أجندة أميركية". وأشار الوزير إلى أن "مسألة إجراء تغييرات في هرم قيادة المليشيا وارد جداً، خصوصاً أن العبادي يمتلك الحق بذلك، بعد إقرار البرلمان قانون الحشد الشعبي الذي حوله لهيئة بذاتها ترتبط برئيس الوزراء كقائد أعلى له".
مسؤولون سياسيون في بغداد أفادوا لـ"العربي الجديد"، أن "ملفات الخلاف كثيرة ومتعددة، لكن أبرزها معارضة رئيس الوزراء حتى يوم الأربعاء الماضي مشاركة الحشد الشعبي في معركة تلعفر المرتقبة، بعد أيام بسبب تركيبتها الطائفية والقومية (التركمانية). وكذلك رفض العبادي طلب تخصيص نسبة من مخصصات تسليح الجيش العراقي لصالح مليشيات الحشد، ورفضه زيادة أعداد المليشيات لأكثر من 76 ألف عنصر رسمي مسجل ضمن فصائل الحشد الشعبي، إضافة إلى ملف انتقال المليشيا إلى سورية للقتال هناك بجانب نظام بشار الأسد، وسحب المليشيات من المدن التي يسيطر عليها الجيش والشرطة وعلى رأسها بغداد، عوضاً عن منع فتح مكاتب لها داخل المناطق والأحياء السكنية".
وبحسب قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم، فإن "إيران لم تتدخل حتى الآن بالخلاف الحاصل كوسيط، بل اكتفت بدعم مواقف زعيمي الحشد الشعبي في الأزمة". وبيّن أن "هناك جهودا كبيرة تبذلها وساطات عراقية لوقف الشحن بين الجانبين، تحديداً الإعلامي، مع بدء تصاعد نبرة قيادات الحشد ضد الحكومة. كما تم تفعيل ما يعرف بالجيوش الإلكترونية بين كلا الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي".
وذكر بأن "الحشد الشعبي صار على قناعة بأن رئيس الوزراء يملك وجهين في التعامل معه، أحدهما أميركي، لا يريد للحشد الاستمرار في البقاء، بل تفكيكه بعد القضاء على داعش نهائياً، وهو ما ترفضه طهران قبل أن ترفضه قيادات الحشد الشعبي".
وبدت تصريحات رئيس الوزراء واضحة في الرد على تصعيد "الحشد"، مشدّداً في معرض حديثه الأسبوعي عن تلعفر وملف تحريرها، على أنه "وجّه الحشد الشعبي قبل أربعة أشهر، بتحرير المناطق المحيطة بتلعفر، وانتظار الأوامر لكن قادة الحشد اختاروا الذهاب في طريق آخر نحو الحدود مع سورية، ومحاولته بسط نفوذه على مساحات واسعة هناك".
وتابع "أنا أعرف لماذا لم تتحرك قيادات الحشد على هذا المحور، وعندما أبلغتهم بأنني أعرف التزموا الصمت، وذهبوا باتجاه آخر"، في إشارة من رئيس الوزراء إلى معرفته بخطة الحشد الأساسية، وهي الوصول إلى حدود العراق مع سورية لتأمين طريق بري، يصل إيران بالبحر المتوسط عبر الأراضي العراقية.
وهو ما دفع نائب زعيم "الحشد" هادي العامري إلى الردّ بعد ساعات على تصريحات رئيس الوزراء، بالقول إن "رئيس الوزراء يكيل بمكيالين في التعامل مع الحشد الشعبي وأوامره تستنزف قواتنا في مناطق القتال".
وحول ذلك أفاد العضو البارز في مليشيا "الحشد" حسين المياحي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأن "الحشد وصل إلى قناعة بأنه لا يمكن الوثوق برئيس الوزراء بشكل مطلق وتحركاته مع الحشد غير مريحة، ونخشى أنه اتفق مع الأميركيين على خطة ما تؤدي إلى ضياع حقوقنا والدماء التي قدمناها".
وأضاف أنه "بالنسبة لنا فالحشد خط أحمر، ولن نسمح بتفكيكه أو ركنه، وسيبقى مؤسسة عسكرية قائمة بحد ذاتها مثل تجارب كثيرة في دول العالم. وأستغرب وضعنا مع الحرس الثوري والقول إنه نسخة منه وترك تجربة جيوش الاحتياط في دول غربية مختلفة". وبيّن أن "العبادي في حال فكر التحايل على الحشد فستكون نهاية مستقبله السياسي بالتأكيد".
إلا أن مستشاراً رفيعاً في الحكومة العراقية قال لـ"العربي الجديد" إن "الخلاف ليس مع الحشد الشعبي، بل مع بضعة قادة فيه يغلبون مصالح أخرى على مصالح العراق". ولفت إلى أن "قادة الحشد يرفضون كثيرا من الأوامر، ويحاولون الاستقلال بقرارهم داخل العراق، ورئيس الحكومة أبلغهم بوقف الاعتقالات والتصرف كدولة داخل دولة، وهناك معتقلون لديهم يجب أن يتم تسليمهم إلى الحكومة، لكنهم يرفضون، كما أن مسألة تكرار التجاوز على أفراد وقيادات الجيش العراقي والشرطة من قبل الحشد باتت مسألة غير مقبولة بالمرة".
وحول ما إذا كانت الأزمة ستزداد حدة، قال "لن يكون هناك خوف، وأكثر شيء يمكن اتخاذه، هو إقالة الذين يسببون المشاكل من هيئة الحشد الشعبي، مثل العامري والمهندس، وهو أمر دستوري بموجب القانون الذي أقرّ أخيراً بالبرلمان".
ونقلت مواقع عراقية محلية عن مصادر في مجلس الوزراء قولها إن "الأزمة الحالية بين العبادي والحشد الشعبي، تعتبر من ضمن أجواء التنافس الانتخابي المبكر داخل الخارطة السياسية الشيعية، خصوصا أن نحو 50 في المائة من أفراد المليشيا باتوا بلا قتال، بعد تحرير أغلب مدن العراق، لذا من المحتمل أن تزيد مشاكلهم أكثر".