شهدت المواجهات العسكرية بين القوات العراقية، مدعومة بمليشيات الحشد الشعبي وطيران التحالف الدولي من جهة، وبين تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة أخرى، تعثراً ميدانياً في المحورين الشمالي والغربي، بموازاة تكثيف طيران التحالف الدولي ضرباته الجوية، وبواقع 65 غارة في أقلّ من يومين، تركّزت معظمها على غرب الأنبار وجنوب الموصل والشريط الحدودي العراقي السوري. ويترافق ذلك مع حديث عن نية للجيش الأميركي، في تنفيذ سلسلة عمليات إنزال في مناطق عدة بالعراق.
في هذا السياق، تفيد مصادر عسكرية عراقية بأن "الفتور في المعارك ناجم عن مشاكل لوجستية، أبرزها صعوبة اكتشاف الألغام والمنازل المفخخة وكمائن داعش على مشارف بلدة القيارة (60 كيلومتراً جنوب الموصل)، التي خلّفت حتى الآن أكثر من 80 قتيلاً من الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، وأُصيب نحو 100 آخرين". وهو ما بدا واضحاً من تراجع تصريحات القادة العسكريين التي أطلقوها الأسبوع الماضي، المبشرة بقرب "استعادة السيطرة على القيارة خلال أيام"، حسبما أعلن قائد المحور الغربي العقيد فاضل أحمد، أمس الجمعة، مشدّداً على أن "العمليات العسكرية لا يمكن أن تحدد بزمن، فاقتحام المدينة مرهون بعوامل عدة على الأرض".
يضاف إلى ذلك المشاكل السياسية في بغداد، المتعلقة بأزمة سحب الثقة من وزير الدفاع خالد العبيدي، التي تطالب بها كتل سياسية داخل البرلمان العراقي، فضلاً عن التوتر بين بغداد وأربيل، لمطالبة الأولى بانسحاب البيشمركة من المناطق التي حررتها، وتسليمها للجيش العراقي، وهو ما يرفضه إقليم كردستان بشدة.
وبحسب قادة عسكريين بالجيش، فقد توقفت العمليات العسكرية بشكل مؤقت، ضمن قاطع عمليات أعالي الفرات، باتجاه الحدود السورية، في الوقت الذي تراوح القوات العراقية النظامية ومليشيا الحشد مكانها، بمعارك جزيرة الخالدية، وسط خسائر كبيرة تعرّضت لها بسبب الهجمات الانتحارية التي نفّذها "داعش"، في البو كنعان والسدة.
في محور القيارة، جنوب الموصل، هدأت المعارك قليلاً لليوم الثاني، باستثناء القصف المتقطع بواسطة قذائف الهاون والصواريخ الموجهة. وأكدت مصادر محلية، أن "نحو 40 قتيلاً من التنظيم، سقطوا خلال الغارات التي نفذتها طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة". كما راح ضحية القصف 16 مدنياً أيضاً، بينهم ثلاثة أطفال ووالدتهم.
في غضون ذلك، كشفت مصادر عراقية في أربيل عن أن الجيش الأميركي يستعد لتنفيذ سلسلة عمليات إنزال جديدة في العراق، بالاشتراك مع قوات كردية خاصة، بعد توقف دام أشهراً عدة لأسباب مجهولة. وبحسب مصادر رفيعة في غرفة التنسيق المشترك لقوات التحالف الدولي، فإن عمليات الإنزال ستشمل مناطق في شمال العراق وغربه. وتؤكد المصادر أن "وحدة كردية خاصة تم تدريبها على يد الأميركيين، ستنفّذ المهمة مع الفرقة 101 الأميركية المتواجدة في الجزء الشمالي من البلاد".
في هذه الأثناء، أعلنت خلية الإعلام الحربي، الناطقة باسم قيادة العمليات المشتركة، أن "طائرات القوة الجوية العراقية، ألقت كميات كبيرة من المنشورات على مناطق الشرقاط والحويجة والقيارة ومحيطها، تحث فيها المواطنين على الابتعاد عن المناطق التي ينتشر فيها عناصر داعش، وأنها باتت أهداف لطائرات الجيش العراقي".
وأضاف البيان أن "على المواطنين التعاون مع القوات العسكرية، من خلال الالتزام بالتعليمات عن الطرق الآمنة، للتقدم باتجاه القطعات وأصحاب المستمسكات الأصولية (المستندات والأوراق الثبوتية) لإثبات الهوية عند الوصول إلى المناطق التي تحددها القطعات الأمنية".
وتأتي تحذيرات القوى الأمنية للمدنيين، في الوقت الذي طالبت فيه مجموعة من شيوخ عشائر مدينة الحويجة، سلطات إقليم كردستان بالسماح بدخول العائلات النازحة من الحويجة إلى مدن كركوك وأربيل، بعد تمكنها من الهرب من المدينة.
وحول سير العمليات العسكرية في مناطق جنوب الموصل، أعلنت قيادة التحالف الدولي، في بيان لها، أن "طائراتها نفّذت في الساعات الماضية طلعات جوية، من بينها أربع طلعات قرب مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى". وأضاف أن "الطلعات التي وقعت قرب الموصل، استهدفت ثلاثة مواقع لداعش، نجم عنها تدمير 38 صهريجاً للنفط، كان يستخدمها التنظيم إضافة إلى خمس عجلات وستة مناطق تجمّع لعناصر التنظيم". ولم يتطرّق إلى حصيلة القتلى الذين سقطوا في هذه الضربات الجوية.
من جهته، أعلن القيادي في اتحاد القوى العراقية، خالد المفرجي، أن "الحكومة العراقية تتجه حالياً للبدء بعملية عسكرية تهدف إلى تحرير الحويجة التابعة لمحافظة كركوك من قبضة داعش". وأضاف أن "رئيس الوزراء حيدر العبادي، أكد لقادة تحالف القوى أن المعركة المقبلة للقوات العراقية، هي معركة تحرير قضاء الحويجة"، لافتاً إلى أن "العبادي أبلغني أن الخطط العسكرية تغيّرت، وقد وضعنا خطة عسكرية تتمثل بالتوجه مباشرة إلى قضاء الحويجة".
وانتقد المفرجي في الوقت عينه تجاهل الحكومة لمعاناة أهالي القضاء، الخاضع حالياً لسيطرة "داعش"، منوّهاً إلى أن "الحكومة ليست لديها خطة حول التعامل مع آلاف النازحين من المدن التي تشهد عمليات عسكرية ضد داعش".
يذكر أن تصريحات العبادي بشأن معركة الحويجة، تأتي عقب الدعوات العديدة التي أطلقتها شخصيات وقوى سياسية، دعت فيها الحكومة العراقية وقيادة التحالف الدولي، إلى التعجيل ببدء عملية عسكرية للسيطرة على قضاء الحويجة، نظراً لما يتعرض له سكانها من أوضاع انسانية صعبة للغاية.
وكانت مصادر أمنية قد أفادت يوم الخميس عن مقتل 13 نازحاً من أهالي الحويجة والشرقاط وجرح عشرات آخرين، بهجوم بقذائف الهاون نفذه عناصر "داعش"، استهدف مركزاً لاستقبال النازحين في معمل الأسمدة الواقع شمال مدينة بيجي.