يتفاقم غياب العشرات من أعضاء مجلس النواب العراقي عن جلسات البرلمان، وحتى عن جمهورهم وعن وسائل الإعلام، منهم جُدد فازوا في الانتخابات التي أجريت في مايو/أيار الماضي، ومنهم من المخضرمين الذين يمثلون قيادات الصف الأول للأحزاب السياسية، وأبرزهم نوري المالكي وحيدر العبادي وأسامة النجيفي وإياد علاوي وغيرهم، حتى إن بعض هؤلاء لم يؤدِ اليمين الدستورية أصلاً، التي تمثل بداية الانطلاق بالعمل التشريعي والرقابي، وهو وظيفة البرلمان. ويحدث أكثر من ذلك، إذ إن غالبية النواب لا يتواصلون مع ممثليهم من المواطنين ممن انتخبوهم لعضوية المجلس، في حين أغلق كثيرٌ منهم هواتفهم بعد الفوز بالمقعد البرلماني، ولم يعد لهم أثر، وصارت بينهم وبين ناخبيهم فواصل وحواجز وحرس.
يضم البرلمان العراقي 329 عضواً، من أحزاب سياسية متعددة. وبحسب النظام الداخلي للبرلمان، فإن حضور الجلسات واجب وطني ووظيفي، إلا أن غالبية الجلسات التي يشهدها المجلس الحالي والذي سبقه، لم يصل الحضور فيها إلى 300 عضو، حتى خلال الجلسات الأولى للدورة الرابعة، وهي الحالية، التي شهدت التصويت على المرشحين للوزارات في حكومة عادل عبد المهدي، فلم تتعدَ المشاركة فيها 290 نائباً، ما يشير إلى غياب متعمد من نواب يعتقدون أنهم أكبر شأناً من البرلمان. أما في الجلسات الاعتيادية التي تتضمن التصويت على قرارات عادية، فلا يتعدى الحضور الـ190 نائباً، أي أن نحو نصف النواب يمتنعون عن الحضور، مع تقاعس في اتخاذ إجراءات قانونية من قبل رئاسة البرلمان، المخوّلة بتنبيه النائب الغائب ثم تحذيره ثم معاقبته، وصولاً إلى إسقاط عضويته إذا تطلب الأمر.
وقال مصدر من الدائرة الإعلامية في مجلس النواب، لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من النواب لا يعرفون بعضهم، ومنهم من فاز بعضوية المجلس وتوارى عن الأنظار، كما في الدورات السابقة، إذ كان هناك نائب يسكن في دبي، جاء مرة واحدة إلى البرلمان من أجل تأدية اليمين الدستورية واختفى بعدها، والحال نفسه في الدورة الحالية"، مشيراً إلى أن "أسامة النجيفي مثلاً يعتقد أنه أكبر من مجلس النواب وأرفع شأناً من أن يجلس مع غيره من السياسيين الجدد وأعضاء الأحزاب الفتية".
وأكد المصدر أن "أكثر من عشرة نواب لم يؤدوا اليمين الدستورية لغاية الآن، بعد مرور أشهرٍ على بدء عمل البرلمان، ومنهم نوري المالكي وحيدر العبادي، وقيادات أخرى مثل إياد علاوي، الذي يرفض حتى تنبيهات رئاسة المجلس والخطابات الشخصية والاتصالات من قبل الدائرة الإعلامية"، مشيراً إلى أن "رئاسة المجلس تتعامل بانتقائية في توجيه التحذيرات للمتغيبين، إذ إن الحلبوسي يتحاشى تحذير المالكي من الاستمرار في الغياب، إلا أنه قوي على إياد علاوي وبعض النواب من الأحزاب التي لا تمثّل خطراً سياسياً على حزب الحلبوسي".
واعتبر الدراجي أن "غيابات النواب ساهمت كثيراً في إهمال العديد من الملفات والقوانين التي كان من المفترض أن يصوّت عليها مجلس النواب، وليست مبالغة إن قلت إن مئات المواضيع التي كانت جاهزة من أجل المناقشة ثم تمريرها لخدمة المواطنين تم تعطيلها لفترات بسبب غياب النواب، إلى أن اضطرت الرئاسة إلى إخفائها وفتح غيرها".
من جهته، أشار عضو تيار "الحكمة"، محمد اللكاش، إلى وجود "مساحة فارغة واسعة بين النائب والمواطن الذي انتخبه، وهذه المساحة لم يتمكّن إلا عدد قليل من النواب من إزالتها، إذ إن غالبية النواب ما أن يصلوا إلى البرلمان حتى يغلقوا هواتفهم القديمة ويستبدلونها بجديدة، ولا توجد فقرة في القانون تؤازر المواطن على حساب النائب". وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي يتضمن فقرة مهمة، وهي تشرح كيفية دوام النائب وتنسيق وقته بين جلسات البرلمان والتواصل مع دائرته الانتخابية، وهي أن يحضر النائب لمدة أسبوع جلسات البرلمان، والأسبوع الثاني يجتمع مع مجتمعه الذي انتخبه، ولكن هذا الأمر لا يحصل، فلا النائب يحضر للبرلمان ولا يتواصل مع أهله وناسه".
إلى ذلك، قال المراقب للشأن المحلي العراقي، محمد عماد، إن "النظام الداخلي للبرلمان العراقي لا يتضمن أي مادة تمنع النائب من إغلاق هاتفه الشخصي، خصوصاً في أيام العطل الرسمية لعمل مجلس النواب، لكن يجب على النائب أن يتواصل مع من يمثلهم في مناطقهم ومحافظاتهم أثناء أيام العطلة، وهذا ما وجّهت به رئاسة مجلس النواب في أول جلسة، لكن نرى أن الكثير من النواب يقضون عطلهم خارج العراق". لافتاً، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن "هناك نواباً فضائيين، فهم غير معروفين لنظرائهم ولا حتى المواطنين، كما أنهم لا يظهرون في الإعلام، فيما الذين يتواصلون مع الإعلام العراقي ليسوا أكثر من 20 في المائة من العدد الكلي، وهذا يدل على أن الكثير من أعضاء مجلس النواب غير جاهزين لإبداء رأيهم أو مواجهة الناس".