يعتزم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، التوجه إلى العاصمة الصينية بكين، نهاية مارس/آذار الجاري، على رأس وفد وزاري واستشاري هو الأكبر من نوعه منذ تسلّمه مهام رئاسة الوزراء قبل نحو عام، فيما أكدت مصادر مطلعة أن الزيارة ستتطرق إلى قضايا اقتصادية بالأساس، على رأسها بيع النفط للصين، في مقابل دخولها في مشاريع الإعمار والاستثمار في العديد من القطاعات.
وقال مسؤول رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الزيارة ستكون بمثابة إعلان تدشين مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع الصين".
وتوقع المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، "إبرام 8 اتفاقيات ضخمة تتعلق بمشاريع في الإسكان والبنى التحتية، لا سيما في المدن المدمرة، وتأهيل مصانع العراق المتوقفة منذ عام 2003، فضلا عن جدولة الديون المترتبة على العراق لصالح الصين، والتي حصل عليها العراق في السنوات الست الماضية وتصل قيمتها الإجمالية مع الفوائد إلى أكثر من مليار دولار".
وأشار إلى رغبة الصين في العمل في مجالات النفط والغاز والإسكان والبنى التحتية، على أن يتم التعامل مع بغداد بنظام الدفع بالآجل، أو إنجاز صيغة تفاهم حول مبيعات النفط الخام إلى بكين، في إطار سداد مستحقات الشركات أو المشاريع التي ستضطلع الصين بها.
وحسب المسؤول فإنه: "في حال نجاح الزيارة وإقرار الاتفاقيات رسمياً، فستكون أهم اتفاقيات شراكة دولية يوقّعها العراق منذ سنوات طويلة، خاصة فيما يتعلق بدخول الشركات الصينية للعراق، الذي سيضمن بدوره أمنها وتسهيل عملها".
وكان السفير الصيني لدى بغداد تشانغ تاو قد قال، في تصريحات نقلتها وكالة السومرية المقربة من الحكومة العراقية في الخامس من مايو/أيار الماضي، إن التبادل التجاري مع العراق بلغ 30 مليار دولار في 2018، وإنه يتطور سنوياً بنسبة 10 في المائة.
وأضاف تاو أن "التعاون مع العراق شمل مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية التي حققت طفرات كبيرة خلال العام الماضي"، مشيرا إلى أن الصين أكبر شريك تجاري للعراق، وكذلك يعتبر العراق ثاني أكبر مورد نفطي للصين، ورابع أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط".
بدوره، وصف غدير العطار، عضو في مجلس الأعمال الوطني العراقي، وهو تكتل اقتصادي غير حكومي ويقدم استشارات غير ملزمة للمؤسسات العراقية المختلفة، زيارة رئيس الوزراء إلى الصين بـ"المهمة جدا" للاقتصاد العراقي، متوقعا أن "تؤسس لمشاريع كبرى بين البلدين، لتكون انطلاقة لثورة اقتصادية مرتقبة في العراق".
وقال العطار: "من المرجح اتفاق عبد المهدي مع الشركات الصينية على مشاريع الطرق وسكك الحديد وتأسيس طرق دولية جديدة تربط العراق بدول الجوار، فضلاً عن إنشاء مدن صناعية كبرى في جميع المحافظات".
وكانت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) قد نقلت، في يونيو/حزيران الماضي، عن وزير النقل عبد الله لعيبي قوله إن "العراق يسعى بشكل جاد للانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق (طريق الحرير)، كونها تهدف إلى تقارب الرؤى بين الدول المشاركة".
وأضاف لعيبي، خلال لقاء مع السفير الصيني لدى بغداد، أن العراق يتمتع بموقع جغرافي يميزه عن باقي الدول، حيث يعدّ حلقة وصل أساسية، يمكن من خلالها تسهيل نشاط نقل البضائع والمسافرين بين الشرق والغرب، مشيرا إلى أن برنامج الحكومة الجديد يؤكد على ضرورة الانفتاح على جميع الدول، خاصة في مجال الاستثمارات والإنشاءات الاقتصادية الكبرى، التي تخص النقل والتجارة والتي تساهم في تعزيز اقتصاد البلد.
وقد وقّعت الحكومة العراقية مع الجانب الصيني نهاية عام 2015 اتفاقيات ومذكرات للتعاون الاقتصادي وللمشاركة في مبادرة طريق الحرير، لكن الأمور لا تزال تسير ببطء شديد حتى اليوم.
واعتبر عضو البرلمان العراقي سلام الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي اقتصادية، لكنها قد تحمل رسائل سياسية أيضا لهذا التوجه المفاجئ نحو الصين".
وقال الشمري: "نحتاج إلى الصين في الوقت الحالي للنهوض بسرعة في مجالات عمرانية واقتصادية عدة، ولدينا مقومات كبيرة لإنجاز أي اتفاق معها، ودخول الصين يعني خلق فرص عمل ضخمة في العراق من شأنها أن تنعكس إيجاباً على مشكلة البطالة والفقر، عدا عن سرعة إنجازهم الأعمال وإمكانية دخولهم وتكيّفهم مع الوضع العراقي".
لكن الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي، سعد الموسوي، وصف الزيارة المقررة بأنها "زيارة مضطر"، موضحا أن "توجه العراق نحو الصين يأتي بعد فشل مؤتمر المانحين الذي عقد في الكويت العام الماضي، وعدم إمكانية إدخال شركات إيرانية للعمل في العراق بشكل واسع بسبب العقوبات الأميركية، عدا عن تعذّر الاتفاق مع شركات تركية رصينة للعمل بالآجل، بينما البلاد تحتاج إلى هذا النوع من المشاريع، لأنها في وضع مالي غير مريح ويتوقع أن يكون العام المقبل أصعب أيضا مع توقعات ارتفاع عجز الموازنة".
وقال الموسوي إن "عبد المهدي قد يستخدم ورقة النفط مقابل الإعمار والتأهيل، وهذا وارد جدا بصيغة أو أخرى".
ويتوقع برلمانيون وصول العجز في موازنة العام المقبل 2020، التي ينتظر بدء مناقشتها خلال أيام، إلى 30 مليار دولار، مقابل 23.3 مليار دولار خلال العام الحالي.