العرب وإيبولا
الحرب العالمية على داعش لا تقل أهميةً عن الحملة العالمية لمكافحة داء إيبولا، فكلاهما خطران يهددان البشرية. وإذا كان العرب، أصلاً وطرفاً وحطباً في الحرب الأولى، فإن الغائب الكبير في الحملة العالمية ضد أخطر داء يهدد البشرية، الآن، هم العرب. هذا الغياب العربي لا يمكن تبريره بأن العرب مشغولون بحروبهم على داعش وأخواتها من جهة، وعلى الحوثيين ومشايعيهم من جهة أخرى، كما لا يمكن تفسيره بأن داء إيبولا يحصد ضحاياه بعيداً عن أرض العرب في أدغال أفريقيا، فالمرض الفتاك انتقل إلى أميركا وأوروبا.
التعاطي العربي الوحيد مع هذا المرض الفتاك كانت فيه نفحة "عنصرية"، عندما حرمت السعودية مسلمي الدول المنكوبة بإيبولا في ليبيريا وغينيا وسيراليون، بدون استثناء، من أداء فريضة الحج، بدعوى حماية الحجاج وحماية مواطنيها من عدوى هذا الوباء. وأخيراً، أعلن المغرب تأجيل تنظيم كأس الأمم الأفريقية التي كانت ستجري فوق أرضه مطلع العام المقبل، خوفاً على سلامة مواطنيه من انتقال عدوى الداء الذي قد يحمله لاعبون أو مشجعون من دول القارة السمراء! وينم الإجراءان، السعودي والمغربي، عن رؤية شوفينية في مواجهة وباء عالمي عابر للقارات والحدود، ويكشفان عن ازدواجية في الخطاب الدبلوماسي لدى المملكتين العربيتين اللتين تتحدثان عن علاقات الصداقة والتعاون التاريخية والدينية بين شعبيهما وشعوب الدول الأفريقية.
من حق الدول العربية، بما فيها السعودية والمغرب، أن تتخذان كل الإجراءات الاحترازية والوقائية لحماية شعبيهما من كل وباء، لكن إقفال الحدود بدون استثناء أمام مواطني دول "شقيقة" فيه حيف كبير لمواطني هذه الدول، عندما يحرمون من حقهم في التنقل الذي تكفله لهم المواثيق الدولية، ويوصمون بالإصابة بداءٍ فتاك فقط، لأنهم ينتمون إلى منطقة جغرافية معينة.
وإلى جانب هذين القرارين المخجلين، السعودي والمغربي، فإن الغياب العربي في الحملة العالمية ضد وباء إيبولا يفضح رياء باقي العرب ونفاقهم. فلا وجود لأيّ دولة عربية، أو أي مؤسسة خيرية أو طبية عربية، رسمية أو أهلية، في التحالف العالمي لمكافحة هذا الداء. ويكشف هذا الغياب الفاضح عن أمرين: نظرة العرب الدونية لغير أبناء جلدتهم، ولغير المسلمين، ونفاق الأنظمة العربية الغنية التي سارعت إلى إعلان مساعداتها الكريمة لدولة غنية مثل أميركا في أثناء إعصار كاثرينا المدمر، وإحجامها عن مد يد المساعدة إلى دول وشعوب فقيرة تصارع داءً فتّاكاً.
هذا "النفاق" العربي الرسمي، لا يجاريه إلا نفاق الأنظمة الغربية التي اكتفت، إلى الآن، بعلاج وإنقاذ مواطنيها، ورصد المعونات الطبية، فيما تركت مهمة الإنقاذ على الأرض المنكوبة للمنظمات العالمية الإنسانية، وأغلب متطوعيها من المواطنين الغربيين الشرفاء ومن الأفارقة من أبناء الدول المصابة.
دولة واحدة في العالم، صغيرة وفقيرة وغير مؤمنة، أعطت النموذج في التضامن الإنساني العالمي ضد هذا الوباء، إنها كوبا الشيوعية التي أرسلت طاقماً طبياً من 165 طبيباً ومساعداً طبياً إلى سيراليون، وسترسل 196 آخرين إلى ليبيريا وغينيا. وبذلك يكون الفريق الطبي الكوبي أكبر فريق عالمي يتوجه لمواجهة إيبولا التي تجاوز عدد ضحاياها 4500 ضحية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يبادر فيها النظام الشيوعي الكوبي إلى إرسال قوافل طبية وإنسانية إلى جميع أنحاء العالم، فحسب جريدة لوموند الفرنسية، فإن عدد هذه القوافل تجاوز 136 ألف قافلة منذ ستينيات القرن الماضي. واليوم، يوجد أكثر من 50 ألف طبيب ومساعد طبي كوبي في مهمات إنسانية في أكثر من 70 دولة، على الرغم من حالة العوز والضائقة الاقتصادية التي تعاني منها شبه الجزيرة الكوبية المحاصرة من أميركا منذ ستينيات القرن الماضي.
النموذج الكوبي في التضامن الإنساني، أصبح مثلاً في العالم، يحظى بتنويه منظمة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وبإشادة المنظمات الإنسانية العالمية، وهو، في جوهره، درس إلى الدول العظمى والغنية التي ترفع شعارات كبيرة، وتعطي الدروس في التضامن والتعاون، لكنها تتراجع عند الامتحانات الكبيرة. أما العرب الذين يحثهم دينهم على التضامن والرأفة بالشعوب الأخرى، فإن حربهم مع داعش أشغلتهم عن العالم. لكن، ألم يكن من الأجدى محاربة داعش بـإيبولا، وتقديم صورة أخرى للإسلام ديناً إنسانياً يحث على التضامن العالمي، ويؤمن بالقيم الإنسانية الكونية، تنسي الغرب والعالم صور "إسلام" جز الرؤوس ورجم النساء حتى الموت في الساحات العامة؟