17 نوفمبر 2019
العرب وحرب إسرائيلية إيرانية
خلص أستاذ علوم الحرب في كلية كينغز كوليج في لندن، البروفيسور لورانس فريدمان، في مقالة سابقة له في "التايمز" البريطانية، إلى أن طهران وتل أبيب تتبادلان الضربات في سورية، لكنهما متفقتان على أن استمرار بشار الأسد في السلطة مصلحة مشتركة لهما. ويرى أنه على الرغم من أن المواجهات ستستمر بين طهران وتل أبيب، إلا أن حرباً شاملة بينهما مستبعدة، وأنهما متفقتان على استمرار قواعد اللعبة، وفقاً لشكلها الحالي غير المباشر. وتدلل على هذا التشخيص شواهد كثيرة، فعلى الرغم من الضربات المتبادلة خلال الأسبوع الماضي، إلا أن الطرفين أكدا على عدم رغبتهما توسيع نطاق المواجهة.
لا تلوح حرب إيرانية إسرائيلية في الأفق، لعدة أسباب، منها أن الدولتين تدركان مخاطر مثل هذه الحرب وصعوبة السيطرة على نطاق شرارتها، كما أنهما تريان في حروب الوكالة، كالتي تدور رحاها في سورية منذ سنوات، وصفة ممتازة، وأقل كلفةً لتحقيق أهدافهما، فحتى هذه اللحظة من يدفع ثمن هذه الحروب المجنونة في المنطقة ليس الإيرانيون ولا الإسرائيليون، بل السوريون واللبنانيون واليمنيون، فالكل يتقاتل في ساحاتنا العربية، والقتلى من العرب.
ولعل قراءة سريعة لطبيعة المواجهات الإيرانية الإسرائيلية على الأرض السورية تؤشر على أن الطرفين قرّرا الاستمرار في سياسة المواجهة غير المباشرة، فتصريحات ليبرمان عن عدم عزم تل أبيب توسيع نطاق الحرب تكشف إدراكا إسرائيلياً لمخاطر اندلاع حرب شاملة، كما أن استمرار طهران في التريث، وربما الصمت، على الرغم من ضرباتها المحدودة التي قيل إنها شنتها ضد أهداف إسرائيلية، يؤشر على عدم رغبتها هي الأخرى في تلك الحرب.
ولعل تطبيل بعض الدول العربية لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي، يعكس جهلا حقيقيا وعجزا عن فهم السياسة الأميركية الجديدة، ويؤشر على استمرار
هذه الدول في تكرار أخطاء الماضي، فهي لم تخلص بعد، على الرغم من كل التحولات في المنطقة إلى إدراك أن واشنطن وتل أبيب لن تخوضا حربا مع طهران من أجل سواد عيون هذه الدول. وأن المقاربة الأميركية اليوم تمضي في الاتجاه نفسه الذي أسسه الرئيس السابق، باراك أوباما، وهو "استراتيجية الانسحاب التدريجي من المنطقة"، فعلى كل من شتم أوباما وهلل لترامب وصواريخه أن يعيد حساباته، فقد رأينا قرار ترمب الانسحاب من سورية بعد أيام من صواريخه، كما أن ترامب الذي هدد رئيس كوريا الشمالية وتوعّده هو اليوم يغرد مدحا وثناء له، ويعُد الأيام شوقا للقائه، فعلى هذه الدول الخليجية أن تدرك أنه وعلى الرغم من إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي، فإن ترامب لن يقدم على غزو إيران وإسقاط نظامها، فهذه أحلام يقظة. ستكتفي واشنطن بالتحريض ومراقبة الحريق وبيع الأسلحة إذا قرّرت الرياض وحلفاؤها الجدد الانزلاق إلى مغامرة غير محسوبة، ستدفع ثمنها دول المنطقة وشعوبها قبل غيرها، ولن تكون في صالح الخليج العربي قبل إيران.
لا يجب أن ينجح "الصهاينة الجدد" في غسل أدمغتنا ومحاولة إقناعنا بأن إسرائيل ليست دولة احتلال وفصل عنصري، وبأنه ينبغي التحالف معها في مواجهة الخطر الإيراني، وعلينا تذكّر أن هذا المشروع الصهيوني نجح في تأسيس دولته الأولى جرّاء الفشل العربي والتخاذل والتآمر. واليوم تعربد تل أبيب في المنطقة، وتؤسس دولتها اليهودية الثانية، نتيجة تعمق هذا الفشل العربي، ورغبة "الصهاينة الجدد" في منطقتنا في الانضمام للمشروع الصهيوني لشعورهم بالعجز أمامه، وانبطاحهم لسيده الأميركي. وفي المقابل، لا يعني هذا أن نقف مع المحتل الإيراني الذي استغل هذا الفشل العربي، وأسّس على مدار السنين الماضية مليشيات طائفية تحتل اليوم أراضي عربية، وتدعم نظما استبدادية، فإيران التي عربدت في بغداد ودمشق وصنعاء جعلت صعبا على المواطن العربي اعتبارها حليفا في مواجهة المشروع الصهيوني، فشلالات الدماء التي أسالتها في سورية والعراق واليمن تجعل التعاطف معها أمرا بالغ الصعوبة.
وعلى الرغم من كل ما ورد أعلاه، وبدلا من التطبيل العربي لعنتريات ترامب البائسة، ينبغي بدء حوار إيراني عربي، يفضي لتجنيب المنطقة كارثة حرب جديدة، كما ينبغي الكفّ عن
استنزاف موارد الأمة وطاقاتها في حروبٍ عبثيةٍ، لن تجلب الأمن والاستقرار، ففي اليمن مثلا، تفيد تقديرات بأن العربية السعودية أنفقت على حربها قرابة 700 مليار دولار، فكم ستنفق الرياض والعرب على تلك الحرب المجنونة لو اندلعت؟ كما أن السؤال المركزي هل أصلا ستبقى مقدّرات مالية للإنفاق منها؟ لا بد لصوت العقل أن يعلو، وتبدأ دول الخليج في إصلاح ذات البين، وتوحيد الصف وإعادة بناء مجلس التعاون الخليجي، وإصلاح جامعة الدول العربية لإحياء ما تبقى من مؤسساتٍ عربية جامعة، فصحيح أن مشروع إيران توسعي يستهدف التغلغل في الإقليم وإحياء إرث الإمبراطورية الفارسية، ولا يتوانى في سبيل ذلك عن استعمال القوتين الناعمة والخشنة، لكنه صحيح أيضا أن غياب مشروع عربي مقابل هو الذي فتح لها الباب على مصراعيه. كما أن من غير الصحيح، بل من المغالطة الفجّة الاعتقاد أن التحالف مع المحتل الإسرائيلي هو ترياق النجاة، فالخيارات الأخرى متاحة وواضحة، وتبدأ من تغيير طريقة التفكير العربية، والخروج من قوقعة الحكمة الساداتية الخاطئة "كل أوراق اللعبة بيد أميركا".
لا تلوح حرب إيرانية إسرائيلية في الأفق، لعدة أسباب، منها أن الدولتين تدركان مخاطر مثل هذه الحرب وصعوبة السيطرة على نطاق شرارتها، كما أنهما تريان في حروب الوكالة، كالتي تدور رحاها في سورية منذ سنوات، وصفة ممتازة، وأقل كلفةً لتحقيق أهدافهما، فحتى هذه اللحظة من يدفع ثمن هذه الحروب المجنونة في المنطقة ليس الإيرانيون ولا الإسرائيليون، بل السوريون واللبنانيون واليمنيون، فالكل يتقاتل في ساحاتنا العربية، والقتلى من العرب.
ولعل قراءة سريعة لطبيعة المواجهات الإيرانية الإسرائيلية على الأرض السورية تؤشر على أن الطرفين قرّرا الاستمرار في سياسة المواجهة غير المباشرة، فتصريحات ليبرمان عن عدم عزم تل أبيب توسيع نطاق الحرب تكشف إدراكا إسرائيلياً لمخاطر اندلاع حرب شاملة، كما أن استمرار طهران في التريث، وربما الصمت، على الرغم من ضرباتها المحدودة التي قيل إنها شنتها ضد أهداف إسرائيلية، يؤشر على عدم رغبتها هي الأخرى في تلك الحرب.
ولعل تطبيل بعض الدول العربية لقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الانسحاب من الاتفاق النووي، يعكس جهلا حقيقيا وعجزا عن فهم السياسة الأميركية الجديدة، ويؤشر على استمرار
لا يجب أن ينجح "الصهاينة الجدد" في غسل أدمغتنا ومحاولة إقناعنا بأن إسرائيل ليست دولة احتلال وفصل عنصري، وبأنه ينبغي التحالف معها في مواجهة الخطر الإيراني، وعلينا تذكّر أن هذا المشروع الصهيوني نجح في تأسيس دولته الأولى جرّاء الفشل العربي والتخاذل والتآمر. واليوم تعربد تل أبيب في المنطقة، وتؤسس دولتها اليهودية الثانية، نتيجة تعمق هذا الفشل العربي، ورغبة "الصهاينة الجدد" في منطقتنا في الانضمام للمشروع الصهيوني لشعورهم بالعجز أمامه، وانبطاحهم لسيده الأميركي. وفي المقابل، لا يعني هذا أن نقف مع المحتل الإيراني الذي استغل هذا الفشل العربي، وأسّس على مدار السنين الماضية مليشيات طائفية تحتل اليوم أراضي عربية، وتدعم نظما استبدادية، فإيران التي عربدت في بغداد ودمشق وصنعاء جعلت صعبا على المواطن العربي اعتبارها حليفا في مواجهة المشروع الصهيوني، فشلالات الدماء التي أسالتها في سورية والعراق واليمن تجعل التعاطف معها أمرا بالغ الصعوبة.
وعلى الرغم من كل ما ورد أعلاه، وبدلا من التطبيل العربي لعنتريات ترامب البائسة، ينبغي بدء حوار إيراني عربي، يفضي لتجنيب المنطقة كارثة حرب جديدة، كما ينبغي الكفّ عن