يقيناً أن عرباً كثراً ينظرون اليوم إلى حالهم ببعض الشفقة، وهم يرون كيف أن رئيس "أكبر دولة"، أميركا، دونالد ترامب، يُجرجر إلى مساءلة قضائية تحت سقف الدستور والقانون، الذي لا يوجد فوقه كبير، على ما وصفت زعيمة الديمقراطيين ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
وبغض النظر عن النتائج التي ستصل إليها أميركا، بمشرعين منتخبين، في ملاحقة رئيس متهم بإساءة استخدام سلطته، للضغط على رئيس أوكرانيا لتجيير فتح تحقيق بالفساد بحق نجل جو بايدن، منافسه المحتمل في انتخابات العام المقبل، فلا بد أن بعض العرب يسأل نفسه: متى يصار عندنا لمحاسبة رؤساء وقادة وأمراء حرب مثل ما يجري عندهم؟ وسواء اختلف أو اتفق العربي مع سياسات أميركا الخارجية، فإن ملاحقة ترامب بهذه الطريقة تستدعي أيضاً أسئلة حول أهمية أن يكون في عالمنا العربي برلمانات حقيقية، وليس برلمانات تنتقيها المخابرات، وظيفتها التصفيق لكل ما يقوله من يصلون إلى مراتب إلهية، وبعضهم عدل دستور بلده في نحو 5 دقائق لتوريث ابن "القائد الخالد"، المتفاخر اليوم في الشام بـ"انتصاره على المؤامرة"، وقد دمر بلده وهجر شعبه وعينه على توريث ابنه "حافظ الثاني" ما ورثه عن أبيه. ليست البرلمانات وحدها المطلوبة في عالم عربي تنهشه مستويات الفساد. فالعقد الاجتماعي والدساتير والقوانين، وقبل ذلك عملية انتقال ديمقراطي حقيقي وتحقيق العدالة الانتقالية والاجتماعية، من بين أشياء أخرى كثيرة، مطلوب تحقيقها في عالمنا، وليس صناديق مهازل الاستفتاءات على من يسمون "قادة".
وإذا كان البعض يُشيع أن ملاحقة ترامب في أميركا وبنيامين نتنياهو وإيهود أولمرت في كيان الاحتلال، واضطرار بعض ساسة الغرب للاستقالة بسبب حوادث وكوارث اعتبروا أنفسهم مقصرين فيها، هي "مجرد ألاعيب تخص ديمقراطيتهم وحدهم"، فحبذا لو تكون لهذه الأمة ديمقراطيتها الخاصة، التي تصل بنا يوماً إلى فتح حساب طويل عن كل الجرائم والإبادة التي ارتكبت، منذ أصبحت دولنا في عهدة حكام على شاكلة هؤلاء الانقلابيين، الذين وصل بهم الأمر إلى حد التنظير على شعوبهم حول فوائد التهجير والمزرعة المتجانسة بمسمى "وطن". هذا عدا نظريات فوائد الرضا الرباني على انتشار الفقر والفساد والنهب والمحسوبيات، بكل صنوفها المدمرة لمعنى أن يكون الإنسان مواطناً في بلد يلفظ أبناءه نحو اغتراب، يعتبر بيته وطنه وما عداه ملكا للحاكم. صحيح أن أميركا شهدت سابقاً محاكمة شبيهة، خصوصاً بحق بيل كلينتون في التاريخ الحديث، بيد أن وصول الأمر إلى ما وصل إليه مع ترامب يختلف أيضاً على الصعيد العربي، ليس فقط بسبب موقف الرجل في محاولة تصفية القضية الفلسطينية، بل لما يمكن أن تؤدي إليه عملية فتح الملفات عن محميات ترامب وتآمرها على العرب أنفسهم في سبيل تعزيز مجتمعات الحكم الديكتاتوري الفاسد.
وقد يخرج البعض ليقول: وهل نقلد الأعداء؟ وقد نسي هؤلاء أن البشر ليسوا عبيداً ولا قطيعاً في مزارع حكام يحكمون بمقولة "للأبد". وما تهديد ترامب بحرب أهلية في بلده سوى تأكيد على الفكرة التي يلتقي فيها العته السياسي الغربي بشبيهه العربي المسمى "زعيماً".