وأعلن والي ولاية شرناق (شرقي البلاد) حظر التجوال في كل من مدينة إيدل وقرية ديرسيك، تزامناً مع سحب المعلمين من المدينة، تمهيداً لشن عملية عسكرية هناك. بينما واصل الجيش التركي توجيه قصف عنيف ضد "الاتحاد الديمقراطي"، من دون جدوى، إذ استمر الأخير بالتقدم، وسيطر، أمس الأول الإثنين، على بلدة تل رفعت وعدد من القرى والبلدات الأخرى المحيطة بها.
تبدو صورة "الاستعداد النفسي" في تركيا لدعم عملية عسكرية في سورية، لناحية موقف الأحزاب والرأي العام، متشابكة. حزبياً، يعرف حكام أنقرة أنّ أي حزب غير كردي لن يتجرأ على اتخاذ موقف معادٍ لعملية تركية في تركيا، على الرغم من أنّ مزاج الرأي العام التركي غير محسوم. ويعود ذلك، إلى مجموعة أسباب تاريخية واجتماعية عنوانها الرئيسي أنّ الرأي العام التركي "محلي جداً" وقلّما يهتم بقضايا ما وراء حدوده. ويخشى تاريخياً، من فوبيا التورط في الحروب منذ كوارث السلطة العثمانية، فضلاً عن هاجس حقيقي ينتابه إزاء الدخول في صراع قد ينعكس داخلياً، نظراً إلى أنّ المجتمع التركي يتألف من "أقلّيتَين" كبيرتين جداً، الأكراد والعلويون (يشكلون مجموعين حوالي 20 مليوناً من أصل 78 مليون تركي). وجزء كبير من الأكراد والعلويين، بطبيعة الحال، يعارضون عملية عسكرية تركية في سورية، أكانت موجهة ضد المقاتلين الأكراد أو ضد النظام السوري، وذلك لأسباب إثنية مذهبية.
دستورياً، ليس هناك عقبة أمام عملية عسكرية تركية في سورية، بما أنّ لدى الحكومة تفويضاً من البرلمان يتم تجديده سنوياً للقيام بعمليات خارج الحدود، والمقصود منه ضمنياً، العراق في قصف "العمال الكردستاني"، ولا مانع من أن تصبح سورية هي وجهة هذا التفويض، بما أنه لا يُحدّد الدولة المقصودة في النص القانوني.
وعلى الرغم من أنّ لا أحد في الداخل التركي، باستثناء حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، يستطيع الاعتراض على أي عملية عسكرية ضد "الكردستاني"، بدت جميع الأحزاب التركية الأخرى، أكثر قرباً لدعم هذا التدخل لحماية حلب، في ظروف تشبه كثيراً التدخل التركي في قبرص 1974 لحماية الأقلية التركية. وجاء ذلك، بأمر حكومة تحالف الإسلاميين والقوميين، ممثلاً بحزب "السلامة القومية" بقيادة نجم الدين أربكان، وحزب "الشعب الجمهوري" بقيادة بولنت أجاويد، على الرغم من اعتراض القوى الأوروبية كبريطانيا وفرنسا وما تلا الغزو من خلافات عميقة داخل حلف الأطلسي.
اقرأ أيضاً الخيار العسكري التركي السعودي: السيناريو اليمني أم الروسي الإيراني؟
وكما كان متوقعاً، وجد زعيم حزب الحركية القومية (يميني قومي متطرف)، دولت بهجلي، بالتقدم الأخير لـ"الاتحاد الديمقراطي" في حلب وسيلة لتوجيه انتقادات شديدة لسياسة الحكومة التركية الخارجية والداخلية. كما انتقد تعاملها مع "العمال الكردستاني" خلال عملية السلام، في ما بدا استمراراً لسياسة المزاودات القومية التي ينتهجها "الحركة القومية" ضد "العدالة والتنمية".
وحثّ بهجلي الحكومة التركية على عدم إعادة خطأ الامتناع عن المشاركة في غزو العراق، لمنع "الكردستاني" من نقل مركزه من جبال قنديل إلى سورية. كما وجه هجوماً شديداً ضد واشنطن لموقفها من "العمال الكردستاني"، متهماً إياها بالتعاون مع موسكو لإنشاء دولة كردستان. ودعا حكومة "العدالة والتنمية" إلى عدم التردد، قائلاً، إن "العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي متساوون. وكان رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو يرسل التحيات إلى مدينة عين العرب، سابقاً، وكانت أساساً للاتحاد الديمقراطي. الآن، يحاول الإرهابيون أن يخلقوا الفتنة بين خط أعزاز وجرابلس، بهدف توحيد كانتوناتهم". وأضاف "يا أميركا، عليك أن تري بأنك لم تلتزمي بما قلت. سنقوم بفعل كل ما يستوجب الحفاظ على الوجود القومي التركي، حكومة العدالة والتنمية لا تخافوهم، إنّ الأمة التركية موحّدة بوجه كل الأعداء".
من جانبه، بدا حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة) ممزقاً بين رأيَين. وبينما أكد زعيمه كمال كلجدار أوغلو، يوم الأحد، أن الحزب ضد أي قرار يدخل تركيا في الحرب، أبدى أحد صقور الجناح القومي في الحزب، زعيمه السابق دينيز بايكال تأييده لضربات المدفعية التركية الموجهة لـ"الاتحاد الديمقراطي". ورداً على حديث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول الخطأ التركي بعدم المشاركة في غزو العراق وتسليمه لإيران، قال كلجدار أوغلو، "كما عارض الشعب الجمهوري غزو العراق، سيبقى ضد أي قرار يدخل تركيا في حرب".
وأيّد بايكل الضربات المدفعية، مؤكداً أن تركيا لها الحق بالتدخل لإبقاء خط أعزاز حلب مفتوحاً، قائلاً "هناك خطة للتسلل نحو حلب من الجنوب. حلب مدينة سنية، هذا ما يقوله التاريخ، وكان لها بصمة في الحضارة الإسلامية، وبحماية الروسي يتم العمل على تسليم المدينة للمليشيات الشيعية وقوات الأسد والقوى النصيرية". وأضاف، "من الآن وصاعداً لن تكون النتائج فقط موجة من اللاجئين، بل مجزرة. نحن نعيش عملية تغيير هوية تاريخية، ولا أرى الحديث عن ضرورة عدم التدخل صحيحاً، ولا يحق لأميركا أن تدير ظهرها لذلك".
في غضون ذلك، بدا كأن الضرب العسكري التركي غير مجد في إيقاف تقدم "الاتحاد" باتجاه حلب، إذ سيطر الأخير، يوم الاثنين، على بلدة تل رفعت وعدد من القرى المحيطة، ليبدأ الحديث عن ضرورة التدخل العسكري البري ولكن بالتعاون مع "الحلفاء الدوليين". الأمر الذي يبدو حتى الآن بعيداً، خصوصاً في ظل التردد الأميركي ـ الأوروبي الواضح.
اقرأ أيضاً: الرياض وأنقرة تواجهان طهران وموسكو... لتحديد مصير الأسد