07 أكتوبر 2024
العنصرية قبحنا في المرآة
بمصادقة مجلس النواب التونسي قبل أقل من أسبوع على قانون تجريم كل أشكال التمييز العنصري، يضاف مكسب تونسي آخر يدعم منظومة حقوق الإنسان. ندرك أن التشريعات وحدها لا تكفي، ولكن إغفال أهمية القانون لا يساعد مطلقا على ضمان التقدّم في هذه المسارات التي يفترض أن تراكم في سياقات انتقالية المدونة التشريعية الحقوقية، وترسخ ثقافتها لاحقا.
تطرح جملة من الأسئلة، عادة تدور حول ما إذا كانت هذه أولوية وطنية، في ظل الإشارة ضمنيا إلى تأثير قوى خارجية ضمن أجندات معينة. علينا ألا ننكر هذه الأسئلة، وهي أسئلة مشروعة بقطع النظر عن خلفيتها ودوافعها. ولكن يظل تعزيز منظومة حقوق الإنسان مطلبا مجتمعيا ملحا، يحصّن المجتمع من أشكال الارتداد والتراجع عن تلك المكتسبات.
ينص الدستور التونسي على جملة حقوق الإنسان، ويضمن المساواة بين جميع المواطنين. ولكن بعض المسائل التي تمت دسترتها تظل في حاجة إلى قوانين تفعلها. لذلك اشتغل مجلس النواب، مند أكثر من سنتين لحماية بعض الفئات الهشّة التي تحتاج عناية قانونية، خصوصا التي تنص على حق الأقليات العرقية والدينية، فضلا عن المهاجرين واللاجئين وغيرهم.
صادق مجلس النواب على هذا القانون الذي سيصبح نافذا حال صدوره بعد أيام، وسط تساؤل: هل تحتاج تونس هذا القانون؟ تعد تونس من أول البلدان التي ألغت العبودية، وكان ذلك تحديدا يوم 23 جانفي (يناير/ كانون الثاني) 1846. كان هذا التاريخ منخرطا في جملةٍ من
الأحداث العظام التي تكفلت بإعادة تشكيل البنى الاجتماعية والذهنية للمجتمع، خصوصا إذا ما استحضرنا أول دستور حديث عرفته تونس، وربما العالم العربي، وهو دستور عهد الأمان الذي مضى عليه أكثر من 170 سنة. اختفت من البلاد جل مظاهر العبودية وأشكالها السافرة على الأقل، وكرّس دستور 1959 مبدأ مساواة المواطنين، فلا يوجد" بدون" مثلا أو أي من أشكال التمييز العنصري بين مواطني البلد الواحد على المستوى التشريعي، وحتى الاجتماعي.
وعلى هذه المكاسب ألا تحجب جملة من الحقائق المؤلمة، إذ علينا أن ننظر إلى وجوهنا كما هي، من دون شتم المرآة التي عادة ما نتهمها بأنها تشوّهنا.
لم تفلح كل تلك الثروات التشريعية في منع تواصل أشكال شتى من العنصرية التي ما زالت متخفية في ممارسات ثقافية واجتماعية، فإذا كانت القوانين الحالية تنص على المساواة بين الموطنين، وضمنيا لا تقيم أي تفاضل على أساس ديني أو عرقي، فإن هذه القوانين لم تنص صراحةً على تجريم التمييز العنصري.
يستحضر نشطاء حقوق الإنسان، وأساسا حقوق الأقليات، ومنهم الجمعيات المدافعة عن مساواة تامة للمواطنين سود البشرة، ممارسات ما زالت تصدر عن أبناء وطنهم من خلال ألفاظ تسري حتى في الخطاب الإعلامي، على غرار التهكم من سود اللون. وتعييرهم لفظيا بدونية لونية، الانتقاء والفرز في المهن والوظائف على أساس اللون بأشكال متخفية ومستترة .. إلخ.
لقد دفعت الثورة إلى أن نرى أسوأ ما فينا جنبا إلى جنب مع أجمل ما فينا، فشجاعة هذا الشعب التونسي وإرادته يجب ألا تحجب أيضا اعتداءات بعض التونسيين على الطلبة الأفارقة واستغلال بعض أصحاب المصحات والنزل الأشقاء الليبيين، والأجانب عموما، فقد تفاقمت الظاهرة مرفوقة بصعود مشاعر الكراهية تجاه الأجانب.
لا يعيد القانون الجديد التنصيص على ما ورد في الدستور، وإنما يجرّم العنصرية. وهذا
يحصل أول مرة، ويحصرها في أفعال معينة، بعيدا عن التعويم، وهي جرائم يومية تطفح بها ممارساتنا الاجتماعية، ولعل في أمثالنا الشعبية ونكتنا ضمنيا. بإصدارها هذا القانون، تحرص الدولة التونسية على ملاءمة قوانينها المتعلقة لمكافحة العنصرية مع المعايير الدولية، وتحديدا الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري. إلى جانب ذلك. تعترف الدولة بظاهرة العنصرية ممارسة اجتماعية مستشرية في المجتمع التونسي، وهي بهذا تتحمل مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية في ذلك. ويشدد القانون عقوباته على مرتكبي جرائم التمييز العنصري، خصوصا إذا كان الضحية طفلا، أو من فئات اجتماعية أو عمرية هشّة.
لا يمكن أن تظل ثورة الكرامة في تونس غافلة عما يجري حاليا من أشكال ظاهرة أو متخفية من العنصرية. ويبرهن إصدار مجلس النواب هذا القانون، بعد أن تم تعطيله مراتٍ لأسباب عديدة يبرهن، مرة أخرى، أن الاعتراف بالعنصرية بوصفها ممارسة اجتماعية مرشحة للانتشار. لذلك نص القانون أيضا على إحداث لجنة وطنية لمكافحة التمييز العنصري تعنى برسم الاستراتيجيات الوطنية، لنشر ثقافة المساواة والتضامن من خلال الرهان على المدرسة، والإعلام خصوصا.
لا يمكن حصر جهود مكافحة العنصرية في مجال التشريعات، على الرغم من أهميتها، لكن الثقافة تظل أهم معاقل التطهير، في تصوراتنا وأفكارنا وتمثلاتنا المتعلقة بالآخر، وخصوصا من يختلفون معنا في اللون أو العرق أو المعتقد.
تطرح جملة من الأسئلة، عادة تدور حول ما إذا كانت هذه أولوية وطنية، في ظل الإشارة ضمنيا إلى تأثير قوى خارجية ضمن أجندات معينة. علينا ألا ننكر هذه الأسئلة، وهي أسئلة مشروعة بقطع النظر عن خلفيتها ودوافعها. ولكن يظل تعزيز منظومة حقوق الإنسان مطلبا مجتمعيا ملحا، يحصّن المجتمع من أشكال الارتداد والتراجع عن تلك المكتسبات.
ينص الدستور التونسي على جملة حقوق الإنسان، ويضمن المساواة بين جميع المواطنين. ولكن بعض المسائل التي تمت دسترتها تظل في حاجة إلى قوانين تفعلها. لذلك اشتغل مجلس النواب، مند أكثر من سنتين لحماية بعض الفئات الهشّة التي تحتاج عناية قانونية، خصوصا التي تنص على حق الأقليات العرقية والدينية، فضلا عن المهاجرين واللاجئين وغيرهم.
صادق مجلس النواب على هذا القانون الذي سيصبح نافذا حال صدوره بعد أيام، وسط تساؤل: هل تحتاج تونس هذا القانون؟ تعد تونس من أول البلدان التي ألغت العبودية، وكان ذلك تحديدا يوم 23 جانفي (يناير/ كانون الثاني) 1846. كان هذا التاريخ منخرطا في جملةٍ من
وعلى هذه المكاسب ألا تحجب جملة من الحقائق المؤلمة، إذ علينا أن ننظر إلى وجوهنا كما هي، من دون شتم المرآة التي عادة ما نتهمها بأنها تشوّهنا.
لم تفلح كل تلك الثروات التشريعية في منع تواصل أشكال شتى من العنصرية التي ما زالت متخفية في ممارسات ثقافية واجتماعية، فإذا كانت القوانين الحالية تنص على المساواة بين الموطنين، وضمنيا لا تقيم أي تفاضل على أساس ديني أو عرقي، فإن هذه القوانين لم تنص صراحةً على تجريم التمييز العنصري.
يستحضر نشطاء حقوق الإنسان، وأساسا حقوق الأقليات، ومنهم الجمعيات المدافعة عن مساواة تامة للمواطنين سود البشرة، ممارسات ما زالت تصدر عن أبناء وطنهم من خلال ألفاظ تسري حتى في الخطاب الإعلامي، على غرار التهكم من سود اللون. وتعييرهم لفظيا بدونية لونية، الانتقاء والفرز في المهن والوظائف على أساس اللون بأشكال متخفية ومستترة .. إلخ.
لقد دفعت الثورة إلى أن نرى أسوأ ما فينا جنبا إلى جنب مع أجمل ما فينا، فشجاعة هذا الشعب التونسي وإرادته يجب ألا تحجب أيضا اعتداءات بعض التونسيين على الطلبة الأفارقة واستغلال بعض أصحاب المصحات والنزل الأشقاء الليبيين، والأجانب عموما، فقد تفاقمت الظاهرة مرفوقة بصعود مشاعر الكراهية تجاه الأجانب.
لا يعيد القانون الجديد التنصيص على ما ورد في الدستور، وإنما يجرّم العنصرية. وهذا
لا يمكن أن تظل ثورة الكرامة في تونس غافلة عما يجري حاليا من أشكال ظاهرة أو متخفية من العنصرية. ويبرهن إصدار مجلس النواب هذا القانون، بعد أن تم تعطيله مراتٍ لأسباب عديدة يبرهن، مرة أخرى، أن الاعتراف بالعنصرية بوصفها ممارسة اجتماعية مرشحة للانتشار. لذلك نص القانون أيضا على إحداث لجنة وطنية لمكافحة التمييز العنصري تعنى برسم الاستراتيجيات الوطنية، لنشر ثقافة المساواة والتضامن من خلال الرهان على المدرسة، والإعلام خصوصا.
لا يمكن حصر جهود مكافحة العنصرية في مجال التشريعات، على الرغم من أهميتها، لكن الثقافة تظل أهم معاقل التطهير، في تصوراتنا وأفكارنا وتمثلاتنا المتعلقة بالآخر، وخصوصا من يختلفون معنا في اللون أو العرق أو المعتقد.