بالترافق مع الأحداث التي شهدتها مدينة عدن، تابعنا كتابات وتنظيرات لبعض العرب، تناقش فكرة عودة اليمن إلى ما قبل توحيد البلاد في العام 1990، وهو الهدف الذي تتبناه الإمارات علناً، وتسعى لفرضه بقوة السلاح، عبر دعم "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي أسسته أبو ظبي في 2017، بالاعتماد على التيار الأكثر تشدداً في ما عُرف بـ"الحراك الجنوبي" المطالب بالانفصال. وبصرف النظر عن تفاصيل الدور الإماراتي المعروف للجميع، والذي بات موثقاً في بيانات الحكومة اليمنية رسمياً، يقفز الداعون إلى تقسيم اليمن على كمية مهولة من حقائق الواقع والتاريخ، والتي تجعل من العودة إلى يمنين، في خانة المستحيل.
أولى حقائق التاريخ والواقع، أن اليمن بلد واحد ونسيج متداخل منذ فجر التاريخ، مهما تعددت السلطات من حقبة لأخرى. كما أن دولتي الشطرين، اللتين ينادي الانفصاليون بعودة إحداهما، انتهتا عملياً بالدخول بوحدة طوعية، منذ ما يقرب من 30 عاماً، وهذه الفترة أكبر من عمر التشطير إلى جنوب وشمال. وإذا كان من الصعب على اليمنيين إعادة الدولة، التي تساقطت منذ العام 2014، وطحنتها الحرب المدمرة خلال السنوات الماضية، فإن الحديث عن إعادة الدولتين يفتقر إلى الكثير مما يؤيده على أرض الواقع، ويتطلب استفتاءً يشارك فيه كل اليمنيين.
القضية الأخرى تتمثل في أن الجنوب اليمني ليس كتلة موحدة، تمتلك من الروابط ما يجعلها تعود من جديد، إلى دولة ما قبل الوحدة، والتي كانت تُحكم بالحديد والنار. وفي نظر الكثير من سكان حضرموت (حيث ثلث مساحة اليمن)، إن البقاء في إطار اليمن الكبير والهوية الجامعة، في إطار الحكم اللامركزي، أفضل من العودة إلى الهوية الجهوية التي حاول الاستعمار جنوباً، ونظام الإمامة شمالاً، خلقها قبل ثورتي 1962 و1963. ويتجاهل البعض أن أغلب مسؤولي الشرعية اليمنية حالياً هم من الجنوبيين، وأنه لم يعد هناك شمال يسيطر في الجنوب، بحيث يطالبون بخروجه. بات الواقع أقرب إلى التقسيم، لكن من المستحيل أن يعود اليمن إلى يمنين، بل إن ما يحصل هو اقتسام البلاد بين أمراء الحرب والجماعات المسلحة، التي تحركها أطراف، كطهران أو أبو ظبي وغيرهما، وكلها لن يكتب لها أي اعتراف ككيانات دولة. ويبقى اليمن الكبير، مهما كان ضعيفاً وممزقاً في الوقت الحالي، وكيفما كان شكل الدولة، الأوفر حظاً من أي دعوات نشاز.