كيف يمكن الإبقاء على حصة الجزائر في السوق الأوروبية دون تخفيض أسعار الغاز مع الفوز بعقود طويلة الأمد؟
هذا هو السؤال الذي بات يؤرق الحكومة الجزائرية حالياً، فالدول الأوروبية التي تستقبل 80% من صادرات الغاز الجزائري تنتظر ليونة أكثر، وذلك بالتخلي عن العقود طويلة الأمد مع مراجعة الأسعار، وهو الأمر الذي يصعب أو يستحيل على الحكومة الجزائرية فعله الآن، فالغاز يشكل نصف الطاقة المنتجة و30% من عائدات بيع الطاقة.
وتراجعت عائدات الجزائر من الطاقة بنحو 70% خلال السنتين الماضيتين بفعل تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية.
وأظهرت وثيقة لشركة "سوناطراك" النفطية الجزائرية من اجتماع عقد في مارس/آذار الماضي مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي، أن الجانب الأوروبي لديه تحفظات حول بعض النقاط، وهي الافتقار إلى عروض جيدة وبيانات أكثر وضوحاً، إضافة إلى العقود المتزمتة والشروط المالية والضرائب والحاجة إلى مزيد من المرونة.
إلا أن "المرونة" هي أكثر النقاط التي لا تتوفر عليها الحكومة الجزائرية، في الوقت الراهن على الأقل، فهي لا تزال مصرة على ثنائية "تخفيض السعر مقابل عقود طويلة الأمد"، وهو ما كشف عنه، الأسبوع الماضي، وزير الطاقة الجزائري، صالح خبري، خلال رده على مطالبة الشركة الفرنسية "إي أن جي" بمراجعة أسعار الغاز المسوق من الجزائر.
فقد ربط الوزير تحقيق هذا المطلب "بإبرام عقود طويلة الأمد حتى تستفيد من التخفيض، والتي ستكون بمثابة ضمانات تقدمها هذه الشركة حول حسن نيتها بعدم استغلال الغاز الجزائري كوسيلة تجارية لتحقيق الربح السريع، كون إنتاج الغاز يكلف الجزائر ميزانية ضخمة تفوق بكثير الاستثمار في إنتاج النفط".
ويرى المراقبون أن عدم ليونة الجزائر في التفاوض حول العقود طويلة الأمد في مجال الغاز، تقابله اليوم سوقٌ أوروبية أكثر تنافسية، وهو ما لا يخدم رؤية الحكومة الجزائرية.
وفي هذا، يقول الخبير والمستشار في المجال النفطي، مراد برور، إن "الجزائر اليوم هي الممون الثاني للغاز الطبيعي المسال لأوروبا خلف قطر، والرابعة في مجال الغاز الطبيعي خلف روسيا، النرويج وهولندا، مع العلم أن صادرات الجزائر من الغاز إلى أوروبا قد تراجعت بنحو 10% منذ 2014، هذا يعني أن المنافسة شرسة".
وحسب برور، فإن هذه منافسة وضعت الجزائر في مساحة لا تسمح لها بفرض شروطها على طاولة المفاوضات.
ويضيف المتحدث ذاته لـ "العربي الجديد"، أن سوق الغاز الطبيعي المميع الذي يعد نقطة قوة الجزائر، يشهد تنافسية عالية بعد تضاعف المصدرين في الـ 25 سنة الأخيرة، وفي ظل هذه المعطيات ستضطر الجزائر عاجلاً أم آجلا للتخلي عن العقود طويلة الأمد في مجال الغاز، خاصة وأنها تشترطها بمعدلات أسعار أعلى من المتوسط العام المسجل في الأسواق الحرة.
من جانبه، يعتبر كمال الدين جادي، وهو مسؤول سابق في وزارة الطاقة والمناجم الجزائرية، أنه من المستحيل أن تتمسك الجزائر بموقفها إذا أرادت أن تحوز على حصص جديدة في السوق الأوروبية.
وقال جادي لـ "العربي الجديد": "على الحكومة الجزائرية أن تراجع الاستراتيجية الغازية المتبعة"، مستبعداً أن تواصل الدول الأوروبية شراء الغاز بأسعار أغلى بنحو 3 و4 مرات وبعقودٍ طويلة الأمد، فالجزائر في نظره مطالبة بالفصل في الأمر عاجلاً، لأن العقود ستصل إلى نهايتها بحلول 2019.
ويرى مراقبون أنه ليس من مصلحة الجزائر أن تبحث عن عقود طويلة الأمد في مجال تصدير الغاز الطبيعي والمميع، خاصة وأنها كانت تفضل هذه العقود عن العقود قصيرة ومتوسطة الأمد في الماضي؛ لكي تضعها كضمان في حال التوجه نحو طلب الاقتراض من البنوك الدولية، حسب الأستاذ في الاقتصاد النقدي جمال نور الدين.
وقال نور الدين لـ "العربي الجديد": "الأوضاع تغيرت ويجب أن نتعامل مع الواقع ونعرف متى يجب أن ننحني أمام العاصفة، والتخلي عن العقود طويلة الأمد هي حتمية مفروضة بقوة السوق".
وكانت الجزائر قد قامت بعدة استثمارات كبرى في مجال المحروقات، بلغت قيمتها الإجمالية، بين عامي 2000 و2015، حوالي 100 مليار دولار.
وفيما يتعلق بالقدرات التصديرية للجزائر في مجال الغاز، فقد ارتفعت إلى ما يقارب 90 مليار متر مكعب سنوياً، من بينها 50 مليار متر مكعب سنوياً عن طريق خطوط الأنابيب الثلاثة الموجهة نحو أوروبا، بينما تخص القدرات المتبقية صادرات الغاز الطبيعي المميع، حسب أرقام صادرة عن وزارة الطاقة الجزائرية قبل يومين.
وقد بلغت قيمة صادرات الغاز الطبيعي بالنسبة للجزائر في 2013 حوالي 12.82 مليار دولار، بحجم صادرات بلغ 32.7 مليار متر مكعب، مقابل 15.81 مليار دولار في 2012 ونحو 37.3 مليار متر مكعب في 2012.