الغزو الإلكتروني الروسي: أبعد من الانتخابات الأميركية

29 سبتمبر 2017
(ديفيد ماكنيو/Getty)
+ الخط -
في ما قد يكون المشكلة الأكبر التي تواجهها شركات مواقع التواصل، ظهرت سلسلة تطوّرات جديدة لتُسلّط الضوء على البعد الذي ذهبت إليه روسيا لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" تحديداً، بهدف نشر معلومات مضلّلة وخلق انقسام سياسي بين الشعب الأميركي.


وأصبح "فيسبوك" في وضعٍ حرج، بعدما أوضحت تفاصيل، هذا الشهر، أنّ حسابات روسية اشترت إعلانات بقيمة مئة ألف دولار، أجّجت الانقسام واستهدفت التوتر الاجتماعي في البلاد خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وصلت إلى 3 آلاف إعلان سياسي.
وكشفت المراجعة التي أجريت بسبب وجود مخاوف من استخدام "فيسبوك" بشكل احتيالي ومنظّم للتأثير في السياسة الأميركية عن وجود حسابات قد تكون جزءاً من حملة منظّمة لبث الفرقة السياسية. وذكر مسؤول في "فيسبوك" أن 470 حساباً أنفق عليها ما مجموعه نحو
100 ألف دولار بين حزيران/ يونيو 2015 وأيار/ مايو 2017 على إعلانات تحوي أنباءً زائفة أو مضللة أو تزيد من عدد الزيارات لصفحات إلكترونية تحمل مثل هذه الرسائل.
ولا تعرف الشركة، حتى الآن، البعد الذي وصلت إليه تلك الإعلانات، أو حتى إذا كان مشتروها لا يزالون على الموقع.


وكشف موقع "ذا دايلي بيست"، الأربعاء، أنّ العملاء الروس، المدعومين من الحكومة الروسية، خلقوا صفحة "فيسبوك" تنتحل شخصيّة منظمة إسلاميّة مقرّها كاليفورنيا، اسمها "يونايتد مسلمز أوف أميركا" (مسلمو أميركا المتحدون، United Muslims of America) لنشر إعلانات مضادّة للولايات المتحدة بين المسلمين الأميركيين، واستهداف سياسيين بينهم.
واستخدم هؤلاء الصفحة لنشر قصص كاذبة، بينها واحدة زعمت، أنّ "(المرشحة الديمقراطية الخاسرة) هيلاري كلينتون اعترفت أنّ الولايات المتحدة "أنشأت، موّلت وسلّحت" القاعدة وداعش، وأنّ جون ماكين كان المؤسس الحقيقي لداعش".
وبالإضافة إلى نشر معلومات تضليلية عن السياسيين الديمقراطيين والجمهوريين، استخدمت المجموعة أيضاً "إنستاغرام" و"تويتر" لنشر رسومات ساخرة memes ورسائل تؤجّج الانقسام.
وقال عضو لجنة الاستخبارات في الكونغرس، الديمقراطي إريك سوالويل، إنّ هذه "المعلومات الجديدة تُظهر أنّ روسيا لا تعرف حدوداً أو نهاية لجهة أي مجموعات يجب أن تتنكّر بزيّها
حتى تصل إلى أهدافها".

وبالرغم من أنّ روسيا دعمت الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال فترة ترشّحه، إلا أنّ "دايلي بيست" كشف أنّ أكبر نشاطات مجموعة "فيسبوك" الوهمية أتت بعد قرار ترامب بتنفيذ الضربة الصاروخية ضد مطار الشعيرات في سورية، في إبريل/نيسان الماضي.
وفي 9 إبريل، أي بعد ثلاثة أيام على الضربة، قامت الصفحة الوهميّة بنشر رسم ساخر يُشير إلى معارضة خطوة ترامب. وقالت الصفحة "مبلغ الـ93 مليون دولار التي كلّفته الضربة، كان يُمكن أن "تؤسس "ميلز أون ويلز" حتى عام 2029". ونشرت المجموعة بعد ذلك منشورات ساخرة تعارض التدخل العسكري الأميركي في سورية على "فيسبوك" و"إنستاغرام".

وأفاد "دايلي بيست" أن عناصر روسيين يختبئون وراء هويات زائفة استخدموا أداة التحكم بالأحداث على موقع "فيسبوك" في التنظيم والترويج لتظاهرات سياسية في الولايات المتحدة، وبينها تظاهرة مناهضة للمهاجرين والمسلمين في أغسطس/ آب الماضي، في ولاية إيداهو الأميركية.
كما دعت الصفحة إلى عدد من التظاهرات التي لم يُعرف على وجه التحديد إن جذبت جمهوراً حقيقياً، بينما كان 59 شخصاً أكدوا اهتمامهم بإحداها في سبتمبر/أيلول 2016، بينما كتب 20 شخصاً آخرين أنهم شاركوا في مناسبة أخرى في يونيو/حزيران 2017.

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركيّة، عن مصادر قريبة من القضيّة قولها إنّ الإعلانات التي دعمها الكريملين لعبت على الحبلين في كثير من القضايا، عبر تقديم دعم ومعارضة قضايا كان بينها "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) والسيطرة على السلاح، لإثارة زوبعة من التوتر السياسي.
من جهتها، أوضحت قناة "سي إن إن" أنّ أحد تلك الإعلانات تمحور حول "حياة السود المهمة" واستهدف تحديداً مدينتي فيرغيسون وبالتيمور اللتين حصلت فيهما اشتباكات مع الشرطة إثر قتل مواطنين سود عامي 2014 و2015.


ورغم أنّ عدد مستخدمي "تويتر" أقل بكثير من مستخدمي "فيسبوك"، إلا أنّ موقع التدوينات القصيرة أصبح في دائرة اهتمام المحققين للدور الذي يلعبه في كونه مصدراً للإعلام الأميركي.
فعلى "تويتر" هناك بصمات روسيّة على آلاف الحسابات الوهميّة التي نشرت رسائل معادية لكلينتون. وكان العديد منها آلياً، أو ما يُسمى بالـ"بوت" bots، والتي نشرت رسائل متطابقة بفارق ثوانٍ فقط، بحسب الترتيب الأبجدي لأسماء الحسابات الوهميّة، طبقاً لـFireEye.

وأغلقت شركة "تويتر" 201 حساباً مرتبطاً بنفس الشركة الروسيّة التي اشترت إعلانات
"فيسبوك"، بحسب ما أبغلت الشركة محققي الكونغرس، أمس الخميس.

ووجدت الشركة أنّ 3 حسابات لـ"روسيا اليوم" (آر تي)، تشتبه بارتباطها بالكرملين، دفعت مبلغ 274100 دولار مقابل إعلانات على "تويتر" في 2016. 

والحسابات التي تم إقفالها الشهر الماضي، مرتبطة بالحسابات الـ470 التي أعلن "فيسبوك" الشهر الماضي أنّها تابعة لشركة "إنترناشونال ريسيرتش آجنسي"، وشركة متصيّدة روسيّة. وبحسب "تويتر"، فإنّ حسابات "فيسبوك" كان لها 22 حساباً مرتبطاً على "تويتر". ووجد الموقع لاحقاً 179 حسابٍ مرتبطٍ بتلك الـ22.

وبحسب "نيويورك تايمز"، فقد نشرت تلك الحسابات، يوم الانتخابات، وسم #WarAgainstDemocrats (الحرب ضدّ الديمقراطيين) أكثر من 1700 مرّة. ولا يطلب "تويتر" من المغرّدين استخدام أسمائهم الحقيقيّة، بحجّة أنه يهدف ليكون مفتوحاً للنقاشات. لكنّ لائحة الأكثر تداولاً (الترند) تنشر بشكلٍ مستمرّ الموضوعات والوسوم الأكثر نقاشاً. ويقول الموقع إنّه يُحاول أن يمنع الحسابات الآليّة من الوصول إلى الترند، لكنّ البوتات الروسيّة استطاعت أن تفعل ذلك، ما تسبّب في إحدى المرات بوصول وسم #HillaryDown (أسقطوا هيلاري) إلى لائحة الأكثر تداولاً.


وطُلب من مديرين في شركات "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" الإدلاء بشهاداتهم في الكونغرس الأميركي، خلال الأسابيع القادمة، بخصوص التحقيق في التدخل الروسي المزعوم.
وأشارت وكالة "رويترز" إلى أنّ مساعداً بمجلس الشيوخ، قال إن لجنة الاستخابرات بالمجلس طلبت من مديرين بالشركات الثلاث المثول أمامها في جلسة علنية في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وأكد ممثلون لشركتي "فيسبوك" و"غوغل" أنهم تلقوا دعوات من لجنة مجلس الشيوخ غير أنهم لم يقولوا ما إذا كانوا سيحضرون.


وذكرت "غوغل" سابقاً أنه ليس لديها دليل على وجود حملة دعائية روسية على منصاتها الإعلانية، مثل التي وجدت على "فيسبوك".


وقد تشمل التحقيقات موقع "ريديت". إذ قال متحدث باسم السيناتور مارك وارنر، وهو ديمقراطي عضو في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لصحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، إنّ السيناتور يخطط لضم الموقع للتحقيقات، بالرغم من أنّ شيئاً ليس مؤكداً حتى الآن.


من جهتها، قالت الباحثة في جامعة أوكسفورد، سامانثا برادشو، لموقع "ذا هيل" إنّ "ريديت" هو واحد من المنصات التي نشرت عليها المعلومات المتناسقة.
وتدرس برادشو كيفية استخدام الحكومات لمواقع التواصل الاجتماعي بهدف التأثير على الرأي العام. وقالت إنّها لاحظت أنماطاً على الموقع تُشير إلى جهود متواصلة لنشر الأخبار الكاذبة.
وموقع النقاش هو أحد أكثر 10 مواقع زيارةً في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى "غوغل" و"فيسبوك" و"تويتر" ويُعتبر نقطة انطلاق الإنترنت بين مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة وبين المواقع المتخصصة بشكلٍ أكبر.

وبخلاف "فيسبوك" الذي يحارب المحتوى العنيف، يُعرف "ريديت" بقواعده الأكثر مرونة، وهو سبب تصنيف الموقع في كثير من الأحيان كملاذ آمن لمتصيدي الإنترنت (trolls) والمتنمرين الإلكترونية (cyberbullies) والمجموعات النازية وتلك التي تؤمن بتفوق البيض (وايت سوبريميسيست/white supremacist).


ألمانيا وفرنسا
في سياق متّصل، قد يكشف أبعاد أكبر للتدخل الروسي في الديمقراطيات، حذف موقع "فيسبوك" عشرات آلاف الحسابات الوهمية خلال الانتخابات الألمانية. وقال نائب رئيس "فيسبوك" لشؤون السياسات العامة في أوروبا وأفريقيا الوسطى، ريتشارد آلان، إنّ جهود الموقع لمحاربة الأخبار الكاذبة تضمّنت إزالة عشرات آلاف الحسابات الوهميّة في الشهر الأخير من الحملة الانتخابية الألمانية.
وأشار إلى أنّ شركة التواصل الاجتماعي بذلت جهوداً كبيرة، بهدف التأكد من أنّ شبكتها لا تستخدم للتلاعب بالرأي العام، بحسب ما نقل موقع "بيزنس إنسايدر". وأكد آلان، في بيان، الأربعاء، أنّ هذه الأفعال لم تلغِ التضليل بشكل كامل في تلك الانتخابات، لكنها جعلت انتشارها أكثر صعوبة، وأقل احتمالاً للظهور على صفحة الأخبار الرئيسيّة (نيوز فيد/ News Feed) للمستخدمين.

ولا يعرف "فيسبوك" على وجه التحديد إن اشترت الحسابات والصفحات المتّصلة بروسيا إعلانات خلال حملتي الانتخابات في فرنسا وألمانيا.

والثلاثاء، قال مسؤول في الشركة لـ"باز فيد" إنّ "فيسبوك" لم يُحدد بعد إن كان هناك ما يُشير إلى شراء إعلانات خلال حملتَي الانتخابات في فرنسا وألمانيا، لأن التركيز كان على الولايات المتحدة الأميركية. وأضاف المسؤول "كنا نركّز على الولايات المتحدة، تحديداً مع التحقيقات التي يجريها الكونغرس ومجلس الشيوخ".

ونقل موقع "ماشابل" عن مختبر الطب الشرعي الإلكتروني في "ذا أتلانتيك كاونسل"، الاثنين الماضي، أنّ "ألمانيا تجنّبت، إلى حدّ كبير، أي تدخّل روسي مزعوم في انتخاباتها، كما حصل في الولايات المتحدة الأميركيّة وفرنسا، لكنّ روبوتات تتحدث الروسيّة حاولت نشر ادّعاءات حول تزوير الناخبين، عن طريق حسابات وهميّة".