17 نوفمبر 2019
الغوطة.. تشييع الضمير
بذهولٍ، كنا نقرأ، ونحن في مقاعد الجامعة في مساق التاريخ، عن مجازر العصابات الصهيونية في فلسطين قبيل النكبة، وإعلان قيام دولة الاحتلال. وقتها كان الطلبة يتساءلون كيف صمت العرب والعالم عن تلك المجازر، وكان جواب الأستاذ لنا "لأن المعلومة لم تصل إلى الرأي العام في ذلك الوقت، إذ لم يكن حينها فضائيات ووسائل الإعلام الحديثة".
واليوم، نتابع بذهول بثا مباشرا لمجازر النظام السوري وحلفائه، وسط صمت عربي، وتلكؤ المجتمع الدولي، وخذلانه الأطفال والنساء، ليثبت هذا عدم صوابية تحليل ذلك الأستاذ، فليس غياب المعلومة والإعلام سبب خذلان الضحية، بل هو جرّاء نظام دولي يكيل بمكيالين، الغلبة فيه للقوي، نظام تغليب المصالح وتغييب الضحايا، ويصحّ والحال هذه مع ما يجري في الغوطة القول إن الضمير الإنساني دفن هناك، وبتنا نتحدث عن مرحلة ما بعد ذلك وآثارها.
وحيث تبدو "محرقة الغوطة" وبشاعة الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون والأفغان وغيرهم بشعة إلى درجة أن التفكير يتجمد، ويتوقف عند هذه اللحظة البائسة من التاريخ، إلا أن ما بعد هذه المحارق أخطر، فكيف يمكن إقناع جيل "ما بعد حرب سورية" بمبادئ "العدالة الدولية" و"حقوق الإنسان"، وهو الذي شاهد نظامه المجرم يحرق الناس ويدفنهم تحت الأنقاض، غير مكترث بكل تلك الديباجات، كما أنه يواصل جرائمه منذ سبع سنوات، من دون أن يتخذ المجتمع الدولي قرارا حاسما بردعه.
هذا "الكفر" بتلك المواثيق والمبادئ الدولية خطير، لعدة أسباب، إذ من شأن تراكمه أن يولد مظلوميةً لن تنجح كل هذه الديباجات الدولية في معالجة آثارها المدمرة، كما سيخلق جيلا من الناقمين والمحبطين والمسكونين برغبة الانتقام، وهذه وصفةٌ للتطرّف الذي يدّعي العالم الحر
أنه يحاربه، فيما هو بهذا الصمت على القتلة يسهم في صناعته، كما أن استمرار هذه المجازر الوحشية هو خدمة مجانية للقوى الراديكالية المتشدّدة التي نجحت في غسل أدمغة آلاف الشباب، وجندتهم في صفوفها، ما يجعلنا اليوم كأمة بالفعل أمام مستقبل مظلم، بلدان مدمرة، ومئات آلاف من الأيتام و المقهورين ومعدومي الأمل، فأي مستقبلٍ ينتظر هذه البقعة من العالم؟
قهر الشعب السوري اليوم عبر تركه وحيدا أمام هذه الآلة الاجرامية لنظامه، المتحالف مع عصابات من شتى أنحاء الأرض، ومضي الإدارة الأميركية في قهر الشعب الفلسطيني عبر اعترافها بيهودية القدس، وتنكّرها لكل حقوقه، إضافة إلى الحملة الشرسة التي تقوم بها أنظمة الثورات المضادة القمعية ضد شعوبها ومعارضيها، كل هذه العوامل هي وصفه لتفجير هذه المنطقة، وإحراق المعبد على رؤوس الجميع كما يقال. ولعل المستفيد الوحيد من ذلك كله إسرائيل التي تعمل على ترويج أنها الديمقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، فلم تكن تل أبيب تحلم، في أحسن أحلامها، بما يحصل اليوم، من تفجير أنظمة مجنونة أحزمة ناسفة في بلدانها وشعوبها، فالكل خاسر والحالة هذه، حتى الدول الإقليمية الرئيسة، كإيران وتركيا اللتين تنافستا على تقسيم كعكة هذه المنطقة، لم تعد بعيدة عن هذا البركان، فقد ظنت إيران، في فترة شهر العسل مع" الشيطان الأكبر"، أن واشنطن ستعمّدها شرطيا على المنطقة والإقليم من جديد، فاندفعت بجنون في دعم مليشيات طائفية مريضة، وتآمرت على الربيع العربي، إلى أن قلب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لها ظهر المجن، وبدأ تقليم أظافرها، فيما ركبت الثانية موجة الربيع ثم تلكأت وخذلت السوريين، فاضطرت اليوم للدخول في حرب استنزاف طويلة مع المليشيات الكردية لا يعرف مداها ومآلها.
الخلاصة من "محرقة الغوطة" أن الضمير الإنساني دفن هناك، وقد ندفن فيها، نحن الأمة، إذا لم نخرج من حالة العجز والتشرذم والخذلان، وسنكون نسيا منسيا، فهل من عقلاء؟
واليوم، نتابع بذهول بثا مباشرا لمجازر النظام السوري وحلفائه، وسط صمت عربي، وتلكؤ المجتمع الدولي، وخذلانه الأطفال والنساء، ليثبت هذا عدم صوابية تحليل ذلك الأستاذ، فليس غياب المعلومة والإعلام سبب خذلان الضحية، بل هو جرّاء نظام دولي يكيل بمكيالين، الغلبة فيه للقوي، نظام تغليب المصالح وتغييب الضحايا، ويصحّ والحال هذه مع ما يجري في الغوطة القول إن الضمير الإنساني دفن هناك، وبتنا نتحدث عن مرحلة ما بعد ذلك وآثارها.
وحيث تبدو "محرقة الغوطة" وبشاعة الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون والأفغان وغيرهم بشعة إلى درجة أن التفكير يتجمد، ويتوقف عند هذه اللحظة البائسة من التاريخ، إلا أن ما بعد هذه المحارق أخطر، فكيف يمكن إقناع جيل "ما بعد حرب سورية" بمبادئ "العدالة الدولية" و"حقوق الإنسان"، وهو الذي شاهد نظامه المجرم يحرق الناس ويدفنهم تحت الأنقاض، غير مكترث بكل تلك الديباجات، كما أنه يواصل جرائمه منذ سبع سنوات، من دون أن يتخذ المجتمع الدولي قرارا حاسما بردعه.
هذا "الكفر" بتلك المواثيق والمبادئ الدولية خطير، لعدة أسباب، إذ من شأن تراكمه أن يولد مظلوميةً لن تنجح كل هذه الديباجات الدولية في معالجة آثارها المدمرة، كما سيخلق جيلا من الناقمين والمحبطين والمسكونين برغبة الانتقام، وهذه وصفةٌ للتطرّف الذي يدّعي العالم الحر
قهر الشعب السوري اليوم عبر تركه وحيدا أمام هذه الآلة الاجرامية لنظامه، المتحالف مع عصابات من شتى أنحاء الأرض، ومضي الإدارة الأميركية في قهر الشعب الفلسطيني عبر اعترافها بيهودية القدس، وتنكّرها لكل حقوقه، إضافة إلى الحملة الشرسة التي تقوم بها أنظمة الثورات المضادة القمعية ضد شعوبها ومعارضيها، كل هذه العوامل هي وصفه لتفجير هذه المنطقة، وإحراق المعبد على رؤوس الجميع كما يقال. ولعل المستفيد الوحيد من ذلك كله إسرائيل التي تعمل على ترويج أنها الديمقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، فلم تكن تل أبيب تحلم، في أحسن أحلامها، بما يحصل اليوم، من تفجير أنظمة مجنونة أحزمة ناسفة في بلدانها وشعوبها، فالكل خاسر والحالة هذه، حتى الدول الإقليمية الرئيسة، كإيران وتركيا اللتين تنافستا على تقسيم كعكة هذه المنطقة، لم تعد بعيدة عن هذا البركان، فقد ظنت إيران، في فترة شهر العسل مع" الشيطان الأكبر"، أن واشنطن ستعمّدها شرطيا على المنطقة والإقليم من جديد، فاندفعت بجنون في دعم مليشيات طائفية مريضة، وتآمرت على الربيع العربي، إلى أن قلب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لها ظهر المجن، وبدأ تقليم أظافرها، فيما ركبت الثانية موجة الربيع ثم تلكأت وخذلت السوريين، فاضطرت اليوم للدخول في حرب استنزاف طويلة مع المليشيات الكردية لا يعرف مداها ومآلها.
الخلاصة من "محرقة الغوطة" أن الضمير الإنساني دفن هناك، وقد ندفن فيها، نحن الأمة، إذا لم نخرج من حالة العجز والتشرذم والخذلان، وسنكون نسيا منسيا، فهل من عقلاء؟