الفتنة استيقظت

05 يناير 2016
+ الخط -
يجلس الخليج العربي على براميل بارود كثيرة، انفجر بعضها، فيما بعضها الآخر يوشك أن يجر العالم العربي إلى حربٍ طائفيةٍ، ستأتي على البقية الباقية من كيانه وقوته وبعض استقراره. الأزمة الجديدة بين إيران وحلفائها والسعودية ومعسكرها تنذر بمخاطر كبيرة، وتفضح هشاشة الوضع السياسي والإقليمي، وعدم قدرة حكام العرب وإيران على الجلوس إلى طاولة واحدة للحوار والتفاوض، وعقد الصفقات التي تضمن الحد الأدنى من المصالح لكل طرف، وأصبح الإيرانيون يستخفون بجيرانهم العرب والمسلمين، إلى درجة التحالف من الروس ضد مناهضي نظام الأسد، وفي مقدمتهم تركيا والسعودية.
لم يكن إعدام المعارض السعودي، نمر باقر النمر، السبت الماضي، إلا القطرة التي أفاضت الكأس، كأس التوتر كانت مملوءة منذ سنوات طويلة، وازدادت حرارة الصراع مع احتكاك الأطراف على الساحة السورية واليمنية والعراقية، وتضاعف التوتر أكثر بين الغريمين، إيران والسعودية، بعد أن قرر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التفاوض مع ملالي طهران، وإعادة إدماجهم في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي، مع وضع قيود على برنامجهم النووي. هنا، كادت السعودية أن تجن، فهي تعتبر إيران الشيطان الأكبر في المنطقة، ومعنى فك الحصار عنه من الدول الغربية أن الأخيرة تشجعه على التمدد أكثر في ساحة مضطربة ورخوة، وشبه فارغة.
عندما وقع البيت الأبيض بالأحرف الأولى على اتفاقية فيينا التي ترسي مصالحة تاريخية بين الغرب وإيران، خرج أوباما، في حوار صحافي مع توماس فريدمان، يدعو القادة العرب، وقيادة المملكة العربية السعودية بالذات، إلى فتح حوار مع إيران، والجلوس معها إلى طاولة المفاوضات، كان الرئيس الأميركي يعرف أن التوتر سيتصاعد بين طهران والرياض، وأن أعصاب الأخيرة لن تحتمل جاراً مقلقاً، مثل إيران يتوفر على أوراق لعب كثيرة في المنطقة، وفي داخل كل بلد عربي أقلية شيعية.
عِوَض أن تتجه الرياض وطهران إلى البحث عن صيغة للتعايش وللتفاوض حول الملفات المفتوحة في العراق وسورية ولبنان واليمن، اختار الطرفان إدارة ظهرهما لبعضهما، والدخول في سباق نحو بناء تحالفات وتحالفات مضادة. وضعت طهران يدها في يد روسيا لإنقاذ الأسد، وأخذت معها العراق وحزب الله. واتجهت السعودية إلى بناء حلف عسكري سني لمحاربة الاٍرهاب وحصار داعش، أعقبه تحالف مع تركيا، قرأت فيه طهران محاولة لحصارها ببناء سور طائفي، يمنعها من لعب دور مهم في المنطقة.
الحرب الطائفية الدائرة رحاها اليوم في الشرق غير مقنعة، فلا قادة الخليج وحلفاؤهم من أنصار (أهل السنة)، ولا حكام إيران وحلفاؤهم من (أنصار الشيعة). هولاء أصحاب سلطة، وقادة دول، تحركهم المصالح الاقتصادية والصراعات السياسية والحسابات الإقليمية والدولية المعقدة والبسيطة، ولا تحركهم نوازع الإيمان وعقائد جنود الرب. لكن، ولأنهم قادة في أنظمة من عصور سابقة، فإنهم غير قادرين على ممارسة السياسة بأدوات حديثة ومشاريع مدنية وأيديولوجيات معاصرة. ولأنهم غير قادرين على إقناع شعوبهم بمبررات معقولة لحرب بعضهم بعضاً، يلجأون إلى خزان الطائفية، وإلى إرث الحروب المذهبية، وإلى ساحة الدين الفسيحة، لأن ساحة الدنيا تضيق بهم، فيرفعون رايات حروب القرون الوسطى التي لم يغادروا أجواءها إلى الآن، يحاربون باسم علي ومعاوية، لأنهم عاجزون عن إدارة الحرب بأسمائهم وصفاتهم وحساباتهم ومشاريعهم.
هل يعقل أن نسجن العرب والفرس، اليوم، بين دفتي كتب الملل والنحل وأدبيات الفتنة الكبرى التي انقضت قبل 14 قرناً، ونعرّف الإنسان المسلم، اليوم، بأثر رجعي، أنه شيعي أو سني؟ هل سنتخلى عن التصنيفات الفكرية والسياسية والأيديولوجية والقومية المعاصرة، وعوض أن نميز بين حداثي وتقليدي، بين ديمقراطي وسلطوي، بين ليبرالي ويساري، بين قومي ومحلي، سنصبح سنة أو شيعة، مع معاوية أو مع علي؟
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.