قبل موعد انتخابات مجلس الأمة الكويتي، اليوم السبت، جرت أكثر من عملية انتخاب مصغرة، وغير منصوص عليها في القانون، نظمتها عائلات وقبائل وطوائف، لتحدد ممثليها المفترضين في مجلس الأمة. يرافق هذه الانتخابات جدل قانوني وسياسي دائم، ومساءلة لجدية الحكومة الكويتية في منع هذه الانتخابات المخالفة للقانون. من ناحية أخرى، يجادل المؤيدون لهذه الانتخابات، خاصة من خلفيات قبلية، بأنها الطريقة المناسبة لمنع تشتت الأصوات وضياعها في حال نزول أكثر من مرشح من الخلفية الاجتماعية نفسها. لكن هذه الانتخابات المصغرة التي تسمى "الفرعيات"، كانت عرضة للتشهير والانتقاد من قبل عدة أطراف سياسية، بذريعة أن التصويت فيها لا يستند إلى الكفاءة أو إلى المؤهلات بل هو يستند إلى القبلية والطائفية وتغليب رابطة الدم على الاعتبارات الأخرى.
وبدأ ظهور الفرعيات للمرة الأولى في انتخابات مجلس عام 1971، حين نظمت قبيلة العجمان أول انتخابات فرعية عرفتها آنذاك الكويت في الدائرة الانتخابية العاشرة (منطقة الأحمدي). وتعممت التجربة بعدها، وشهدت انتخابات مجلس عام 1975 فرعيتين إحداهما لقبيلة العجمان والأخرى لقبيلة عنزة. وبعد ذلك، بدأت قبائل أخرى، أبرزها العوازم (القبيلة الأكثر عدداً من ناحية الناخبين) ومطير، بإجراء العشرات من الانتخابات الفرعية تمهيداً لإيصال ممثليها إلى المجالس النيابية، اعتباراً من عام 1975 وحتى عام 2012.
والمذكرة الإيضاحية للقانون تفسر الانتخابات الفرعية بأنها عبارة عن تنظيم لانتخابات أولية وهي التصفيات التي تجري أو تتم خارج نطاق الإجراءات التي نص عليها قانون الانتخاب (وعلى الأخص في المادة 18 المعدلة من هذا القانون)، والتي تنص على أن "يحدد موعد الانتخابات العامة بمرسوم ويحدد موعد الانتخابات التكميلية بقرار من وزير الداخلية"، وهو ما تعارف على تسميته بالانتخابات الفرعية، بين من يرغبون في الترشيح من المنتمين لفئة معينة (قبيلة أو طائفة) لاختيار واحد أو أكثر من بينهم، يكون له وحده أن يرشح نفسه بصورة رسمية في الانتخابات التي يعلن عنها.
لكن انتخابات المجالس النيابية التي جرت بعد صدور القانون، شهدت انتخابات فرعية من دون أن تحرك وزارة الداخلية ساكناً، كون أغلب نتائجها أدت إلى وصول نواب موالين للحكومة ومدعومين منها. وشهد عام 2009 اشتباكات طفيفة بين لجان الانتخابات الفرعية لقبيلة العوازم وبين الشرطة والقوات الخاصة في الدائرة الخامسة، وتحديداً في منطقة الصباحية، جنوب البلاد. لكن تم وضع حد للمواجهات، بشكل عاجل، بعد تدخل شخصيات نافذة في البلاد، وتم السماح للقبيلة بإجراء انتخاباتها الفرعية دون أية مشاكل.
ويرى مراقبون أن انتخابات عام 2012، شهدت تراجعاً كبيراً للانتخابات الفرعية، بسبب ما اعتبر وقتها نضجاً سياسياً للناخبين، تزامناً مع ما شهدته الدول العربية من أحداث الربيع العربي. وفشلت غالبية القبائل في تنظيم انتخابات فرعية خاصة بها، بسبب إحجام شبابها عن المشاركة فيها وتفضيلهم اتباع الطرق القانونية. لكن مرسوم الصوت الواحد الذي جاء بعد حل مجلس الأمة الذي انتخب عام 2012، ساهم في تعقيد الأمور، إذ وضع الناخبين أمام مأزق اختيار ممثل للقبيلة أو اختيار غيره.
وشهدت انتخابات عام 2013 التي قاطعها المعارضون، ظهوراً لافتاً وصريحاً للانتخابات الفرعية التي تمت برعاية حكومية كاملة، تشجيعاً للناخبين على الترشح وخوفاً من زيادة أعداد المقاطعين حال منعها. وشكلت "الفرعيات" سمة الانتخابات هذا العام، إذ رصد المراقبون السياسيون أكثر من 25 عملية انتخابية فرعية تم إجراؤها في 5 دوائر انتخابية.
في هذا السياق، قال الكاتب ناصر الملا، لـ"العربي الجديد"، إن "هذا العام وبسبب مرسوم الصوت الواحد، فإن الأمور ازدادت تعقيداً، لأن القبائل والطوائف ذات العدد الكبير، تصارعت في ما بينها على الكرسي الواحد". وأضاف أن "إحدى القبائل اضطرت للقيام بـ3 انتخابات فرعية في أسبوع واحد: الانتخابات الأولى كانت على صعيد العائلة والأخرى على صعيد الفخذ (مجموعة عائلات) والأخيرة كانت على صعيد القبيلة".
وشرح الملا أن العملية تتم من خلال "اختيار مرشح واحد من بين 14 مرشحاً مثلاً، أي أن الحكومة بدلاً من أن تقضي على الانتخابات الفرعية بحسب دعواها، زادتها إلى الضعفين بسبب هذا المرسوم الخاطئ، بينما لجأت بعض القبائل الكبيرة جداً إلى اختيار أربعة مرشحين وتقسيم أبناء القبيلة على أربع فئات بحسب الحروف الأبجدية، إذ إن كل فئة تصوت لنائب معيّن، وبحساب معيّن فإن أولئك الأربعة سيصلون إلى مجلس الأمة، وهذا أمر يتم اختباره لأول مرة".
ولطالما تميزت الانتخابات الفرعية أو التشاورية، كما يحلو لمؤيديها تسميتها، بطابعها القبلي في الكويت. وكانت لسنوات طويلة محصورة بين أبناء القبائل، لكن السنوات الأخيرة شهدت امتداد هذه الانتخابات بشكل واضح لتشمل أبناء العائلات والطوائف وحتى الأحزاب والتيارات السياسية. وقامت عدة عائلات تجارية نافذة في الكويت، ذات الأعداد الكبيرة من الناخبين القادرة على ترجيح كفة أحد المرشحين في الانتخابات، بالاجتماع في ما بينها واختيار مرشح واحد بين عدة أسماء مطروحة للترشيح، في إجراء يرى المراقبون السياسيون أنه لا بد أن يتطور في يوم من الأيام إلى انتخابات ذات صناديق ولجان فرز.
وقال الناشط السياسي، راشد حمد العجمي، لـ"العربي الجديد"، إن "منع الانتخابات الفرعية أمر غريب جداً كونه يتعارض مع قوانين الديمقراطيات في العالم". وأشار إلى أن "الحزبين الجمهوري والديمقراطي في أميركا يقومان بما يشبه الانتخابات الفرعية للوصول إلى المرشح الرسمي للحزب في الانتخابات الرئيسية، وكذلك الأمر في فرنسا، حيث ينظم اليمين الفرنسي انتخابات فرعية لاختيار مرشحه لرئاسة الجمهورية". وأضاف أنه "في الكويت جاء المنع لأهداف عاطفية وسياسية غير محقة، إذ إن الفرعيات ستجري سواء اقتنعت الحكومة بذلك أم لا، وإجراؤها تحت ظل الحكومة أفضل من إجرائها خفيةً وبدون مراقبة واضحة". وتابع أن الحكومة تستغل هذا القانون جيداً، وعندما تدرك أن الفائزين بالفرعيات ليسوا على هواها تقوم بمداهمة الفرعية واعتقال من فيها، في حين أنها إذا كانت واثقة من أن الفائز فيها موال وتابع لها تقوم بغض النظر عن العملية، وفق تأكيده.
إلى ذلك، قال مصدر مسؤول في الحكومة الكويتية، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن بعض مرشحي الفرعيات وقبل أن يقرروا خوضها، حصلوا على ضمانات من قبل أشخاص نافذين بعدم المساس بالعملية الانتخابية وتعكير صفو أجهزة الأمن لها، والبعض منهم كانوا من كبار الضباط المتقاعدين، وفق تأكيده.