لا تدخل فتيات غزة ونساؤها عالم الرياضة بحريتهن الكاملة عادة، مثلما هي الحال في المدن الفلسطينية خارج القطاع. أما الملاحظ اليوم، فهو تحوّل رياضة الفروسية إلى متنفّس لهؤلاء إذ وجدن بأكثريتهن أنفسهن فيها. هي بالنسبة إليهن، تعبير عن حريتهن عندما يقفزن بخيولهن فوق الحواجز، فيمرحن ويتعلمن القوة من تلك الكائنات.
تنتشر في غزة نوادي الفروسية التي تجد فيها الإناث ملاذاً لهنّ، فيستمتعن بممارسة رياضتها إلى جانب زميلات لهن في جوّ من المنافسة الرياضية. آية سلامة بسيسو (16 عاماً)، واحدة من هؤلاء وقد بدأت تتعلم الفروسية قبل ثلاثة أعوام. تقر آية بأن الفروسية منحتها شخصية قوية، وتفخر بذلك وبحبها لهذه الرياضة أمام زميلاتها في المدرسة وفي مجتمعها، على الرغم من أن البعض ينتقدها بسبب العادات والتقاليد التي لا تحبّذ ممارسة هذه الرياضة من قبل الإناث.
تقول لـ"العربي الجديد" إن "الفروسية أعطتني دافعاً كبيراً لكي أفرض نفسي كفتاة في مجتمع مغلق. وحصلت على مساحتي الخاصة، التي تُحرم الفتاة الغزية منها". وتؤكد أنه مذ بدأت تركب الخيل، "نمت في داخلي قوة خاصة". وقد حصلت آية على الدعم من أسرتها للاستمرار في هوايتها، ولتعبّر عن حبها للخيل بطريقتها. لكنها تشير إلى أن "كثيرات هن اللواتي لا يملكن حرية اختيار الرياضة المناسبة لهن. ولغاية اللحظة، ما زالت فتيات عديدات يبدين استغرابهن من ركوبي الخيل".
وتتابع آية: "أحب الفروسية، وهن يرين فيها أمراً غريباً. وأنا أتحدث عن تجربتي أمامهن لأنها رياضة ممتعة. يجب أن يرى العالم أننا نحب هذه الرياضة كما تحبّها الفتيات في العالم. غزة لا تختلف عن أية مدينة وفيها فتيات ونساء يحببن الرياضة والحرية. وهن موهوبات وقد بنين علاقة بينهن وبين الخيل". تجدر الإشارة إلى أن نور الهدى (11 عاماً) شقيقة آية ترافقها دائماً، وهي تعبّر عن سعادتها كلما وصفها أحد بـ"الفارسة". بالنسبة إليها، "الحصان أفضل صديق. كثيراً ما كنت أقع، لكنني تخطيت الخوف".
من جهتها، تمارس الشابة ميس السقا (24 عاماً) هذه الرياضة مذ كانت في العاشرة من عمرها. وخرّيجة جامعة غزة في الترجمة بدأت تمارس رياضتها المفضلة مع أول ناد للفروسية في قطاع غزة، وقد عرفت محبة الخيول منذ صغرها، عندما كانت ترافق العائلة وتتدرّب، في وقت كانت الفتيات والنساء اللواتي يقبلن على الفروسية فيه معدودات. وقد شاركت ميس بأكثر من عشرين بطولة حقّقت فيها نتائج متفاوتة. تقول لـ "العربي الجديد" إن "العائلات في غزة بدأت تدرك ماهية الفروسية ومدى فائدتها على أولادها، وكيف تمكنهم من تنمية شخصية مميزة للفتيان كما الفتيات".
وتلاحظ ميس أن ثقافة الفروسية، خصوصاً عند فئة الإناث، تنتشر بشكل أكبر في الوقت الحالي على الرغم من اشتداد الأزمات في غزة. وتلفت إلى أن هؤلاء "إذ تعلمن الفروسية، لا يمكن أن يتركنها. هي تمنحهم جرأة كبيرة، وتطوّر شخصياتهن وكذلك روح التحدي لديهن".
نجد في قطاع غزة عشرة نوادٍ للفروسية، في حين يقدّر عدد محترفي هذه الرياضة بأكثر من ألفي فارس متمرّس، إلى جانب مئات من الفارسات. وعدد هؤلاء الأخيرات يتزايد أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة.
محمود الرفاتي، مدرّب فروسية في أحد نوادي غزّة، يدرّب نحو 30 فتاة وامرأة أسبوعياً، يقسمن في حصص مختلفة. بالنسبة إليه، من الجيد أن تدفع العائلات الغزية ببناتهنّ إلى تعلم الفروسية. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه يلاحظ خلال تدريباته اليومية أن "الفارسات في غزة أسسن نوعاً من الاتصال الروحاني بينهن وبين أحصنتهن. هذا هو حب الرياضة لدى بنات غزة بأبهى تجلياته". ويرى الرفاتي أن "أمن غزة هو معيار مقياس لتعزيز هذه الرياضة. ذلك من شأنه أن يسمح للفارسات الغزيات بمنافسة نظيراتهنّ في هذه الرياضة في الخارج". ويؤكد على أن "الغزيات اللواتي يقبلن على هذه الرياضة بصورة أساسية، يملكن طموحاً على الرغم مما يعانينه في القطاع المحاصر".
ويلفت الرفاتي إلى أن "بعض الأشخاص يتحججون بالعادات والتقاليد، لينتقدوا ممارسة الإناث هذه الرياضة، أو ليحرّمنها عليهن. بالنسبة إليهم، لا يجب على الفتاة أو المرأة أن تظهر أمام الرجال وهي على ظهر الخيل". ويضيف: "الرياضة بالتأكيد ليست عيباً مجتمعياً، مهما اختلفت أشكالها".
اقرأ أيضاً: نساء غزة يطالبن بإنشاء دائرة للميراث