"ذكورية" المهنة وخطورتها، وخشونة الأيادي التي تتعامل مع قضبان الحديد الثقيلة، لم تقف عائقاً أمام رنيم، لتصبح "معلمة" في مجال الحدادة في قريتها "عوريف"، جنوب مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية.
"منذ أربع سنوات وأنا أعمل داخل هذه الورشة الملاصقة لبيتي"، تقول رنيم، في حين كان صغيرها ذو الثلاث سنوات يلهو عند باب الورشة، وأقبل ليحتضنها ويحظى بقبلة منها.
رنيم ذات العينين الخضراوين ويديها المتسختين بسواد الحديد، كانت كما قيل عنها تلحم القضبان، وتشكل الحديد ليخرج من باب ورشتها نافذة أو بابا.
وعن السؤال البديهي: "لماذا أنتِ هنا؟"، تجيب رنيم: "ظروف الحياة الصعبة". وتضيف: "الحياة أجبرتني على اقتحام هذا المكان، مرض زوجي ولم يعد يقوى على العمل".
وتكمل: "وضعنا المادي لم يسمح لنا بأن نستعين بعامل يساعد زوجي بورشة الحدادة خلال مرضه. كنت أقف معه، أساعده وأعطيه ما يحتاجه من الحديد أو الأدوات، ومع الوقت حفظت أسماء وأنواع الحديد، وكل شيء يتعلق بالحدادة، وبدأت بالعمل بيدي".
خلال حديثنا، أصاب سيارة زوجها عطل، فما كان من رنيم إلا أن شمرت عن ساعديها، وعملت على إصلاحه. ومع نظرات الاستغراب والدهشة، ضحكت رنيم وهي تقول: "الحدادة ليست عملي الوحيد، أصلح سيارتنا كثيرة الأعطال، كما ساعدت ببناء منزلنا مع زوجي، وأصلح بعض الماكينات المستخدمة بالبناء كخلاطات الإسمنت".
ولا يقتصر عمل رنيم داخل الورشة، فبائعو الحديد يعرفونها جيداً، فهي ترافق زوجها في جولاته على الباعة لشراء الحديد.
تقول رنيم: "بعض التجار يمازحون زوجي ويقولون له لا تحضر زوجتك معك المرة القادمة، فهي تأخذ السعر التي تريده، في إشارة إلى قدرتي على مفاصلتهم جيداً".
أمجد عوريفي، زوج رنيم، الذي يعتمد عليها في كل تفاصيل العمل، يقول: "ظروف مرضي والوضع المادي الصعب الذي مررنا به، حكمت على زوجتي بالعمل ومساعدتي".
أما عن نظرة المجتمع لزوجته وعملها يعتبر أن "رضا الناس غاية لا تدرك، ومن الطبيعي أن تساعد المرأة زوجها، زوجتي تحب عملها أكثر من أي عمل آخر يراه الناس مناسباً للنساء".
وتشارك رنيم زوجها في تركيب النوافذ والأبواب التي فصّلتها وطلتها، كما يشاركها أطفالها في هذا العمل. وتشير إلى أن أطفالها الثلاثة يرافقوها هي وزوجها خلال عملية التركيب في المنازل.
وعن مخاطر العمل بالحدادة، تقول رنيم: "عملي يتطلب حذراً، تواجهني أحياناً بعض الحوادث البسيطة لكني حذرة وأعمل بدقة".
وعن نظرة المجتمع لها ولطبيعة عملها توضح "في البداية كان الأمر غريباً للناس، خاصة أني أعيش في قرية لها عادات وتقاليد معينة، والناس ليسوا معتادين على رؤية فتاة في ورشة حدادة، لكن عندما اضطررت للعمل، ولم يكن هناك من يساعدنا لم أتردد لحظة".
وتختم حديثها قائلة: "أنا الآن أحب عملي، ولا يمر يوم دون أن أعمل في الورشة".
(الأناضول)