19 يناير 2024
الفيدرالية نظاماً سياسياً
يسود في الأوساط السياسية العربية اليوم، وخصوصاً في العراق وسورية، نقاشٌ كبيرٌ بشأن ماهية النظام الفيدرالي وتطبيقاته. ويزداد الأمر سخونة الآن مع إعلان كردستان العراق نيتها إجراء استفتاء على استقلال الإقليم.
الفيدرالية نظام للحكم اخترعه المؤسسون الأميركيون، وسيلة للتسوية بين الصراعات التاريخية بين الولايات المختلفة ورغبتها في الانضمام إلى اتحادٍ يمثل الجميع، وكان مفتاح هذا الصراع هو فكرة السيادة المقسمة، فقد برز مفهوم السيادة نظريةً تُستخدم لتحديد اختصاص الدولة القومية التي فرضت سلطتها العلمانية والقسرية على جميع المنافسين الآخرين، من أجل السلطة على الشعب، فالاختراع الأميركي لفكرة الفيدرالية كان يقوم على أساسٍ غير قابل للطعن على المستوى الاتحادي الفيدرالي، وعلى مستوى الولايات.
وهكذا ولدت فكرة الفيدرالية على يد ماديسون وهاملتون، بهدف إقناع الولايات المختلفة الانضمام إلى الاتحاد، مع الاحتفاظ بسيادتها التاريخية وتقاسم المسؤولية، بناءً على الأولويات، والتي ما زالت قيد النقاش، لكن تبقى مسائل مثل الدفاع والخارجية مسائل تتعلق بالنظام الفيدرالي فقط، في حين تعود قضايا من مثل الشرطة المحلية ونظام التعليم، وغير ذلك من اختصاص الولايات.
ولا يختلف الوضع في كندا أو ألمانيا عبر تطوير النظام الانتخابي تاريخياً، واحدةً من مراحل
دفع الولايات المختلفة إلى الانضمام إلى الاتحاد الفيدرالي. لكن مع إبقاء صلاحياتٍ معتبرة بيد هذه الولايات. وقد اعتمدت أكثر من 30 دولة ديمقراطية النظام الفيدرالي نظاماً للحكم. وبالتالي يمكن القول إنه ليست هناك نسخة موحدة للنظام الفيدرالي، يمكن استنساخها، كما أنه ليست هناك نسخة موحدة من هيكلية النظام الديمقراطي أيضاً يمكن تكرارها أينما كان. لكن، يبدو الوضع في سورية عكس ذلك تماماً، فليس هناك تاريخ لأيٍّ من المحافظات المختلفة في الإدارة المستقلة، وبالتالي تصبح الفكرة الفيدرالية كأنها أصبحت تقسيماً إدارياً محضاً، وليس سياسياً.
وبالتالي، يقوم مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي على العكس، عبر فرض نظام فيدرالي من الأعلى إلى الأسفل، وليس كما تطوّرت فكرة الفيدرالية في كل البلدان التي تطبقها باعتبارها تسوية بين رغبة الولايات في الاستقلال ورغبتها في الانضمام إلى اتحاد أقوى وأكبر لتعزّز مصالحها، وتتضمن حماية أكبر لمواردها.
كما أنه ليس هناك نظام فيدرالي يقوم على أساس التقسيم الإثني، كما يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي فرض ذلك في سورية، وربما كانت إثيوبيا البلد الوحيد الذي يقوم النظام الفيدرالي فيه على الأساس الديني والإثني، وهو ما مكّن قادتها من تعزيز فكرة الانقسام بين الأثيوبيين، بدل توحيدهم على مشروع سياسي واحد.
خيار الفيدرالية في سورية مستحيل واقعياً وسياسياً، فضلاً عن أنه غير ممكن تاريخياً كما شرحنا بالنسبة لتاريخ نشوء الأنظمة الفيدرالية في العالم، فضلاً عن أنه إذا أخذنا الاعتبارات التالية، فإن هذا الخيار يصبح مستبعداً أكثر فأكثر:
أولاً: حجم الكرد السوريين ليس كبيراً بالمقارنة مع أكراد العراق وتركيا وإيران، إذ يقدر عددهم بحوالى 1.6 مليون كردي سوري من أصل 23 مليون سوري، ومن غير المنطقي أن يشكلوا قوة تفاوضية، تستطيع مواجهة الرفض العربي المطلق لهذه الفكرة. كما أن كلاً من النظام السوري والمعارضة يرفض رفضاً مطلقاً وقاطعاً أي طرح يتضمن موضوع إنشاء إقليم أو دولة أو حتى إدارة ذاتية، حيث يرى السوريون أن لا أساس شرعياً لمثل هذه المطالب.
ثانياً: يتركز معظم الوجود الكردي في سورية في محافظة الحسكة التي يشكل الكرد فيها نسبة تقارب 30% من عدد سكان المحافظة ذات الأغلبية العربية، إذ يبلغ عدد القرى الكردية
445 قرية من أصل 1717 قرية، هي مجموع قرى محافظة الحسكة، كما يتركز الكرد السوريون، وبنسبة أقل في أقصى شمال محافظة حلب في مدينة عين العرب (كوباني)، والقرى المحيطة بها، وبعمق لا يزيد على 15 كم جنوب المدينة وغربها، مختلطاً مع قرى عربية، وفي منطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي من محافظة حلب. فلا يشكل الكرد أغلبية سكانية في أي من المناطق التي يسكنونها بالمقارنة مع العرب الذين يجاورونهم في المنطقة نفسها، فباقي الكرد السوريين يسكنون في دمشق وحلب.
ثالثاً: عدم الترابط الجغرافي بين مناطق انتشار الكرد في سورية: يتوزع الكرد جغرافياً في مناطق منفصلة عن بعضها، إذ تبلغ المسافة بين القامشلي وعين العرب (كوباني) حوالى 300 كم، أكثر من 150 كم منها خالية من أي وجود كردي، كما أن المسافة بين عين العرب كوباني وعفرين، يتخللها أكثر من 100 كم يسكنه العرب والتركمان.
رابعاً: محاذاة المناطق الثلاث لتركيا، وحيث أن الحالة الكردية في سورية ترتبط بشكل وثيق بالقضية الكردية في تركيا، فإن من الصعب جداً تقبل فكرة قيام كيان كردي محاذٍ لتركيا، خصوصاً وأن أكراد تركيا قد دخلوا مرحلة جديدة بعلاقتهم مع الدولة التركية بعد انهيار عملية السلام.
يمكن القول إن خيارات إقامة نظام فيدرالي في سورية أقرب إلى الصفر، لكن هذا لا يعني أبداً أنه لا يمكن للسوريين تطوير نظام سياسي تعدّدي، يحترم حقوق الكرد ومطالبهم، عبر إعادة هيكلة النظام السياسي، لكي يكون نظاماً برلمانياً واختيار النظام الانتخابي وإعادة رسم الدوائر الانتخابية.
الفيدرالية نظام للحكم اخترعه المؤسسون الأميركيون، وسيلة للتسوية بين الصراعات التاريخية بين الولايات المختلفة ورغبتها في الانضمام إلى اتحادٍ يمثل الجميع، وكان مفتاح هذا الصراع هو فكرة السيادة المقسمة، فقد برز مفهوم السيادة نظريةً تُستخدم لتحديد اختصاص الدولة القومية التي فرضت سلطتها العلمانية والقسرية على جميع المنافسين الآخرين، من أجل السلطة على الشعب، فالاختراع الأميركي لفكرة الفيدرالية كان يقوم على أساسٍ غير قابل للطعن على المستوى الاتحادي الفيدرالي، وعلى مستوى الولايات.
وهكذا ولدت فكرة الفيدرالية على يد ماديسون وهاملتون، بهدف إقناع الولايات المختلفة الانضمام إلى الاتحاد، مع الاحتفاظ بسيادتها التاريخية وتقاسم المسؤولية، بناءً على الأولويات، والتي ما زالت قيد النقاش، لكن تبقى مسائل مثل الدفاع والخارجية مسائل تتعلق بالنظام الفيدرالي فقط، في حين تعود قضايا من مثل الشرطة المحلية ونظام التعليم، وغير ذلك من اختصاص الولايات.
ولا يختلف الوضع في كندا أو ألمانيا عبر تطوير النظام الانتخابي تاريخياً، واحدةً من مراحل
وبالتالي، يقوم مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي على العكس، عبر فرض نظام فيدرالي من الأعلى إلى الأسفل، وليس كما تطوّرت فكرة الفيدرالية في كل البلدان التي تطبقها باعتبارها تسوية بين رغبة الولايات في الاستقلال ورغبتها في الانضمام إلى اتحاد أقوى وأكبر لتعزّز مصالحها، وتتضمن حماية أكبر لمواردها.
كما أنه ليس هناك نظام فيدرالي يقوم على أساس التقسيم الإثني، كما يسعى حزب الاتحاد الديمقراطي فرض ذلك في سورية، وربما كانت إثيوبيا البلد الوحيد الذي يقوم النظام الفيدرالي فيه على الأساس الديني والإثني، وهو ما مكّن قادتها من تعزيز فكرة الانقسام بين الأثيوبيين، بدل توحيدهم على مشروع سياسي واحد.
خيار الفيدرالية في سورية مستحيل واقعياً وسياسياً، فضلاً عن أنه غير ممكن تاريخياً كما شرحنا بالنسبة لتاريخ نشوء الأنظمة الفيدرالية في العالم، فضلاً عن أنه إذا أخذنا الاعتبارات التالية، فإن هذا الخيار يصبح مستبعداً أكثر فأكثر:
أولاً: حجم الكرد السوريين ليس كبيراً بالمقارنة مع أكراد العراق وتركيا وإيران، إذ يقدر عددهم بحوالى 1.6 مليون كردي سوري من أصل 23 مليون سوري، ومن غير المنطقي أن يشكلوا قوة تفاوضية، تستطيع مواجهة الرفض العربي المطلق لهذه الفكرة. كما أن كلاً من النظام السوري والمعارضة يرفض رفضاً مطلقاً وقاطعاً أي طرح يتضمن موضوع إنشاء إقليم أو دولة أو حتى إدارة ذاتية، حيث يرى السوريون أن لا أساس شرعياً لمثل هذه المطالب.
ثانياً: يتركز معظم الوجود الكردي في سورية في محافظة الحسكة التي يشكل الكرد فيها نسبة تقارب 30% من عدد سكان المحافظة ذات الأغلبية العربية، إذ يبلغ عدد القرى الكردية
ثالثاً: عدم الترابط الجغرافي بين مناطق انتشار الكرد في سورية: يتوزع الكرد جغرافياً في مناطق منفصلة عن بعضها، إذ تبلغ المسافة بين القامشلي وعين العرب (كوباني) حوالى 300 كم، أكثر من 150 كم منها خالية من أي وجود كردي، كما أن المسافة بين عين العرب كوباني وعفرين، يتخللها أكثر من 100 كم يسكنه العرب والتركمان.
رابعاً: محاذاة المناطق الثلاث لتركيا، وحيث أن الحالة الكردية في سورية ترتبط بشكل وثيق بالقضية الكردية في تركيا، فإن من الصعب جداً تقبل فكرة قيام كيان كردي محاذٍ لتركيا، خصوصاً وأن أكراد تركيا قد دخلوا مرحلة جديدة بعلاقتهم مع الدولة التركية بعد انهيار عملية السلام.
يمكن القول إن خيارات إقامة نظام فيدرالي في سورية أقرب إلى الصفر، لكن هذا لا يعني أبداً أنه لا يمكن للسوريين تطوير نظام سياسي تعدّدي، يحترم حقوق الكرد ومطالبهم، عبر إعادة هيكلة النظام السياسي، لكي يكون نظاماً برلمانياً واختيار النظام الانتخابي وإعادة رسم الدوائر الانتخابية.