01 نوفمبر 2024
القاع لم يمتلئ
كلما ظننا أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وصل إلى القاع في أقواله وتصريحاته، وما يقود البلاد إليه، فاجأنا بأن في جعبته المزيد والمزيد، وأن القاع لم يمتلئ بعد، وقعره لا يزال بعيداً. هذا ما نخرج به، ونحن نتابع الأخبار المتوالية الآتية من المحروسة. ليس الأمر حكراً على تصريحات "الرئيس الملهم"، والتي تخطت الكوميديا بأشواط، بل أيضاً بالممارسات اليومية التي تنقلها وسائل الإعلام المصرية، وكأنها طبيعية لا غرابة فيها، بل ربما يكون الغريب عكسها.
جديد ما وصلنا من هذه الممارسات كان الخبر الذي نشر في أكثر من وسيلة إعلام مصرية، وصيغ وكأنه إنجاز أمني كبير. يقول الخبر إنه تم ضبط فتاة في مطار القاهرة، وفي حوزتها نسخة مصورة من أحد كتب الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني. للوهلة الأولى، ومن قراءة عنوان الخبر، لا بد للمرء أن يتخيل أن في الأمر مزحة، وحتى وإن كان حقيقياً فلا بد للوسيلة الإعلامية أن تتعاطى معه بتهكم وإدانة شديدين. تدفعك هذه الأفكار تلقائياً إلى النقر على الخبر وقراءة ما يحتويه، لتفاجأ بصياغة أمنية خالصة، تشير إلى مهمة قام بها أحد قادة الشرطة، وتمكن خلالها من ضبط هذه الفتاة متلبسة بالجرم المشهود بحيازة نسخة من أعمال غسان كنفاني، إضافة إلى لائحة من أسماء أشخاص وأرقام هواتفهم.
هذا إنجاز أمني غير مسبوق، لا بد من تكريم من قام به، خصوصاً أنه حمى مصر من دخول أفكار تنويرية وإبداعية تحملها كتب كنفاني، ومنع هذه الفتاة من التواصل مع مجموعات من الأصدقاء الذين كان يمكن أن تناقش معهم هذه الأفكار وغيرها التي تختزنها في ذاكرتها، أو ذاكرة أجهزتها الذكية. لا حاجة لمصر حالياً بمثل هذه الرؤى، ما دام لديها مصدر أساسي للوحي يتمثل بالسيسي، ومن حوله من الكهان الذين لا يتوانون عن رسم هالات القداسة حوله.
هذه مجرد عينة من الأخبار التي يمكن متابعتها حصراً في مصر. فأرض الكنانة في عهد السيسي تسير بخطى حثيثة نحو التربع على عرش الديكتاتوريات العالمية. لم يسبق لنظام ديكتاتوري أن وصل إلى هذا الحد من القمع المادي والمعنوي، وبكل ما تسنى له من وسائل. كيف لا يكون كذلك، وهو المدعوم بـ "رضى شعبي" يطلب من الزعيم البقاء. ألم يخرج السيسي بنفسه إلى الملأ ليعلن، وعلى الوتيرة نفسها من الحنان والصوت الناعم المصطنع، أنه على أتم الاستعداد للرحيل، لو طلب الشعب ذلك. الأمر إذاً في غاية البساطة، ولا حاجة لدعوات تظاهر أو تجمعات ثورية، فقط طلب شعبي على غرار تفويض مكافحة الاٍرهاب الذي تحكم به الرئيس المصري بالبلاد وأهلها. لكن الأمر ليس كذلك، وليس على درجة بساطة التفويض، فشرط السيسي أن يخرج كل الشعب ويطلب، والكل يعني الكل، أي أنه لو خرج ثمانون مليوناً من أصل التسعين، فلن يكون ذلك كافياً، على الرغم من أن الشعب أيضاً لم يخرج بأكمله يوم التفويض، ولا يوم انتخاب السيسي نفسه للرئاسة، ولا في يوم الاقتراع على برلمانه، والذي كان مهزلة انتخابية لا مثيل لها.
أمام مثل هذه الممارسات الغرائبية، وهذا المستوى من التصريحات العجائبية، والتي تصدر عن رأس الهرم في الدولة، لا يمكن لوم من هم في مستوى أدنى من المسؤولية على ما يدلون به على المواقع الإخبارية أو شاشات التلفزة، على الرغم من أنها ربما تتفوق على "الأطروحات السيسية" أو توازيها. وهي أطروحات تقود مصر إلى مزيد من التدهور السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. تدهور لا يبدو أن له نهاية قريبة في ظل عملية إسكات أي صوت، يمكن أن يغرد خارج سرب السيسي وجماعته الذين أخذوا على عاتقهم إعطاء مصر صورتهم. وهي صورة مشوهة، لا يمكن أن تدوم، فلمصر وجه أبهى، لا بد أن يعود يوماً، حتى لو انحدر به السيسي إلى القاع.
جديد ما وصلنا من هذه الممارسات كان الخبر الذي نشر في أكثر من وسيلة إعلام مصرية، وصيغ وكأنه إنجاز أمني كبير. يقول الخبر إنه تم ضبط فتاة في مطار القاهرة، وفي حوزتها نسخة مصورة من أحد كتب الأديب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني. للوهلة الأولى، ومن قراءة عنوان الخبر، لا بد للمرء أن يتخيل أن في الأمر مزحة، وحتى وإن كان حقيقياً فلا بد للوسيلة الإعلامية أن تتعاطى معه بتهكم وإدانة شديدين. تدفعك هذه الأفكار تلقائياً إلى النقر على الخبر وقراءة ما يحتويه، لتفاجأ بصياغة أمنية خالصة، تشير إلى مهمة قام بها أحد قادة الشرطة، وتمكن خلالها من ضبط هذه الفتاة متلبسة بالجرم المشهود بحيازة نسخة من أعمال غسان كنفاني، إضافة إلى لائحة من أسماء أشخاص وأرقام هواتفهم.
هذا إنجاز أمني غير مسبوق، لا بد من تكريم من قام به، خصوصاً أنه حمى مصر من دخول أفكار تنويرية وإبداعية تحملها كتب كنفاني، ومنع هذه الفتاة من التواصل مع مجموعات من الأصدقاء الذين كان يمكن أن تناقش معهم هذه الأفكار وغيرها التي تختزنها في ذاكرتها، أو ذاكرة أجهزتها الذكية. لا حاجة لمصر حالياً بمثل هذه الرؤى، ما دام لديها مصدر أساسي للوحي يتمثل بالسيسي، ومن حوله من الكهان الذين لا يتوانون عن رسم هالات القداسة حوله.
هذه مجرد عينة من الأخبار التي يمكن متابعتها حصراً في مصر. فأرض الكنانة في عهد السيسي تسير بخطى حثيثة نحو التربع على عرش الديكتاتوريات العالمية. لم يسبق لنظام ديكتاتوري أن وصل إلى هذا الحد من القمع المادي والمعنوي، وبكل ما تسنى له من وسائل. كيف لا يكون كذلك، وهو المدعوم بـ "رضى شعبي" يطلب من الزعيم البقاء. ألم يخرج السيسي بنفسه إلى الملأ ليعلن، وعلى الوتيرة نفسها من الحنان والصوت الناعم المصطنع، أنه على أتم الاستعداد للرحيل، لو طلب الشعب ذلك. الأمر إذاً في غاية البساطة، ولا حاجة لدعوات تظاهر أو تجمعات ثورية، فقط طلب شعبي على غرار تفويض مكافحة الاٍرهاب الذي تحكم به الرئيس المصري بالبلاد وأهلها. لكن الأمر ليس كذلك، وليس على درجة بساطة التفويض، فشرط السيسي أن يخرج كل الشعب ويطلب، والكل يعني الكل، أي أنه لو خرج ثمانون مليوناً من أصل التسعين، فلن يكون ذلك كافياً، على الرغم من أن الشعب أيضاً لم يخرج بأكمله يوم التفويض، ولا يوم انتخاب السيسي نفسه للرئاسة، ولا في يوم الاقتراع على برلمانه، والذي كان مهزلة انتخابية لا مثيل لها.
أمام مثل هذه الممارسات الغرائبية، وهذا المستوى من التصريحات العجائبية، والتي تصدر عن رأس الهرم في الدولة، لا يمكن لوم من هم في مستوى أدنى من المسؤولية على ما يدلون به على المواقع الإخبارية أو شاشات التلفزة، على الرغم من أنها ربما تتفوق على "الأطروحات السيسية" أو توازيها. وهي أطروحات تقود مصر إلى مزيد من التدهور السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. تدهور لا يبدو أن له نهاية قريبة في ظل عملية إسكات أي صوت، يمكن أن يغرد خارج سرب السيسي وجماعته الذين أخذوا على عاتقهم إعطاء مصر صورتهم. وهي صورة مشوهة، لا يمكن أن تدوم، فلمصر وجه أبهى، لا بد أن يعود يوماً، حتى لو انحدر به السيسي إلى القاع.