تسود حالة من السخط بين الفقراء بعد اختفاء "موائد الرحمن" التي كانت تشتهر بها شوارع القاهرة وميادينها في خلال شهر رمضان الكريم. ويأتي ذلك بعد قرار لأجهزة الأمن يقضي بعدم إقامة الموائد إلا بتصريح مسبق لدواعٍ أمنية، حتى لا تستغل تلك الموائد في الاشتغال بالعمل السياسي، على الرغم من أن معظم قاصدي تلك الموائد لا يهمهم سوى إفطار المغرب.
وفي سيناء، قررت أجهزة أمن المحافظة منع إقامة موائد الرحمن، الأمر الذي دفع بعض أبناء المحافظة إلى استغلال الدواوين العامة الخاصة بالعائلات لاستقبال ضيوف الرحمن. وعندما علمت أجهزة الأمن بذلك، وضعت شروطاً لمنع الغرباء من الانضمام وإبلاغ الأمن عن أي مشتبه فيه. لم يعلم أحد المواطنين بقرار الأمن، وجهّز "صوان" لمائدة رمضان التي اعتادها في كل عام في منطقة بئر العبد. لكنه تلقى اتصالاً هاتفياً، فتوجّه على أثره إلى مقر سيادي حيث التقى بأحد الضباط. قال له: "ممنوع إقامة موائد رحمن في سيناء إطلاقاً". ردّ بأنه تعوّد على هذا التقليد، فقال الضابط: "بلاش كلام فاضي. الناس ليسوا جياعاً. فليأكل كل واحد في بيته". وهو الأمر الذي أصاب عشرات من أبناء سيناء بالصدمة، لأنهم أعدّوا الموائد أملاً في كسب الثواب في رمضان.
وكانت بعض شوارع القاهرة الرئيسية كرمسيس والجيش والقصر العيني وعباس العقاد، إلى جانب شارعَي الهرم وفيصل في الجيزة، تكتظّ في رمضان عادة بموائد الرحمن. لكن الحال تغيّرت فيها اليوم، فقلّت الموائد في حين اختفت أخرى كثيرة كانت تقيمها هيئات وجمعيات.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات حول الموضوع، فكتب الناشط عمرو عبد الهادي، عضو حركة الضمير على موقع "توتير": "تم قطع الكهرباء أثناء صلاة التراويح وبعد مئات السنين اختفت موائد الرحمن خوفاً من بطش السيسي ونظامه". من جهته، غرّد الناشط كريم محمد على "تويتر": "رمضان شهر الفقراء حيث يأكلون من الموائد، وتخفيف الموائد وعدم انتشارها كما كان في الماضي خوفاً لمعرفة حجم الفقراء والغلابة".
وبحسب ما يفيد المعنيون في محافظة القاهرة، فإن الموائد والكراسي التي تجهّز تعيق حركة المرور في القاهرة. وهي طلبت من أجهزة الأمن والأحياء عدم إقامة الموائد في الشوارع الرئيسية، على الرغم من أن تلك الشوارع هي التي تشهد حركة مرور، وأصحاب الموائد يفضلونها ليستفيد منها عابرو السبيل أو الفقراء.
محمد يوسف عامل أمن يحكي عن موائد العام الماضي، عندما كانت الموائد لا تخلو من العصائر الطبيعية وكانت كمية اللحوم تكفي أفراد الأسرة. يضيف: "كان في الإمكان التنويع في الأصناف، وكان الفقراء يجدون موائد الرحمن في الشوارع بكثرة. واليوم، اختفت بنسبة 80% بالمقارنة مع العام الماضي. أما ما يقدّم فيها، فأقل بكثير مما كان".
من جهته، يقول حجاج عبد العال، وهو سائق، إن "موائد كثيرة كانت تنتشر على الطريق السريع بين المحافظات خصوصاً عند مداخل المحافظات ومخارجها. أما هذا العام، فقد حضرت من أسيوط إلى سوهاج ولم أجد سوى ثلاث موائد على الرغم من عدم تسجيل ازدحام مروري". أما حسن علام، فيشير إلى أنه في العام الماضي "كانت تلك الموائد تؤمّن عصير فواكه طبيعي، في حين يقدَّم هذا العام العصير الصناعي. هو أرخص. كذلك، لا نجد جميع أنواع الحلويات كالكنافة والقطايف، بسبب ارتفاع سعر السكر والدقيق".
إلى ذلك، يخبر عصام محمد أن "أحداً لم يكن يخشى في الماضي أن يضرب مدفع الإفطار وهو لا يزال في الشارع. فهو كان سيجد من يدعوه إلى الإفطار، لا بل ويلح عليه لتناول الإفطار بلا مقابل". يضيف: "هذه الموائد المجانية التي عرفها المصريون منذ عشرات السنين اختفت اليوم، وذلك بحسب كثيرين نتيجة ارتفاع الأسعار وعدم استقرار البلاد أمنياً".
اقرأ أيضاً: إفطار الإسكندرية يستعد لدخول موسوعة غينيس