وذكرت المصادر التي تعمل بديوان وزارة الخارجية بعد دقائق من صدور قرار البرلمان الأوروبي، أن "مصر كانت على علم منذ أيام بتحرك النواب الأوروبيين ضدها، وحاولت تدارك الموقف بحشد بعض الدول المقرّبة منها، إلا أن سوء موقف التحقيقات الأمنية والقضائية في قضية ريجيني جعلت أيدي الدبلوماسية المصرية مكبّلة تماماً، فجميع المؤشرات الواردة من فريق التحقيق الإيطالي ليست في صالح أجهزة الأمن المصرية".
وألمحت المصادر إلى "وجود دور سري لمنظمات المجتمع المدني المصرية في حشد الدوائر البرلمانية اﻷوروبية، على خلفية منع بعض الحقوقيين من السفر مؤخرا"، وذلك على خلفية قضية التمويل الأجنبي التي كشف "العربي الجديد" تفاصيلها في 2 مارس/ آذار الحالي.
وأضافت المصادر أن وزارة الخارجية تلقت تحذيراً من عواقب التراخي في إعلان مسؤولية أجهزة الأمن في ظل عدم إنهاء أي تقارير تحريات أو تحقيقات مبدئية عن واقعة قتل الطالب الإيطالي، ولا سيما أن فريق التحقيق الإيطالي توصل إلى معلومات مهمة أنكرتها وزارة الداخلية المصرية، بالإضافة إلى إيداع تقرير الطب الشرعي الذي أكد تعرّض الطالب لـ"تعذيب احترافي" لإجباره على الإدلاء بأقوال أو معلومات، لكن جسده لم يتحمّل ذلك.
واستطردت المصادر قائلة إن "وزارة الخارجية لن تعلن رسمياً عن هذه الأخطاء التي تشوب إدارة هذا الملف الخطير في مصر، وقد تتجاهل واقعة إصدار القرار كلية بدعوى انشغالها بتغيير قيادة جامعة الدول العربية"، واضافت "لكن الحقيقة هي أن قرار البرلمان الأوروبي لم يكن من الوارد تلافيه دون إعلان مسؤولية أجهزة الأمن المصرية عما حدث، أو تقديم رواية أخرى معقولة".
اقرأ أيضا: زيارة وزير خارجية مصر لأميركا..مساءلة حول الاعتقالات والأوضاع الأمنية
ووصفت المصادر القرار بأنه "كارت ضغط قوي.. وضع مصر في خانة صعبة، وأصبح على القاهرة الآن تقديم تصورات متماسكة ودلائل قاطعة على عدم تورط أجهزتها الأمنية في قتل ريجيني، أو تقديم المسؤولين الأمنيين عن ذلك إلى المحاكمة"، مشيرة إلى أنه "لا توجد بدائل لهذا السيناريو".
وحول نتائج هذا القرار وآثاره على السياسات المصرية الحالية، أكدت المصادر أن "القرار لن يترجم مباشرة إلى قرارات حكومية، لكنه يمثل خطوة أولى ومهمة على طريق نجاح دوائر أوروبية في القضاء على المكاسب السياسية التي حققتها الحكومة المصرية الحالية على الصعيد الدبلوماسي"، قاصدة بذلك أن هذا القرار هو مقدمة لخسائر أوروبية لنظام السيسي، وفقدانه دعماً عكف على تأمينه منذ توليه الرئاسة.
وأوضحت المصادر أن "مصر اعتمدت في دبلوماسيتها الأوروبية على دول متوسطية، كإيطاليا واليونان وقبرص، ثم في مرحلة لاحقة فرنسا، للترويج للنظام الجديد كشريك تستطيع أوروبا الاعتماد عليه استراتيجياً وأمنياً واقتصادياً، وأي قرار من البرلمان الأوروبي بالتوصية بعقوبات ضد مصر حالياً، ستؤدي إلى تراجع تصنيف هذا النظام سياسياً، وسيتطلب الأمر شهوراً أخرى لإعادة ترميم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي".
من جهته، قال مصدر أمني بإدارة الأمن العام بوزارة الداخلية المصرية، في تصريح مقتضب لـ"العربي الجديد"، إن "القرار مقلق"، مشيراً إلى أن "الوزارة ترتبط بعقود سارية واتفاقات مع عدد من الشركات الأوروبية بالإضافة لوزارات الداخلية بإيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا لتعزيز التعاون الأمني وتبادل التدريب، وكذلك تصدير المنتجات الأمنية والمعدات".
اقرأ أيضا: "ذا إندبندنت":هل قتل الطالب الإيطالي برعاية الدولة في مصر؟
وأضاف المصدر أن "قرار البرلمان الأوروبي لا يعني بدء تفعيل حظر تقديم المساعدات لمصر من الآن، لأن القرار سياسي، بينما التعاقدات ذات صفة قانونية وسارية"، متوقعاً أن تتمكن مصر من خلال عملها الدبلوماسي من تجاوز هذه المرحلة الحرجة من العلاقات مع أوروبا.
وحول دور وزارة الداخلية في تحسين صورة مصر من خلال المساهمة بفاعلية ومسؤولية في تحقيقات مقتل الطالب الإيطالي، أجاب المصدر "التحقيقات في يد القضاء، ولا نملك التدخل فيها، وما يتردد عن الاختفاء القسري معروض أمام القضاء أيضاً، ولا يوجد معتقلون ليسوا على ذمة قضايا في مصر".
وعمّا تضمّنه قرار البرلمان الأوروبي من حث مصر على إطلاق سراح جميع المحبوسين لمجرد التعبير عن آرائهم أو التجمع السلمي، وضمان عمل منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية والنقابات المستقلة بحرية بدون تدخل حكومي أو مضايقات، وإلغاء حظر السفر المفروض على بعض الحقوقيين، قال المصدر "جميع هذه القرارات قضائية، وليست سياسية أو إدارية، وعلى البرلمان الأوروبي أن يعي الفارق بين القرارات التي يتخذها القضاء، والتصرفات التي تبدر من الحكومة".
يذكر أن القرار الأوروبي دان تعذيب وقتل الطالب الإيطالي في "ظروف مريبة"، على حد وصفه، واعتبر أن هذه الحالة تأتي بعد قائمة طويلة من الاختفاء القسري التي تحدث في مصر منذ يوليو/ تموز 2013، وطالب السلطات المصرية بتقديم جميع المعلومات والأوراق اللازمة للسلطات الإيطالية، لضمان تحقيق مشترك سريع وشفاف وحيادي في قضية ريجيني بما يتماشى مع الالتزامات الدولية، وببذل كل الجهود الممكنة لتقديم الجناة للعدالة في أسرع وقت ممكن، واعتبر أن حالة ريجيني ليست منفصلة عن السياق المصري العام.
ودعا القرار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للالتزام الكامل بقرار مجلس الشؤون الخارجية في أغسطس/ آب 2013 الخاص بوقف تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية والتعاون الأمني مع مصر، مطالبا أيضا بتعليق تصدير معدات المراقبة، عندما تكون هناك أدلة على أن مثل هذه المعدات قد تستخدم في انتهاكات حقوق الإنسان.
كما طالبت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي بتقديم تقرير عن الحالة الراهنة للتعاون العسكري والأمني من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع مصر، ووضع خارطة طريق بالتشاور الوثيق مع البرلمان الأوروبي يحدد الخطوات الملموسة التي يجب اتخاذها من قبل السلطات المصرية لتحقيق تحسن ملحوظ في وضعية حقوق الإنسان وإصلاح قضائي شامل قبل إعادة النظر في قرار أغسطس 2013.
اقرأ أيضا: توصية بعقوبات أوروبية على مصر إثر مقتل الطالب الايطالي