18 اغسطس 2018
القبيلة والأزمة الخليجية
مبارك الجِرِي
باحث كويتي، له كتابان "تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجاً" و"النهضة تتحول.. سلسلة حوارات مع حركة النهضة التونسية"
عرفت القبيلة في دول الخليج العربي تحولاتٍ فكرية واجتماعية، بعد انتقالها إلى الدولة والاندماج مع المكونات الاجتماعية الأخرى، فلم تعد القبيلة، وفق المفهوم الذي يطرحه بعض الباحثين في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، مجرد تنظيم صحراوي غير ثابت ومتنقل، بل أصبحت مكوناً اجتماعياً يشكل جزءاً كبيراً من المجتمعات الخليجية إلى جانب العوائل والمذاهب الأخرى، وذلك بعد استقرارها وانتظامها مع مفهوم الدولة الحديثة.
وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد ارتفاع أسعار النفط، أصبح لأبناء القبائل حضور قوي ولافت في الحقل الوظيفي بتنوعه. وعلى الرغم من هذا التطور، ما زال هذا المكون محافظاً على العلاقات والعادات والتقاليد القبلية. ولغالبية القبائل وجود في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وتربطهم ثنائية المصاهرة والنسب مع القبائل الأخرى (بما فيها الأسر الخليجية الحاكمة)، وتدخل هذه العلاقات في تشكيل طبيعة المجتمعات الخليجية، إلى جانب المكونات الاجتماعية الأخرى. ولذلك يصف بعضهم مجتمعات دول الخليج بالمجتمعات القبلية أو العشائرية. وترى الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، ميريام كوك، في كتاب لها، أن العامل الوحيد الذي يُميز المجتمعات الخليجية هو القبيلة.
ويمكن القول إن أوجه الشبه بين المجتمعات الخليجية أكثر من أوجه الاختلاف، خصوصاً إذا
سلطنا الضوء على الاعتبارات الاجتماعية والجغرافية والثقافية التي تدخل في تحديد مصير الدول الخليجية. والتداخل والارتباط بين مكونات المجتمعات الخليجية، وفي مقدمتها القبائل، ساهما في تحديد مواضيع الاستقرار السياسي والأمني في المقام الأول. وعلى الرغم من حداثة الدول وتطورها في الخليج العربي، إلا أن موقع القبائل في أمن الخليج ما زال حاضراً ومؤثراً، ويستحيل عزله. ويمكن ملاحظته في جميع المستويات الوظيفية، وخصوصاً المؤسسة العسكرية والأمنية ، فضلاً عن المستوى الاجتماعي الذي يشكل أحياناً مدخلاً لحل الخلافات الداخلية التي تشهدها كل دولة على حدة.
مرت الأزمة الخليجية، منذ مايو/ أيار الماضي، بمراحل تصعيدية، أخطرها ما يحدث بين أبناء الخليج العربي من شقاق وتفكك وانهيار للقيم والعادات والتقاليد في منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من خطورة هذه المرحلة، إلا أن اللغة الاجتماعية التي حكمت هذا العالم الافتراضي، منذ بداية الأزمة، لا تعكس الواقع الاجتماعي المراد تغييره، ولا تمثله. الحكمة الاجتماعية حاضرة، وما زالت تتجنب التفاعل مع المنطق السياسي الذي يدير هذه الأزمة منذ بدايتها، وصار التحفظ عن إبداء أي رأي وموقف عنوان هذه الحكمة. وفي هذه الأزمة الخليجية نوعان من الحياد: سياسي يمثل موقف كل من دولة الكويت وسلطنة عمان، واجتماعي، قد لا تُفهم حقيقته عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي تسيطر عليه حسابات، وهمية وموجهة، لا تعبر عن حقيقة الحياد الهادف إلى عقلنة الأزمة الخليجية وتهدئتها.
ما يجمع المجتمعات الخليجية أكثر مما يفرّقها، وهذا ما يفسر التشابه في الشخصية الخليجية
كما ذكرت السطور السابقة. ويزداد التشابه والتلاقي أكثر لدى المكون القبلي الخليجي الذي يصعب فصله وتفريقه لأسباب سياسية، لأن لكل قبيلة امتداداً وحضوراً اجتماعيين كبيرين في كل الدول الخليجية. ولم تنقطع هذه العلاقات بعد الأزمة كالذي حصل بين أطرافها. وليس المعنى هنا أن الأزمة لم تتسبب في إدخال المجتمع في طور جديد غير مستقر، بل على العكس تعتبر تداعياتها الاجتماعية أخطر بكثير من السياسية والاقتصادية.
يكمن في التكوين الاجتماعي الخليجي مخرج من هذه الأزمة، وقد تكون القبيلة في مقدمة الحلول، وذلك لما تملكه من قوة اجتماعية تاريخية مؤثرة وعصبية إيجابية، كما يصفها ابن خلدون، ترتكز على المساندة والتماسك الاجتماعي، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة في استقرار الأنظمة الخليجية. ولن تصب القطيعة بين أبناء العمومة في دول الخليج في صالح استقرار القبيلة، فهذه القبائل، بعيداً عن مفهوم البداوة، قائمة على ما يجمعها من علاقات ارتباطية، ونهايتها تعني شكلاً جديداً لطبيعة المجتمعات الخليجية.
وتنبغي الإشارة إلى أن المقصود بالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية المترابطة والمتماسكة التي تتميز بها كل المكونات الاجتماعية الأخرى، وليست القبليّة بتعصبّها السلبي، فشتان ما بينهما على حد وصف أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، الدكتور عبد المالك التميمي، "أغلبنا قبليون في تفكيرنا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون أغلبنا من القبائل". ويمكن القول إن الحفاظ على وحدة المجتمع الخليجي بحاجة ماسة إلى ذلك النوع من التفكير الذي قد يتحول إلى أحد العوامل المساعدة لرأب الصدع بين أطراف الأزمة.
Twitter: @MubarakAljeri
وفي مطلع السبعينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد ارتفاع أسعار النفط، أصبح لأبناء القبائل حضور قوي ولافت في الحقل الوظيفي بتنوعه. وعلى الرغم من هذا التطور، ما زال هذا المكون محافظاً على العلاقات والعادات والتقاليد القبلية. ولغالبية القبائل وجود في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، وتربطهم ثنائية المصاهرة والنسب مع القبائل الأخرى (بما فيها الأسر الخليجية الحاكمة)، وتدخل هذه العلاقات في تشكيل طبيعة المجتمعات الخليجية، إلى جانب المكونات الاجتماعية الأخرى. ولذلك يصف بعضهم مجتمعات دول الخليج بالمجتمعات القبلية أو العشائرية. وترى الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، ميريام كوك، في كتاب لها، أن العامل الوحيد الذي يُميز المجتمعات الخليجية هو القبيلة.
ويمكن القول إن أوجه الشبه بين المجتمعات الخليجية أكثر من أوجه الاختلاف، خصوصاً إذا
مرت الأزمة الخليجية، منذ مايو/ أيار الماضي، بمراحل تصعيدية، أخطرها ما يحدث بين أبناء الخليج العربي من شقاق وتفكك وانهيار للقيم والعادات والتقاليد في منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من خطورة هذه المرحلة، إلا أن اللغة الاجتماعية التي حكمت هذا العالم الافتراضي، منذ بداية الأزمة، لا تعكس الواقع الاجتماعي المراد تغييره، ولا تمثله. الحكمة الاجتماعية حاضرة، وما زالت تتجنب التفاعل مع المنطق السياسي الذي يدير هذه الأزمة منذ بدايتها، وصار التحفظ عن إبداء أي رأي وموقف عنوان هذه الحكمة. وفي هذه الأزمة الخليجية نوعان من الحياد: سياسي يمثل موقف كل من دولة الكويت وسلطنة عمان، واجتماعي، قد لا تُفهم حقيقته عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي تسيطر عليه حسابات، وهمية وموجهة، لا تعبر عن حقيقة الحياد الهادف إلى عقلنة الأزمة الخليجية وتهدئتها.
ما يجمع المجتمعات الخليجية أكثر مما يفرّقها، وهذا ما يفسر التشابه في الشخصية الخليجية
يكمن في التكوين الاجتماعي الخليجي مخرج من هذه الأزمة، وقد تكون القبيلة في مقدمة الحلول، وذلك لما تملكه من قوة اجتماعية تاريخية مؤثرة وعصبية إيجابية، كما يصفها ابن خلدون، ترتكز على المساندة والتماسك الاجتماعي، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسة في استقرار الأنظمة الخليجية. ولن تصب القطيعة بين أبناء العمومة في دول الخليج في صالح استقرار القبيلة، فهذه القبائل، بعيداً عن مفهوم البداوة، قائمة على ما يجمعها من علاقات ارتباطية، ونهايتها تعني شكلاً جديداً لطبيعة المجتمعات الخليجية.
وتنبغي الإشارة إلى أن المقصود بالقبيلة هي الوحدة الاجتماعية المترابطة والمتماسكة التي تتميز بها كل المكونات الاجتماعية الأخرى، وليست القبليّة بتعصبّها السلبي، فشتان ما بينهما على حد وصف أستاذ التاريخ في جامعة الكويت، الدكتور عبد المالك التميمي، "أغلبنا قبليون في تفكيرنا، ولكن ليس بالضرورة أن يكون أغلبنا من القبائل". ويمكن القول إن الحفاظ على وحدة المجتمع الخليجي بحاجة ماسة إلى ذلك النوع من التفكير الذي قد يتحول إلى أحد العوامل المساعدة لرأب الصدع بين أطراف الأزمة.
Twitter: @MubarakAljeri
دلالات
مبارك الجِرِي
باحث كويتي، له كتابان "تحولات الإسلام السياسي.. حركة النهضة التونسية نموذجاً" و"النهضة تتحول.. سلسلة حوارات مع حركة النهضة التونسية"
مبارك الجِرِي
مقالات أخرى
10 اغسطس 2018
30 يوليو 2018
21 يوليو 2018